نهى عبد الله
عُرف "ناسك الجبل" بالتقى والزهد، وكان محباً لقريته، راعياً لأهلها، وكان دعاؤه الخاص أن يرفع الله تعالى عنه الحجب وينير بصيرته، ويكشف له حقائق الأمور كما هي. وبعد مجاهدة طويلة نال ما تمناه، وحاز كرامةً خاصة في معرفة بعض خفايا النفس، فكان يعرف حقيقة عمل المرء عندما يراه.
في البداية كان الناسك مزهواً بتلك الكرامة، يرى الأطفال لآلئ منثورة، وسكان قريته الطيبين على أحوال متقلبة، بين الصفاء وبين السواد... لكن مع الوقت بات الأمر أكثر جديّة، فكلما نزل إلى السوق هرب من صورة التاجر الذي بدا له سبُعاً ضارياً، وإذا قصد دكاناً فزع من المجتمعين فيه إذ استحالوا ثعابين بألسنةٍ سامّة، وأصبح يخافهم ويضمر لهم البغض لما اكتشف من أفعالهم، حتى اعتكف في منزله، فوجد زوجته كلما اجتمعت بجارتها تبدو كآكلة لحوم الآدميين.
أدرك الناسك، بحزن، الأذى الذي وقع في نفسه، وأن تلك الكرامة هي اختبار لذلك القلب النقي الذي يجب أن لا تشغله عيوب غيره، وأن الستر عن الخطايا هي كرامة الله له؛ ليبقى محباً لقومه، ونقياً قلبه. فرفع يديه متوجهاً إلى ربه: "إلهي ما لي حاجة في معرفة ذنوب غيري، واشغلني بإصلاح عيوبي عن تتبع عيوبهم".
أحياناً نتتبع عيوب الآخرين وأخطاءهم وزلّاتهم، دون أن نلحظ أننا في تلك اللحظة بالتحديد، أضفنا عيباً جديداً لنا، والأهم أننا لوثنا ذلك النقاء الذي نحاول الحفاظ عليه.
العراق بغداد
شذا الورد
2019-01-13 07:24:02
فعلا رحم الله امرؤا شغل نفسه بعيبه عن عيوب غيره