مع الإمام الخامنئي | الحجّ: لقاءٌ وارتقاء* نور روح الله | الإمام عليّ عليه السلام الحاكم العادل* فقه الولي | فقه الرياضة (2) أخلاقنا | أين الله في حياتك؟* لماذا غاب الإمام عجل الله تعالى فرجه حتّى الآن؟ (1)* مجتمع | أب الشهيد: ربّيته فسبقني إلى الشهـادة صحة وحياة | كي لا يقع أبناؤنا ضحيّة المخدّرات تاريخ الشيعة | بيروت والجنوب في مواجهة الصليبيّين أذكار للتخلّص من الهمّ والضيق مناسبة | من أرض مكّة دحاها

مع الإمام الخامنئي | الحجّ: لقاءٌ وارتقاء*

 

مرّة أخرى ينطلق النداء الإبراهيميّ للحجّ ودعوته العالميّة من عمق التاريخ مخاطباً أرجاء المعمورة فيلهب القلوب المستعدّة والذاكرة بالشوق والحماسة.

ويخاطب النداء الداعي جميع أفراد البشر: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ﴾ (الحج: 27)، والكعبة هي المضيف المبارك والدليل للبشريّة جمعاء: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ﴾ (آل عمران: 96).

* ارتقاء المجتمع البشريّ
يمكن للكعبة بصفتها النقطة المركزيّة والمحور الرئيس لتوجّهات المسلمين، وكذلك لشعيرة الحجّ بصفتها نموذجاً مصغّراً لنطاق العالم الإسلاميّ المتنوّع، أن تكونا في خدمة ارتقاء المجتمع البشريّ وسلامة الناس جميعاً وأمنهم؛ ذلك أنّ الحجّ يرفد البشريّة كلّها بالاعتلاء المعنويّ والارتقاء الروحيّ والأخلاقيّ، وهذه هي الحاجة المصيريّة للبشر اليوم، كما أنّه يدحض جميع مشاريع الاستكبار والصهيونيّة الرامية إلى السقوط الأخلاقيّ للبشريّة في هذا اليوم والغد، ويبطل مفاعيلها.

الشرط اللازم لهذا التأثير على المستوى العالميّ أن يسمع المسلمون أنفسهم -كخطوة أولى- الخطاب الباعث على الحياة للحجّ على نحو صحيح، ويُسخّروا كلّ ما لديهم من أجل تحقّقه عمليّاً.

* ركيزتا الحجّ
إنّ الركيزتين الأساسيّتين لهذا الخطاب هما: الوحدة والروحانيّة، وهما الضامن للارتقاء الماديّ والمعنويّ للعالم الإسلاميّ وسطوع أنواره في أرجاء المعمورة.

1. الوحدة
أ. الوحدة تعني الارتباط الفكريّ والعمليّ، أي تقارب القلوب والأفكار والتوجّهات، والتكامل العلميّ والتطبيقيّ، والترابط الاقتصاديّ بين الدول الإسلاميّة، والثقة والتعاون بين الحكومات المسلمة، والتعاضد في وجه الأعداء المشتَرَكين والمسلّم بعدائهم.
ب. الوحدة تعني ألّا تستطيع خطّة العدوّ المُعدّة جعل مختلف الفرق الإسلاميّة أو الشعوب والأعراق واللغات والثقافات المتنوّعة في العالم الإسلاميّ تقف في وجه بعضها بعضاً.
ج. الوحدة تعني ألّا تتعرّف الشعوب المسلمة إلى بعضها بعضاً عبر التعريف الفتنويّ للعدوّ، بل بالتواصل والحوار وتبادل الزيارات، وأن تطّلع على إمكانات بعضها بعضاً وطاقاتها وتخطّط للانتفاع بها.
د. الوحدة تعني أن يضع علماء العالم الإسلاميّ وجامعاته أيديهم بأيدي بعضهم بعضاً، وينظر علماء المذاهب الإسلاميّة إلى بعضهم بعضاً بحُسن الظنّ والمداراة والإنصاف، وينصتوا إلى كلام بعضهم بعضاً، وأن يُعرّف النُّخب في كلّ بلد ومن كلّ مذهب آحاد الناس على المشتركات بينهم وأن يشجّعوهم على التعايش والأخوّة.
هـ. الوحدة تعني أن يُعِدّ روّاد السياسة والثقافة في البلدان الإسلاميّة أنفسهم لمواجهة ظروف النظام العالميّ المُقبل بتنسيق كامل، ويُحدّدوا بأيديهم وإراداتهم المكانة الجديرة بالأمّة الإسلاميّة في التجربة العالميّة الجديدة الزاخرة بالفرص والتهديدات، وألّا يسمحوا بتكرار تجربة الهندسة السياسيّة والجغرافيّة لغربي آسيا على يد الحكومات الغربيّة عقب الحرب العالميّة الأولى.

2. الروحانيّة
أمّا الروحانيّة، فتعني ارتقاء الأخلاق الدينيّة. إنّ أكذوبة الأخلاق دون الدين، التي طالما روّجت المصادر الفكريّة الغربيّة لها، مآلها هذا الانهيار الأخلاقيّ الجامح في الغرب، والذي يتراءى أمام العالم بأسره. لا بدّ من تعلّم الروحانيّة والأخلاق من مناسك الحجّ، ومن البساطة في الإحرام، ومن نبذ الامتيازات الواهية، ومن: ﴿وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِير﴾ (الحج: 28)، ومن: ﴿لَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ (البقرة: 197)، ومن طواف الأمّة كافّة حول محور التوحيد، ومن رمي الشيطان والبراءة من المشركين.

* مسؤوليّة الجميع
أيّها الإخوة والأخوات الحجّاج، اغتنموا فرصة الحجّ للتدبّر والتعمّق في أسرار هذه الفريضة الاستثنائيّة ودلالاتها، واجعلوها زاداً لعمركم بأكمله. إنّ الوحدة والروحانيّة في هذه المرحلة من الزمان تتعرّضان لعداء الاستكبار والصهيونيّة وعرقلتهما أكثر من السابق. فأمريكا وسائر أقطاب الهيمنة الاستكباريّة يعارضون بشدّة وحدة المسلمين وتفاهم الشعوب والدول والحكومات المسلمة، وتديّن الجيل الشابّ لهذه الشعوب والتزامه بالشريعة، وهم يواجهونها بأيّ وسيلة ممكنة.

إنّ مسؤوليّتنا جميعاً والشعوب كافّة وحكوماتنا هي الوقوف في وجه هذا المخطط الأمريكيّ والصهيونيّ الخبيث.

استعينوا بالله العليم القدير، وعزّزوا روحيّة البراءة من المشركين في أنفسكم، وعُدّوا أنفسكم مكلّفين بنشرها وتعميقها في بيئتكم.

أسأل الله العليّ التوفيق للجميع، وحجّاً مقبولاً ومشكوراً لكم، وأرجو للجميع أن يشملهم الدعاء المستجاب لبقيّة الله الأعظم، أرواحنا فداه.


* أصدر آية الله العظمى الإمام السيّد عليّ الخامنئيّ دام ظله نداءً في 25/6/2023م إلى حجّاج بيت الله الحرام لمناسبة حلول موسم الحجّ 1444ه.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع