مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

شهيد الوعد الصادق: حسن محمد الأطرش (زين)


اسم الأم: مريم مرعي
رقم القيد: 6
الوضع العائلي: عازب
محل وتاريخ الولادة: يونين/1-6 - 1979
مكان وتاريخ الاستشهاد: بعلبك/ 21 - 7 - 2006


تبوح رسومات حسن على الأوراق وحفره على الخشب بمكنونات قلبه المغلّفة بالصمت. فهو وإن كان مُناقشاً فذاً في مختلف المواضيع وعنيداً متشبِّثاً برأيه الذي يدليه بصراحةٍ بعيداً عن المجاملات، فقد احتفظَ بالكثير من الأسرار بداخله، فنأى عن طرح ما يصول ويجول بداخله حتى مع أقرب الناس إليه، فكان يلوذ بالوحدةِ تحت شجرة لوزٍ وارفة خلف البيت في بعلبك، فيجلس متفكراً مبحراً في يمِّ الماضي والحاضر والمستقبل، من دون أن يدنو أحد من خلوته، فالجميع كان يعرفُ ماذا يعني جلوسه هناك.

شخصية مسؤولة وحساسة
ذلك الحزن والهمّ اللذان دثَّرهما بروحٍ مرحة، وحركة مفرطة، علّماهُ كيف يقرأ تقاسيم وجه الآخرين، فهو لا يحتاجُ إلى أن يسأل أمه أو أخوته ما بهم، بل يكفي أن ينظر إلى وجوههم، ليقول تلك الكلمة السحرية المفتاح التي سرعان ما تفتح قلوبهم على مصاريعها، فيخبرونه بما أهمهم. وكان أكثر ما يكسرُ قلبه هو تعب والدته التي عملتْ لأجل إعالة أولادها، فتحيّر حسن كيف يخفِّف عنها، ما دفعه إلى البحث الدؤوب عن عملٍ بين بعلبك وبيروت، وعمل في عدة مهنٍ، إلى أن استقرَّ به الحال في مطعم في بيروت، فكان يقضي معظم الأسبوع في العاصمة ويتوجه أيام العطل إلى بعلبك.

للحرب ذكرياتها المرة
وكان لبيروت ذكرياتٌ منذ طفولته، فعندما مكثت العائلة لفترةٍ لا بأس بها في العاصمة، شاهدت عيناه الصغيرتان صفحات الحرب التي أماطت اللثام عن وجوه رجالٍ صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فكان استشهاد زوج خالته علي حسن العمار (علاء)، في العام 1988 نقطة تحوّل في نظرته للأمور، فقد تأثر باستشهاده كثيراً وشحذت همته، على صغر سنه، إلى حبّ الجهاد والتضحية في سبيل الله عز وجل. ولأنه تربى وسط بيئة ملتزمة، وفي بيتٍ حافظ فيه الوالدان على تدين أولادهما، تمازجت الروح الجهادية والروح المعنوية الإيمانية في روحه، فلم تأخذه تجاذبات بعض الشباب، ولا طرأ تغيّر على قلبه، فالأوراق التي ملأها في صغره برسوماتٍ عن المقاومة، حوّلها إلى حقيقةٍ في شبابه، وإن لم يوفّق في خوض معارك حقيقية قبل حرب تموز 2006، بسبب الظروف الاجتماعية التي مرّت بها العائلة، والتي ألقت على عاتقه مسؤوليات جسيمة تجاه أمه وأخوته.

نجا من غارة إسرائيلية بأعجوبة
كان حسن شاباً شجاعاً قوي القلب على عكس ما حملته شخصيته في صغره من ترّقبٍ وخشية من الابتعاد عن عائلته، إذ اضطر والداه إلى تأجيل دخوله إلى المدرسة حتى دخل أخوه الذي يصغره سناً بسنة واحدةٍ إليها، فكانا يذهبان معاً وكانا في الصف ذاته. وقد تعرض الصبيان الصغيران في العام 1984 إلى حادثة نَجَوَا منها بأعجوبة عندما أغار الطيران الحربي الإسرائيلي على سيّار الدرك في بعلبك والملاصق للمدرسة، فأمسك أخوه بيده ووقفا خائفين بمحاذاة حائط المدرسة فيما كان الزجاج يتطاير قطعاً كبيرة وينغرسُ في الأرض، ونثرات الزجاج حولهما كالمطرِ، وبلطفٍ من الله القدير لم يُجرحا، بل كانا كأنهما يقفان تحت مظلةٍ حمتهما من الشظايا والزجاج.

شدة الاعتزاز بالنفس
لم يكمل حسن دراسته الأكاديمية على الرغم من ذكائه الحاد وسرعة بديهته، فهو كان يحفظُ الدروس بمجرد أن يشرحها الأستاذ، ولكن تعرضه للضرب من قبل الأستاذ أمام رفاقه، في وقتٍ تزامن مع مشاكل عائلية أثرّت عليه كثيراً، دفعه لترك المدرسة مباشرةً والتوجه إلى العمل، فحسن كان طوال عمره شديد الاعتزاز بنفسه، وقوي الشخصية، لا يقبلُ أن يُفرض عليه موقف ضعفٍ أبداً. في العام 1996 وأثناء مشاركته في إحدى الدورات العسكرية، تعرض حسن لتمزقات في أعصاب أذنيه ففقد السمع بنسبة 60%، وطوال السنوات التي تلت الحادثة كان يتلقى العلاج. حسن بروحه المرحة وحبه للمزاح، اخترقت محبته قلوب جميع من عرفه، فقد كان شخصاً خدوماً طيباً محباً لمن حوله؛ ولكن من يعرفه عن قربْ يلمس الحدود البينة والواضحة التي وضعها في علاقته مع الآخرين، إذ حافظ على الطابع الجاد في رسمِ علاقاته.

خطَّ درب الشهادة بيديه
في الفترة الأخيرة من حياته تغيرت أشياء كثيرة في سلوكه وتصرفاته، فقبل خمسة أشهر من حرب تموز التحق حسن بالتعبئة العسكرية العامة بعد أن كانت ظروف عمله تمنعه من ذلك، ولكنه استغل يومي العطلة أثناء وجوده في بعلبك ليحضر الدروس ويتابع مع الأخوة بعض الأعمال، حتى أن المستحبات التي كان يقوم بها في أوقات متفرقة واظب عليها خلال الشهر الذي استشهد فيه، وزاد تعلّقه بالقرآن الكريم بشكل لافت. وصار يتحدثُ عن الشهادة كثيراً، حتى أنه كان إذا قام بخدمة ما لأحدٍ ما، أخبره أنه غداً سيتذكره بها بعد استشهاده، مع العلم بأنه كان يتهيأ للارتباط بإحدى الأخوات التي تعرّف إليها في بيروت، وكان قد حُدد موعد الخطوبة الذي ألغته حرب تموز. التحق حسن مباشرة بمجموعات الحراسة عند بداية الحرب. وقد حاول أن يذهب إلى الجنوب ليكون في الخطوط الأمامية، غير أن مستوى تدريبه العسكري منعه من ذلك، فبقي مع المجاهدين ليل نهار، يتنقل من زاوية إلى أخرى دون تعبٍ أو كلل.

وفي الليلة التي سبقت شهادته، حضّر الشاي لرفاقه ووزع الأكواب عليهم وهو يقول: « أنا اليوم بينكم أما غداً فلا». وقد أرسل إلى والدته -التي لم يرها في الحرب- سلامه الحار وطلب إليها أن ترضى عليه. وفي يوم 21 تموز 2006، كان حسن ورفيقه يحرسان كعادتهما عندما حان وقت جلب طعام الفطور للإخوة. وكان على احدهما فعل ذلك. فطلب حسن إلى رفيقه الذهاب ليبقى هو في نقطة الحراسة، وما إن غاب رفيقه حتى أغار الطيران الحربي الإسرائيلي على المكان، فاستشهد حسن على الفور. بعد فترة قصيرة من استشهاده، أصيبت الأخت التي كان ينوي الارتباط بها بمرضٍ عضال، عانت منه لفترة قصيرة قبل أن تسلم الروح إلى بارئها. استشهد حسن وقبضته تشدّ على البندقية، تلك القبضة ذاتها التي كانت تلطمُ حزناً على الإمام الحسين عليه السلام في مقام السيدة خولة عليها السلام في بعلبك.. وارتاحتْ تلك الأصابع التي تركت الكثير من الرسومات في منزل الأم والأقارب ذكرى من شاب عندما عشق الشهادة فاز بها.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع