مع الإمام الخامنئي | الحجّ: لقاءٌ وارتقاء* نور روح الله | الإمام عليّ عليه السلام الحاكم العادل* فقه الولي | فقه الرياضة (2) أخلاقنا | أين الله في حياتك؟* لماذا غاب الإمام عجل الله تعالى فرجه حتّى الآن؟ (1)* مجتمع | أب الشهيد: ربّيته فسبقني إلى الشهـادة صحة وحياة | كي لا يقع أبناؤنا ضحيّة المخدّرات تاريخ الشيعة | بيروت والجنوب في مواجهة الصليبيّين أذكار للتخلّص من الهمّ والضيق مناسبة | من أرض مكّة دحاها

مجتمع | أب الشهيد: ربّيته فسبقني إلى الشهـادة

تحقيق: ولاء حمود


في 8 أيلول من عام 2022م، كتب فقيد الجهاد والمقاومة الشاعر الحاج عباس ياسين، على صفحته على منصّة فايسبوك، لابنه الشهيد المسعف محمّد هذه السطور: «في التاسع من أيلول، ودَّعْتُ قمرَ العمر شهيداً. وفي التاسع من أيلول، أبتدئُ أولى جلسات العلاج. يقولون عندما يكتمل القمر يصبح بدراً ابنَ أربعة عشر عاماً. وكم يا ولدي تضاعف شوقي وحزني أربعة عشر عاماً، يوماً بعد يوم ولم يكتمل! لعلِّي يا بُنَيّ، في رحلتي نحو الله بهذا الجسد المريض، ونحوك بهذا الشوق، ألقى ما يحبّه الله لي وما يختاره. فها أنا أبدأ الرحلة في التاسع من أيلول، ذكرى ارتحالك، وأنا أحمل كلّ ارتحالي... وحده الله يحدِّد زمن الوصول بلمسة حنونة، تمنحني شفاءً أو لقاء».


* لكلّ الآباء... تحيّة
بهذا الحزن، والإيمان العميق، والرضى الكامل، والتسليم المطلق لله عزّ وجلّ، عاش والد الشهيد أربع عشرة سنة قبل بدء رحلة علاج انتهت بوصوله ووصاله إلى شهيده بعد عام فقط. هذه السطور المثقلة بالحزن والعميقة في دلالاتها، دفعتني لإجراء تحقيق مع آباء الشهداء، استلهمَ من ثلّة مجاهدة منهم معاني الصبر الجميل وعناوين التضحية والفداء، وثبات الخطى على درب الشهيد بعد الشهيد. أردته تحيّة في عيد الأب في الحادي والعشرين من شهر حزيران لكلّ آباء الشهداء الذين رحلوا؛ لوالد الشهيد المسعف محمّد عبّاس ياسين، وأيضاً لآباء الشهداء الأحياء، أطال الله أعمارهم جميعاً.

مخطئ من يظنّ أنّ مشاعر آباء الشهداء تختلف أو تقلّ عن مشاعر أمّهاتهم، فكلاهما في الفقد أمّ وأب، وفي الفخر شموخٌ وصلابة، وكلاهما على الدرب بعد الشهيد.

اقرأوا أحبّتي تفاصيل هذا التحقيق مع ستّة من الآباء الذين انضمّوا إلى الركب المقدّس لعوائل الشهداء، فهم آباء شهداء مضوا على طريق القدس إسناداً لمعركة طوفان الأقصى، بخطىً ثابتة لم تَحِدْ عن درب الحقّ أبداً.

* عطاء عظيم
نبتدئ بكلام الحاجّ محمّد علي سمحات، والد الشهيد عبد الكريم، المليء شكراً لله وتسليماً له:

«إنّ عطاء دماء الشهداء لا يقارن بأيّ عطاء آخر مهما عظُم أو كبُر. من الطبيعيّ أن نشعر بحرقة الفقد، ولكنّ الصبر على هذه الحرقة، لغياب بطلٍ شجاع، فريضة يستحقّها وسام الشهادة العظيم لمن باع لله جمجمته دون تردّد. وهنا يبدأ دوري كأب لشهيد، إذ باتت مسؤوليّتي أعظم في حفظ نهجه ورعاية أولاده الثلاثة، وتعويضهم قدر المستطاع عن الحنان الذي فقدوه».

* فداء لسماحته
ننتقل إلى الحاج حسن منصور، والد الشهيد محمّد، الثابت على موقفه ونهجه المقاوم بعد استشهاد ولده:

«أتوجّه إلى سماحة الأمين العام بالكلام الذي قلته له من مستشفى بنت جبيل: كلّ القلوب فداءٌ لنهجك يا بن فاطمة، ودماء الشهيد محمّد تلبية لك، لن نتركك مهما بلغت التضحيات. أمّا للعدوّ الصهيونيّ فأقول: مهما قدّمنا من شهداء، سنظل زينبيّين لا نرى إلّا جميلاً، وحسينيّين نرى القتل لنا عادة، وكرامتنا من الله الشهادة.

إنّ أجمل ما في أبعاد الشهادة وتداعياتها أنّ الله منحنا العزّ والكرامة في الدنيا، والمراتب العليا في الآخرة إلى جوار النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وآل بيته الأطهار عليهم السلام، وهذا ما يحمّلنا مسؤوليّات كبرى للتمهيد لصاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، وفي رعاية أسرة ابننا الشهيد واحتضان أبنائه.

أختم موقفي هذا بكلمات كان الشهيد يردّدها في كلّ مقام: ارتبطْ بالغنيّ المطلق، وهو الله، واستغنِ عمّن سواه، واجعله معشوقك الأوحد، لأنّ هذه الدنيا توصلك إليه إذا تعلّقتَ به، فيقذف نوره في قلبك».

* فقدتُ عزيز الروح
لا يختلف موقف والد الشهيد عيسى نور الدين عن الآخرين في الصبر والثبات:

«كانت تصرّفات ابني تنبئني بأنّه سيستشهد يوماً، لذلك كنت أشعر أنّ أيّ لقاء أو اتّصال به سيكون الأخير. إلى أن جاء ذلك اليوم الذي تلقّيت فيه نبأ استشهاده بكثير من الإيمان والاحتساب، فأنا ربّيته على حبّ أهل البيت عليهم السلام والتضحية في سبيلهم، وهو لبَّى نداء الإمام الحسين عليه السلامفعلاً وفاز.

لقد فقدتُ عزيز الرّوح الذي كان ابني وسندي ورفيقي، ورغم ذلك لم يمنعني هذا الفقد الكبير من مواصلة الدرب من بعده في ميادين شتّى. وها أنا اليوم، كما كنت أهتمّ بشؤون عائلته في فترة غيابه في عمله الجهاديّ، صرت أكثر اهتماماً بها ورعاية لها بعد شهادته».

* سند قويّ
لا يُنْكِرُ الحاج نجيب حلاوي، والد الشهيد محمّد، إحساسه بحجم الفاجعة التي عاشها بفقد ولده، ومع ذلك، فإنّ شهادة ابنه أشعرته بالفخر والاعتزاز:

«الشهيد هو الدرع الحصين لصون العِرض والأرض، وبدون تضحيات الشهداء، تسقط الأوطان. أمّا الامتحان الأصعب بعد الشهادة، فهو معايشة واقع التضحية وحقيقتها، وإكمال المسير بصبر وثبات، وتحمّل مشقّات الفقد والاشتياق. سوف أبقى سنداً قويّاً وجداراً صلباً لحفظ هذه المسيرة التي قدّم شهيدنا روحه الطاهرة فداءً لها».

* المسؤوليّة أكبر
يرى الحاجّ عبّاس كعور والد الشهيد فضل، أنّ استشهاد ولده كان فداءً للوطن وأبنائه، وإحياءً للأمّة جمعاء، وهو قد لبّى نداء المظلوم بوقوفه في وجه كلّ طاغية جبّار:

«إنّ شهادة ابني وسام عظيمة، فقد منحنا الفخر والاعتزاز، وسوف نكمل مسيرته بالحفاظ على هذا النهج القويم، وبذل النفوس والأبناء، لأنّ المسؤوليّة صارت أكبر من ذي قبل لقتال العدوّ الغاشم بكلّ ما أوتينا من قوّة، إحياءً لنهج محمّد وآل محمّد على خطّ حزب الله وولاية الفقيه».

* تكريم إلهيّ
نختم لقاءنا هذا مع موقف للحاجّ حسان بسام، والد الشهيد محمد باقر (خميني)، الذي كان يعدّ نفسه من عوائل الشهداء منذ أمدٍ بعيد، لأنّ الكثير من رفاق أبنائه قد استشهدوا: «ولد الشهيد بعد وفاة الإمام الخمينيّ قدس سره بعشرين يوماً. وكنت أحدّثه كثيراً عن الإمام حتّى تأثّر به كثيراً. كان الشهيد باقر حاضراً معي يتابع نشاطي الفكريّ والدينيّ بعد اعتقالي مرّتين وعودتي إلى بيروت.

أكثر ما يعزّيني أنّ ولدي استشهد كما أراد، مفقود الأثر، وهذه الشهادة الاستثنائيّة تكريم إلهيّ عظيم لي ولأسرتي. لا يزال مشواري طويلاً رغم بلوغي ستّين عاماً، وسوف أواصل جهاد التبيين من خلال لقاءاتي بزوّاري وحواراتي معهم. فثمّة أدوار كثيرة تنتظرني كوالد شهيد كان مهدويّاً بامتياز وخمينيّاً عاشقاً لله ورسوله وأوليائه، وأعد أنّني سوف أحافظ على نهجه».

* أمّة منتصرة
اتّفق آباء الشهداء على اعتبار الشهادة فرصة لا ينالها إلّا كلّ ذي حظّ عظيم، وعلى الصبر والثبات ومتابعة المواجهة للسير في ركب أبنائهم الشهداء، ولسان حال كلّ واحد منهم يقول: «ربّيته على نهج أهل البيت والجهاد، فسبقني إلى الشهادة».

إنَّ أمّة يصبر آباء شهدائها على مرّ الفراق ودمع القلب ووجع الذكريات هي أمّة منتصرة لا محالة، لأنّها أمّة الصبر منذ كربلاء حسينها، وأمّة الانتظار منذ غياب مهديّها، والأمّة الموعودة في كتاب الله بالنصر العظيم: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾(القصص:5).
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع