الشيخ حسين كوراني
* وصية العلامة الحلي لولده(1)
اعلم يا بني أعانك اللَّه تعالى على طاعته، ووفقك لفعل الخير وملازمته، وأرشدك إلى ما يحبه ويرضاه، وبلغك ما تأمله من الخير وتتمناه، وأسعدك في الدارين، وحباك بكل ما تقر به العين، ومد لك في العمر السعيد والعيش الرغيد، وختم أعمالك بالصالحات، ورزقك أسباب السعادات، وأفاض عليك من عظائم البركات، ووقاك اللَّه كل محذور، ودفع عنك الشرور إني قد لخصت لك في هذا الكتاب لب فتاوى الأحكام، وبينت لك فيه قواعد شرائع الإسلام بألفاظ مختصرة وعبارات محررة، وأوضحت لك فيه نهج الرشاد وطريق السداد، وذلك بعد أن بلغت من العمر الخمسين ودخلت في عشر الستين، وقد حكم سيد البرايا صلّى اللَّه عليه وآله بأنها مبدأ اعتراك المنايا. فإن حكم اللَّه تعالى عليّ فيها بأمره وقضى فيها بقدره وأنفذ ما حكم به على العباد الحاضر منهم والباد فإني أوصيك كما افترض اللَّه تعالى عليّ من الوصية وأمرني به حين إدراك المنية .
1- بملازمة تقوى اللَّه تعالى، فإنها السنُّة القائمة والفريضة اللازمة والجُنَّة الواقية والعُدَّة الباقية وأنفع ما أعده الإنسان ليوم تشخص فيه الأبصار ويعدم عنه الأنصار.
2- وعليك باتباع أوامر اللَّه تعالى، وفعل ما يرضيه، واجتناب ما يكرهه، والانزجار عن نواهيه.
3- وقطع زمانك في تحصيل الكمالات النفسانية، وصرف أوقاتك في اقتناء الفضائل العلمية، والارتقاء عن حضيض النقصان إلى ذروة الكمال، والارتفاع إلى أوج العرفان عن مهبط الجهال.
4- وبذل المعروف ومساعدة الإخوان.
5- ومقابلة المسيء بالإحسان والمحسن بالإمتنان.
6- وإياك ومصاحبة الأرذال ومعاشرة الجهال، فإنها تفيد خلقاً ذميماً، وملكة ردية.
7- بل عليك بملازمة العلماء ومجالسة الفضلاء، فإنها تفيد استعداداً تاماً لتحصيل الكمالات، وتثمر لك ملكة راسخة لاستنباط المجهولات.
8- وليكن يومك خيراً من أمسك.
9- وعليك بالتوكل والصبر والرضا.
10- وحاسب نفسك في كل يوم وليلة.
11- وأكثر من الإستغفار لربك.
12- واتق دعاء المظلوم، خصوصاً اليتامى والعجائز ، فإن اللَّه تعالى لا يسامح بكسر كسير.
13- وعليك بصلاة الليل، فإن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله حث عليها وندب إليها، وقال: "من ختم له بقيام الليل ثم مات فله الجنة".
14- وعليك بصلة الرحم، فإنها تزيد في العمر.
15- وعليك بحسن الخلق، فإن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قال: "إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم".
16- وعليك بصلة الذرية العلوية، فإن اللَّه تعالى قد أكد الوصية فيهم، وجعل مودتهم أجر الرسالة والإرشاد، فقال تعالى: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾. وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: "إني شافع يوم القيامة لأربعة أصناف ولو جاؤوا بذنوب أهل الدنيا: رجلٍ نصر ذريتي، ورجل بذل ماله لذريتي عند المضيق، ورجل أحب ذريتي باللسان والقلب، ورجل سعى في حوائج ذريتي إذا طردوا أو شردوا". وقال الصادق عليه السلام: "إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: أيها الخلائق أنصتوا فإن محمداً يكلمكم، فينصت الخلائق، فيقوم النبي صلى اللَّه عليه وآله فيقول: يا معشر الخلائق، من كانت له عندي يد أو منة أو معروف فليقم حتى أكافيه"، فيقولون بآبائنا وأمهاتنا، وأي يد وأي منة وأي معروف لنا، بل اليد والمنة والمعروف لله ولرسوله على جميع الخلائق، فيقول: "بلى ، من آوى أحداً من أهل بيتي أو برهم أو كساهم من عري أو أشبع جائعهم فليقم حتى أكافيه". فيقوم أناس قد فعلوا ذلك، فيأتي النداء من عند اللَّه تعالى: "يا محمد يا حبيبي، قد جعلت مكافأتهم إليك، فأسكنهم من الجنة حيث شئت" فيسكنهم في الوسيلة حيث لا يحجبون عن محمد وأهل بيته صلوات اللَّه عليهم أجمعين.
17- وعليك بتعظيم الفقهاء وتكريم العلماء، فإن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قال: "من أكرم فقيهاً مسلماً لقي اللَّه تعالى يوم القيامة وهو عنه راضٍ، ومن أهان فقيهاً مسلماً لقي اللَّه تعالى يوم القيامة وهو عليه غضبان". وجعل النظر إلى وجه العالم عبادة، والمشي إلى باب العالم عبادة، ومجالسة العلماء عبادة.
18- وعليك بكثرة الإجتهاد في ازدياد العلم والتفقه في الدين، فإن أمير المؤمنين عليه السلام قال لولده: "وتفقه في الدين فإن الفقهاء ورثة الأنبياء". وإن طالب العلم يستغفر له من في السموات ومن في الأرض، حتى الطير في جو السماء، والحوت في البحر، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى به.
19- وإياك وكتمان العلم ومنعه عن المستحقين لبذله، فإن اللَّه تعالى يقول:﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾. وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: "إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة اللَّه". وقال عليه السلام: "لا تؤتوا الحكمة غير أهلها فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم".
20- وعليك بتلاوة الكتاب العزيز، والتفكر في معانيه، وامتثال أوامره ونواهيه.
21- وتتبع الأخبار النبوية والآثار المحمدية، والبحث عن معانيها واستقصاء النظر فيها. وقد وضعت لك كتباً متعددة في ذلك كله. هذا ما يرجع إليك.
22- وأما ما يرجع إلي ويعود نفعه عليّ: فأن تتعهدني بالترحم في بعض الأوقات، ب وأن تهدي إلي ثواب بعض الطاعات، ج ولا تقلل من ذكري فينسبك أهل الوفاء إلى الغدر، ولا تكثر من ذكري فينسبك أهل الغرم إلى العجز، بل أذكرني في خلواتك وعقيب صلواتك، د واقضِ ما علي من الديون الواجبة والتعهدات اللازمة، ه وزر قبري بقدر الإمكان، و واقرأ عليه شيئاً من القرآن، وكل كتاب صنفته وحكم اللَّه تعالى بأمره قبل إتمامه فأكمله وأصلح ما تجده من الخلل والنقصان والخطأ والنسيان. هذه وصيتي إليك، واللَّه خليفتي عليك، والسلام عليك ورحمة اللَّه وبركاته. والحمد للَّه رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلقه محمد وآله المعصومين وعترته الطيبين .
(1) هو "الحسن بن يوسف بن علي بن مطهر بالميم المضمومة والطاء غير المعجمة والهاء المشددة والراء". الشهير ب "العلامة الحلي 726 648 هجرية، وقد وردت الوصية في آخر كتابه المرجعي "قواعد الأحكام" الذي قال فيه المحقق الكركي: "إن كتاب قواعد الأحكام كتاب لم يسمح الدهر بمثاله ولم ينسج ناسج على منواله قد احتوى من الفروع الفقهية على ما لا يوجد في مصنف ولم يتكفل ببيانه مؤلف".