مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أمراء الجنة: الشهيد رضوان محيي الدين دوغا

نسرين إدريس‏

 




اسم الأم: رحمة حسين أيوب‏
محل وتاريخ الولادة: رياق 1980
الوضع العائلي: عازب‏
محل وتاريخ الاستشهاد: وادي السلوقي 17-8-1999

في صمته سلوك العارفين، وفي عينيه يسافر الحلم الموشّى بالحنين، تراهُ على الأرض يمشي هوناً، وروحه دوماً تحلّق فوق الجبين، تُصلي حيناً في مغاور الزاهدين، وتارة تزرعُ يده عَلم الجهاد على دشم الطغاة المنهزمين، ببأس المجاهدين تؤدي تحية الوفاء لدماء الشهداء ولنهج الحسين عليه السلام، وإذا جلس بين الرفاق كان الهدوء بساطته، ويأبى في الحديث وبيان الحق إلا أن يكون سيد الموقف دون أن يخلع جلباب التواضع غاضاً طرفه عن إدعاءٍ أو تملقٍ أو استحسانٍ لإظهار ثقافته ووعيه، ويردفُ كهدهد سليمان عليه السلام في ختام حديثه: واللَّه أحكم الحاكمين...

أول ما قيل في رضوان عندما فُتح سجله الجهادي بعد استشهاده: (رضوان بيطلع منّو هيك؟!) الشاب الهادئ الذي لا يكاد يبعد ظله عن الحائط عندما يخرج من منزله في البلدة البقاعية رياق حتى المسجد، ولا يرفع ناظريه بأحد، مهذّب وخجول طالما أنه لا يرى أي شي‏ء يخالف الشرع، ولكن تصرف مستهتر بأصغر أمر من أمور الدين من قبل أي شخص كان يُظهر انتقاده لأن أكثر ما يستفزه تفصيل الدين على مقاس المصلحة الشخصية... ولكن الشاب الهادئ لم يتسم بشجاعة الحديث أو (التنظير)، بل بيّن أن مبادئه الحقّة ممهورة بعرق الجهاد ودم الشهادة... كان رضوان فتىً صبوراً واعياً متحملاً للمسؤولية، ولم يحمل همّ أي شي‏ء سوى مساعدة والديه، ومصروفه الذي يأخذه منهما بعدما انتقل إلى بيروت لمتابعة دراسته الثانوية، يدّخره ليخفف قدر الإمكان من عب‏ء دراسته عن كاهلهما، وبعد بدء عمله في المقاومة الإسلامية كان يقسّم راتبه بين رفاقه وأهله الذين لم يعرفوا عن عمل ولدهم أي شي‏ء غير أنه ادخر راتبه لهم في مصرف.

لم يؤثر ضجيج بيروت وبهارجها على نفس رضوان، بل بقي الشاب المتواضع الصامت، المجتهد في دراسته، المبادر لمساعدة الآخرين، المتزن، وفي الثانوية لفت أنظار الأخوة في التعبئة التربوية الذين لمسوا فيه الإخلاص النادر والهمة العالية في العمل، فبدأ يشاركهم الاحتفالات تارة بتخطيط اللافتات بخطه الجميل أو المساعدة في تصميم لوحات الحائط، وطوراً بالتقديم لحفل؛ بتلك الطلعة البهية المختزنة سحراً يأخذك إلى العالم غير المحسوس، وصوته الرنان يبقى يعيد كلماته في قلبك: (يا نهر الشوق خذني إلى كربلاء، أحزاني طال أنينها، سر بنا إلى الطف أسراباً أسراباً وأقم العزاء فها هم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وعلي وفاطمة عليها السلام ينتظرون رثاء الحبيب...).

ومن رسم الأحرف بجمالية رائعة على الصفحات البيضاء، راح رضوان يحملُ ريشةً من نوع آخر ليخط أيام حياته على سطور الحلم الذي راوده مذ كان صغيراً؛ أن يعبر جبال وأودية جبل عامل، ليحجَّ إلى الريح المعطر بأنفاس المجاهدين المهاجرين إلى اللَّه على ترانيم عشق ملكوتية لا يفقه سرها سوى الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة. تكتم رضوان على انتسابه للمقاومة الإسلامية بشدة، حتى أن أخته التي كان يقطن عندها في بيروت جهلت عمله، وعندما يأتي والداه لزيارته على حين غرة يتحير صهرهما وهو يتنقل بهما من مكان لآخر بحثاً عنه محاولاً جهده ألاّ يكشف حقيقة أمر رضوان، حتى إذا ما استشهد عرف الجميع أن خيار الجهاد كان اختياراً بمل‏ء إرادته ولم يؤثر عليه أحد. خلال ثلاث سنوات طوى رضوان عشرين سنة من الوعي والتدبر، فهمُّه الأكبر أن يطوِّر نفسه ليخدم في أكثر المواقع خطورة مع الأخوة المجاهدين، وقد ظهر على تجليات وجهه نورٌ جعل كل من ينظر إليه يعرف أنه ينظر إلى شهيد، حتى أن أقرباء والدته وجيرانها كلما رأوا رضوان بعد غيباته الطويلة نادوها بـ"أم الشهيد"... ومن دورة عسكرية إلى دورة ثقافية إلى دورة اختصاص، والصمت وشاح وجهه، لم يستطع رفاقه أن يعرفوا ماذا يجول في عقله أو في قلبه، لكنهم كانوا يعلمون علم اليقين، أنه من رجالات اللَّه... استطاع رضوان ببسمته أن يحكي الكثير من حكايا العارفين، كلما مرّ على طريق، أو جلس بين مجموعة، أو صادف أحداً ما بالتفاتة وقع شعور غريب في النفس، وأثار التساؤلات حوله، لما يملك من شخصية فذة لا يمكن أن تُعتبر عابرة في حياة أحدٍ ما... ومع تميزه بنتائجه الدراسية، اعتبر الأخوة في قيادة المقاومة رضوان من المجاهدين الاستشهاديين الذين ينتخبون للمهمات الصعبة والدقيقة...

ومع شعور رضوان باقتراب موعد الرحيل، بدأ ببعث إشارات إلى أهله تنبئهم أنه في لحظة ما، لن يعود إليهم... وإذا لم يعرفوا حقيقة هذا الأمر إلا أنهم شعروا به، واحترموه، وقدّروا خيار ولدهم، وانحنوا إجلالاً لهيبة صمته، وكلما أخبرته والدته عمّا يقوم به أبناء جيله من أصدقائه والمعارف لضمان مستقبلهم، هزّ برأسه ضاحكاً: (يعملوا شي لآخرتهم تيضمنوا مستقبلهم)... بتاريخ 16-8-1999 قامت القوات الإسرائيلية باغتيال أحد أبرز قياديي المقاومة الإسلامية الحاج علي ذيب (أبو حسن سلامة) بعبوة ناسفة على طريق عبرا الهلالية، ورداً على جريمة الاغتيال، وفي نفس الوقت المقرر للامتحانات الرسمية للسنة الثالثة ثانوي التي سيشارك فيها رضوان، تمّ استدعاؤه إلى المحاور، حيث شارك والشهيد أحمد فوعاني والشهيد حسين قبلان في مواجهة مباشرة مع قوة مشاة صهيونية مؤلفة من خمسة عشر جندياً في وادي السلوقي، حيث تكبد العدو خسائر جسيمة بعد أن استمرت المواجهات أكثر من عشر ساعات، واضطر العدو لاستقدام المروحيات ووسائل قتال متطورة ورفد القوة بخمسة وسبعين عنصراً. وقد صرح ضابط جرح في العملية بعد سنة خلال مقابلة له أنه وخلال المواجهات قُتل شابان وبقي شاب صغير السن يقاتل بـ(بسالة) حتى الرمق الأخير... استشهد رضوان، وعرفه أهله والناس: إنه شارك في زرع الراية السوداء في موقع سجد، وكان ضمن مجموعات الأبطال الذين أسروا الملالة في بيت ياحون، إنه هو؛ الفارس المجهول الذي شارك في العديد من العمليات العسكرية النوعية... ومن أجمل ما ترك لوالدته رسالة حفرها على مرآة في منزل الشهيد باسل علاء الدين وهي "كل عام وأنتِ بخير يا أمي" راسماً بالقرب منها وردة صغيرة. رضوان، هذا كفنك الذي كنت بعد منتصف الليل ترتديه لتصلي صلاة الليل... هذه تربة السجود الحسينية التي حفظت عروج روحك للسموات وجبهتك تستريح عليها... إنها بسمتك تنير لحظات الشوق إليك والدمع نار ولهب... إنها الكلمات التي حفرتها على المرايا، على الأبواب، على الأوراق تبحر فينا في لجج الذكرى وذكرياتك شمسُ نهاراتنا ووجهك قمرُ ليالينا الطويلة... رضوان: كل الرفاق والصحب والأهل والأحبة يفتقدونك... يشتاقونك... والموعد إن شاء اللَّه قريب.

* من وصيته:
إلى الأخوة في ثغور المقاومة: أيها الأعزاء أوصيكم بحفظ دماء الشهداء وخط المقاومة وأوصيكم بالتمسك بالولاية ولاية الفقيه المتصلة حتماً بحبل الإمامة... أمي الحنونة: أمي وما أجمل تلك الكلمة التي بدأت أرددها ولكن ما أجمل تلك اللحظة التي يحضنني بها سيدي أبو عبد اللَّه الحسين والزهراء عليها السلام تواسيك... أبي العزيز: ما رأيتُ الهدف الذي أطمح إليه سوى بانتمائي لهذه الفئة الطاهرة والمقاومة الأبية واندماجي بين الأخوة المؤمنين، فأرجو منك أن تبقى في تقدمك في الإيمان وأن لا يهمك في اللَّه لومة لائم. سامحوني جميعكم...
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع