الشيخ احمد وهبي

المعجزة التامة التي جاء بها النبي الأمي صلى الله عليه وآله الذي لم يتعلم قراءة أو كتابة هي الدين الجامع.. وبإبداع حمل الشمولية واليسر والصلاحية لكل عصر ومصر، وما زاد في الإعجاز إلى غايته القصوى هو نزول أصول هذا الدين الشريف في كتاب عظيم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فيه تبيان لكل شي‏ء. ومن تشريعات الإسلام العظيم الأحكام الاقتصادية والتي يأتي على رأسها الخمس والزكاة، حيث أن هذه الأحكام لا تقتل في الإنسان ميله للتملك والاستقلال ولا تتركه مطلق العنان بحيث يتمكن من جمع المال من أي طريق كان وبأي مقدار أراد، فتتجمع الثروة لدى فئة محدودة من الأشخاص ويبقى الآخرون يواجهون آلام الجوع ومشاق الفقر.

لقد جعل الإسلام الموارد الطبيعية شراكة بين البشر، يستطيع أن يمتلك فيها من يريد من طريقه الصحيح إلا أنه لا تنتفي هذه، الشراكة بالإطلاق، فجعل في أموال الغني حقاً للفقير الذي أعجزه فقره أو مرضه على التمكن من السعي، فأعاد إليه مقداراً مما جمع الغني ليتمكن من مواجهة الفقر وليبقى لديه قدرة مالية لا تنعدم تعطي الحياة له وتنشط الأوضاع الاقتصادية دون مشاكل وأمراض وهذا ما يحققه الخمس والزكاة، الواجبات والصدقات المستحبة. هذا فضلاً عن التشريعات المالية التي تبين ما يحرم التعامل به في العلاقات التجارية كالربا والغصب والسرقة والغش والغبن وغير ذلك من الأمور التي تسهل جمع المال من طرق مضرة للحياة الاقتصادية بل الإنسانية. ودعا الإسلام إلى التعاون والإنفاق والبذل وسمَّى ذلك جهاداً إلى جانب جهاد النفس، حيث أن جهاد العدو يدفع الظلم والذل والاستعباد عن الإنسان، والجهاد بالمال يدفع الفقر الذي هو عدو لا يقل قساوة وبطشاً. وقد نقل عن أمير المؤمنين علي عليه السلام "والقبر خير من الفقر".. قال تعالى: ﴿لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ..﴾ (التوبة: 88).