مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

إن كنتم تحبون الله..(*)


العلامة السيّد محمّد حسين الطباطبائي قدس سره


يقول الله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ (آل عمران: 31-32).
في هذا المقال يهدف السيد الطباطبائي قدس سره إلى بيان أنّ عبادة الله بإخلاص لا تتمّ إلا باتّباع الأنبياء عليهم السلام فلا يصل إليه سبحانه عبدٌ إلا عبرهم.

* حقيقة الإخلاص
يدعو الله سبحانه عبده إلى الإيمان به، وعبادته بإخلاص، والاجتناب عن الشرك، كما قال تعالى: ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ (الزمر: 3)، وقال عزّ وجلّ: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ (البينة: 5).

إنّ الإخلاص في الدين إنّما يتمّ إذا لم يتعلّق قلب الإنسان -الذي لا يريد شيئاً ولا يقصد أمراً إلّا عن حبٍّ نفسيّ وتعلُّقٍ قلبيّ- بغيره تعالى من معبود أو مطلوب؛ كصنمٍ أو ندٍّ أو غايةٍ دنيوية، بل ولا مطلوب أُخروي كفوزٍ بالجنة أو خلاصٍ من النار، وإنّما يكون متعلَّقُ قلبه هو الله تعالى في معبوديّته. فالإخلاص لله في دينه إنّما يكون بحبّه تعالى.

* الحبّ: خضوعٌ والتزام
الحبُّ هو الوسيلة الوحيدة لارتباط كلّ طالبٍ بمطلوبه وكلّ مريدٍ بمراده، وبه ينجذب المحبُّ إلى محبوبه؛ ليجده ويتمّ به ما للمحبّ من النقص. ولا بشرى للمحبّ أعظم من أن يبشَّر بأنّ محبوبه يحبُّه. فالعبد المخلص لله بالحبّ لا بغية له إلّا أن يحبَّه الله سبحانه، كما إنّه يحبّ الله، ويكون الله له كما يكون هو لله عزَّ اسمه، إلّا أنّ الله سبحانه لا يعدّ في كلامه كلَّ حبّ له حبّاً، فإنّ حبّ الشيء يقتضي حبَّ جميع ما يتعلّق به، ويوجب الخضوع والتسليم لكلّ ما هو في جانبه، والتدُّين له بدين التوحيد وطريق الإسلام، على قدر ما يطيقه إدراك الإنسان وشعوره.

* الإسلام دعوة وإخلاص
وقد عرّف النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم سبيله الذي سلكه بسبيل التوحيد وطريقة الإخلاص على ما أمره الله سبحانه، بقوله: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (يوسف: 108)، فذكّر أنّ سبيله الدعوة إلى الله على بصيرة، والإخلاص له من غير شرك. فسبيله دعوة وإخلاص، واتباعه واقتفاء أثره إنّما هو في ذلك، فالإخلاص علامة مَن اتّبعه.

ثمّ ذكر الله سبحانه أنّ شريعة الإسلام التي شرّعها له صلى الله عليه وآله وسلم هي الممثِّلة لهذا السبيل، سبيل الدعوة والإخلاص، ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا﴾ (الجاثية: 18)، وأنّ الإسلام إسلامٌ لله، ﴿فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ﴾ (آل عمران: 20)، ثم نسبه إلى نفسه وبيّن أنّه صراطه المستقيم، ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ﴾ (الأنعام: 153). فتبيّن بذلك كلّه أنّ الإسلام، الشريعة المشرّعة للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، الذي هو مجموع المعارف الأصلية والخلقية والعملية وسيرته في الحياة، هو سبيل الإخلاص عند الله سبحانه الذي يعتمد ويبتني على الحبّ، فهو دين الإخلاص وهو دين الحبّ.

* الحبّ بناء الشريعة
فيظهر ممّا تقدّم أنّ معنى قوله تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ﴾ (آل عمران: 31)، إن كنتم تريدون أن تخلصوا لله في عبوديتكم، بالبناء على الحبّ حقيقةً، فاتّبعوا هذه الشريعة التي هي مبنيّة على الحبّ الذي ممثّله الإخلاص والإسلام، وهو صراط الله المستقيم الذي يسلك بسالكه إليه تعالى، فإن اتبعتموني في سبيلي أحبَّكم الله -وهذه أعظم بشارة للمحبّ- وعند ذلك تجدون ما تريدون وتبتغون من محبوبكم.

* ولاية الله باتّباع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
إذا نظرنا إلى وقوع الآية موضع البحث بعد الآيات الناهية عن اتّخاذ الكفار أولياء ﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران: 28)، وارتباطها بما قبلها، وأن تحقّق الولاية يستدعي تحقُّق الحبّ بين الإنسان وبين من يتولّى، كانت الآية ناظرة إلى دعوة المؤمنين إلى اتّباع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إن كانوا صادقين في دعواهم ولايةَ الله وأنّهم من حزبه، فإنّ ولاية الله لا تتمّ باتّباع الكافرين في أهوائهم، ولا باتباع وابتغاء ما عندهم من مطامع الدنيا من عزٍّ ومال، بل تحتاج إلى اتّباع نبيّه في دينه، كما قال تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ﴾ (الجاثية:18-19).

* حبّ الله مآل الولاية
في هذه الآية ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ (آل عمران: 32) انتقالٌ من معنى الاتّباع إلى معنى الولاية؛ إذ من الواجب على مَن يدّعي ولاية الله بحبّه أن يتّبع الرسول حتّى ينتهي ذلك إلى ولاية الله له بحبّه. وإنّما ذكر حبّ الله ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ﴾ دون ولايته؛ لأن حبّ الله هو الأساس الذي تبتني عليه الولاية، وإنّما اقتصر على ذكر حبّ الله تعالى فحسب؛ لأنّ ولاية النبيّ والمؤمنين تؤول بالحقيقة إلى ولاية الله.

* أطيعوا الله والرسول
لمّا كانت آية ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ تدعو إلى اتّباع الرسول، والاتّباع لا يتمّ إلّا مع كون المتَّبَع سالكَ سبيل، والسبيل الذي يسلكه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إنما هو صراط الله المستقيم والشريعة التي شرعها لنبيّه وافترض طاعته فيه، كرّر تعالى ثانياً معنى اتّباع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في قالب الإطاعة ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ﴾ إشعاراً بأنّ سبيل الإخلاص الذي هو سبيل النبيّ هو بعينه مجموع أوامر ونواه، ودعوة وإرشاد، فيكون اتّباع الرسول في سلوك سبيله هو إطاعة الله ورسوله في الشريعة المشرّعة. ولعل ذكرَه تعالى مع الرسول للإشعار بأنّ الأمر واحد، وذكرَ الرسول معه سبحانه؛ لأن الكلام في اتّباعه؛ فقوله تعالى: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ﴾ كالمبيِّن لقوله: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي﴾،على أنّ الآية مشعرةٌ بكون إطاعة الله وإطاعة الرسول واحدةً؛ ولذا، لم يكرّر الأمر "أطيعوا". ولو كان مورد الإطاعة مختلفاً في الله ورسوله لكان الأنسب أن يُقال أطيعوا الله وأطيعوا الرسول، كما في قوله تعالى: ﴿أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ (النساء: 59).

فتبيّن ممّا تقدّم أن إطاعة الله لا تتحقّق إلّا بإطاعة نبيّه.


(*) مقتطف من: تفسير الميزان، الطباطبائي، ج3، ص ص 157 - 161.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع