مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

حماة الإسلام: الشهيد الأستاذ مرتضى مطهري

 لو لم يكن هؤلاء العلماء لما كان لدينا أي اطلاع على الإسلام
الإمام الخميني قدس سره

وانبعث النور القوي من المشرق يسطع متلألئاً بدماء الشهداء القانية التي رسمت شعارات الحرية والاستقلال وحكومة الصالحين- على ساحات المدن الفارسية. كانت الدماء تتساقط بغزارة واستمر تدفق الإحمرار راسماً خط الشهادة من كربلاء إلى ميدان الحرية. ولكن، وراء كل قطرة دم كانت نقطة مداد تسيل من أقلام "علماء أمتي" وأفواه ربّانيها... ففي أمة الإسلام فقط: "مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء".

نعم، عرفنا الكثير أو القليل عن آثار الدماء الزكية ورأينا الثورة تندلع في شرقنا الغائص في سبات عميق منذ مئات السنين، ولكن هل تساءلنا أو بحثنا عن سر حفظ خط عاشوراء وقلب الإسلام النابض عبر الزمن المتطاول.
العلماء وحدهم، فهم بكلماتهم المترددة من أسيادهم الأئمة الأطهار وعقولهم الغائصة في بحر الإسلام العميق نائرة جواهر ولآلىء قد حفظوا الإسلام المحمدي الأصيل وأعادوا للأمة مجدها.

من هؤلاء؛ ثمرة حياة الإمام. ومجري الدمع على خديه بشهادته آية الله وسر الله سيد العرفاء والعلماء الأستاذ مرتضى مطهري الذي قارع الاستكبار والاستعمار الفكري بأشد ما يقارع به الأبطال، وصنع للشهداء طريقاً وكان من أوائل السائرين عليه. فالشهداء- بقوله- هم شمع محفل البشرية، يضيئون بنور دمائهم سبل المجد والإنسانية.

عجيب أنت يا شهيد، أنت نورٌ في الظلمات، أنت صراخ أمام الأعداء، أنت بكاء أمام الجبار الرحيم أنت مثال من: لم أعرف في حياتي إلا كلمات ثلاث: كنت خاماً، فعجنت، ثم احترقت.
 
* ولادته
إن الحديث عن الشهيد آية الله مطهري وشخصيته السامية في قلب التواضع تدفعنا للتعرف على ولادته من خلال ما شاهدته والدته أثناء الحمل، قالت: رأيت مناماً عندما كنت حاملاً بمرتضى، كنت في مسجد (نريمان) وكانت النساء تجلس بجانبي، ثم رأيت امرأة مقدسة عظيمة الوقار تدخل وامرأتان أخرتان معها وكانتا تحملان أواني ماء الورد. فقالت تلك الإمرأة الجليلة لهما:
رشوا ماء الورد فقامتا برشها على جميع النساء، وعندما اقتربتا مني رشتا ثلاث مرات على رأسي فخفت وقلت لا سمح الله قد أكون قد قصرت في واجباتي الدينية فاضطررت أن أسأل تلك السيدة الجليلة لماذا رشتا على رأسي ثلاث مرات؟
فقالت: "بسبب ذلك الجنين الذي في رحمك. فهذا الطفل سوف يؤدي في المستقبل خدمات جليلة وعظيمة للإسلام". وعما ولد مرتضى كان متميزاً جداً، لدرجة أنه عندما كان في الثالثة من عمره كان يأخذ معطفي ويضعه على كتفه ثم يدخل إلى الغرفة ويغلق بابها ويبدأ بالصلاة.
ولد عام 1919 في قرية (نريمان) بمحافظة خراسان، ونشأ وترعرع على يد والده الذي كان رجلاً ورعاً، تقياً، مؤمناً وصادقاً همّه الإسلام لا غير وبهذا الصدد يقول الشهيد نفسه: "إن أيمان أبي وتقواه الصالح أنار لي الطريق".

هاجر عام 1931 إلى (مشهد) المقدسة طلباً للعلم، ودرس هناك مقدمات العلوم الإسلامية. فمند أيام شبابه كان يميل إلى الفلسفة ويكن المحبة للعرفاء. وأول من تأثر الشهيد بشخصيته كان "الميرزا مهدي شهيدي" مدرس الفلسفة الإلهية- آنذاك- في الحوزة العلمية بمدينة مشهد.
وعندما بلغ السابعة عشر من عمره، غادر إلى مدينة (قم المقدسة)، أساتذة معروفين مثل آية الله السيد محمود المحقق، وآية الله محمد حجت. وهناك تبحّر في الفقه والأصول.
ودرس الشهيد كذلك على يد مرجع الأمة الإسلامية الإمام الخميني قدس سره الفلسفة والعرفان والأخلاق. وتأثر به إلى درجة كان يثني عليه في أكثر الأحيان، حيث كان يرى فيه القائد الصلب الذي يستطيع بإيمانه وتقواه وإرادته الحرة أن يوصل سفينة الشعب الإيراني المسلم إلى ساحل النجاة ويرعى فيه أصالة الإسلام.

وعندما بلغ الرابعة والعشرين من عمره، بدأ بدرس العلوم العقلية، واطلع على العديد من الكتب والكراسات التي كانت تتناول الفلسفة المادية، مما مكّنه فيما بعد من إصدار كتاب: "أصول الفلسفة والمدرسة الواقعية" فنّد فيه فلسفة المادة الديالكتيكية، تعليقاً على كتاب أستاذه العلامة الطباطبائي.
 
وحول الفلسفة المادية يقول الشهيد:
"لقد كنت أدرس الفلسفة الإلهية والفلسفة المادية برغبة كبيرة، وفي مدينة قم تبين لي وبشكل قاطع أن الفلسفة المادية ليست- في الواقع- فلسفة، ومن كان متعمقاً في الفلسفة الإلهية واعياً لها يرى بطلان الأفكار المادية".
وعندما كان يجري محاضرات في المادة وخطرها، كان بعض السياسيين يقولون له: لماذا تتحدث هكذا، نحن عندنا هدف مشترك ويجب أن نحار الشاه، ولا ينبغي أن نقول شيئاً آخر. فكان يقول: "نحن ليس لدينا أي هدف مشترك مع غير المسلم".
وكان يقول أيضاً: "إنني أشعر بخطر هؤلاء الكبير، ليس هدفنا هو إخراج الشاه، بل هدفنا إقامة الإسلام، وهؤلاء مخالفون للإسلام".

في عام 1954 هاجر إلى طهران من مدينة قم وتزوج ابنة عالم ديني كبير، وفي طهران بدأ يلقي محاضرات حول الفلسفة الإلهية. وبعد عام نشر أول مقال له في مجلة "الحكمة" وبعد سنتين من ذلك التاريخ صدر له المجلد الأول من كتاب (الفلسفة والمدرسة الواقعية) وفي العام نفسه دعته جامعة طهران للتدريس في كلية المعارف الإسلامية، فأغتنم الفرصة وظل مدة اثنين وعشرين عاماً يدرّس الفلسفة والحضارة والمعارف الإسلامية وقام، خلال كتبه ومقالاته التي تعد بالمئات، بإرشاد الشباب نحو الإسلام، وأنقذ الكثير منهم من الجو القاتل للدعايات والتلقينات المادية العمياء التي كانت تسود الجامعات الإيرانية آنذاك.

ولغاية عام 1977 كان الأستاذ يواصل تحقيقاته في مجال المسائل الاعتقادية والاقتصادية والاجتماعية في (مسجد الجواد) و(حسينية الإرشاد) و"مركز التوحيد".
 
* بعض الأبعاد من شخصيته

لقد كان الشهيد مطهري يتمتع بذهنية واسعة وشخصية شمولية، وعمق فكري أصيل، وخصوصاً في المجالين الفلسفي والعقائدي، فقد استوعب أستاذنا الكبير الفلسفة الإسلامية، القديمة منها والحديثة، بعد أن درسها بكل عمق وأدب ومثابرة، ولم يقتصر على هذا، وإنما عمد إلى الأفكار الفلسفية الغريبة الكثيرة ليكتشف أصولها ويقف على نقاط قوتها وضعفها ويضع يده على منعطافتها الأساسية التي قادتها أحياناً إلى العبث والقلق. لقد كان ناقداً للفلسفتين مؤكداً على قيمة أفكار الفيلسوف الإسلامي العظيم الملا صدرا.
الشيرازي بصيراً بمقاطعها وتركيبها الضخم ومكملاً في الوقت نفسه لبعض مناطق الفراغ فيها.

ويعد الشهيد من أروع شرّاح فلسفة المشائين، وكان قلماً محيطاً بكتب الشيخ الرئيس ابن سينا ومدرساً لكتبه (الشفاء) و(الإشارات) وغيرها.
الأصالة وهي صفة تمتعت بها كل مؤلفاته، فهو مجتهد أصيل لا يأبه بشيء إن لم يكن مستقى بشكل صحيح من منابع الإسلام الأصيلة. وكان رحمه الله يعمل بجد ضد كل الخطوط التوفيقية الالتقاطية التي تعمل على إيجاد تشكيلة تجمع بين أسس إلهية وبناء مادي، وقد حمل هم القضية الإسلامية وهذه صفة تتجلى في كل ما كتب وخطط ونفذ، حتى لتراه قلباً ينزف دماً وألماً لأمته وقضاياها الفكرية، ويتابع كل حالاتها ويرصد حركة أعدائها، ويلقي نفسه في أهوال المواجهة ساعياً لأعداد الرد المطلوب ولا ننسى أنه كان يحول فكره إلى عمل ثوري دؤوب في سبيل تحقيق هدفه ويعلن في كل محفل ومجلس أن الدين هو سر التغيير والتنوير بالرغم من أن أعداءه كانوا يحاولون قلب الحقيقة.
ولقد كان الشهيد عارفاً، معتقداً، متعبداً له مع ربه حالات وحالات، وله أفكاره العرفانية الرفيعة، وعباداته المتواصلة، وبكاؤه وخشوعه وخشيته من الله وإن الذين زاملوه وعاشوا معه، ليذكرون صوراً رائعة من هذا يومئذ بجهنم... ويقول يا ليتني قدمت لحياتي" حتى تخضل لحيته الشريفة بدموع عينيه ويرتجف بدنه في تبتل وخشوع.
 
* مواقفه
عندما نشرت مجموعة الفرقان أجزاء في تفسير القرآن، قال الأستاذ الشهيد مطهري، في جلسة "روحانيت مبارز" هؤلاء خطرون، لأنهم يتصرفون في القرآن وهذا غير التعدي على المال أو العلم، هذا تعدٍ على الوحي.

وفي أحد الأيام قال أيضاً في جمع من الأصدقاء:
سوف أواجههم ومن الممكن أن يقتلوني، أما أنا فسأقول كلمتي لأنني أعرف أنهم خطرون على الدين. مجموعة الفرقان قالوا إذا أراد مطهري أن يستمر في هذا الأسلوب فإن أبناءنا سوف يستعملون العنف.
ولكنه قال: أتعرفون ماذا؟ إذا كان لا بد للإنسان أن يخرج من هذه الدنيا فما أجمل أن يكون ذلك في طريق إصلاح العقائد والدفاع عن الإسلام، وأنا في هذا السبيل ليس لدي أدنى شك.
"والله إذا انتصر إمامنا وقائدنا فإني لا أريد أي منصب، بالنسبة لي فإن هذه الحياة التي أعيشها: مكتبتي هي أفضل لذة عندي. هذا ما أريده أن أجلس وأؤلف الكتب، وأحقق، وأدافع عن الإسلام العزيز، هذا هو هدفي، وبناء على هذا فإن هذا الجهد لا قيمة له شخصياً عندي".
 
* حياته الجهادية
شارك الشهيد في الانتفاضة عام 1963 التي قادها الإمام الخميني قدس سره، وأودع السجن، ثم أطلق سراحه، واعتقل مجدداً بعد عدة سنوات، ومرة أخرى أطلق سراحه غير أن مُنِع من صعود المنابر.
وبعد أحداث ذلك العام، والتي انتهت بنفي الإمام إلى خارج البلاد، قام مع عدد من علماء الدين، وبتشجيع من الإمام الخميني، بتأسيس "جمعية علماء الدين المناضلين فكان من أعضائها النشطين".

عندما لاحظ أن مجلة "زن روز" "المرأة العصرية" لا ترمي سوى إلى تشويه ماهية حقوق المرأة في الإسلام، وإبعاد النساء والفتيات عن الإسلام، تحرك في الوقت المناسب وبدأ بنشر سلسلة من المقالات حول "نظام حقوق المرأة في الإسلام" في المجلة نفسها دون أن يأبه بالمخاطر التي قد تواجهه في المستقبل أو محاربته من قبل جهاز الأمن السابق "السافاك". واستطاع بمقالاته القيمة أن ينشر الوعي بين صفوف النساء والفتيات الإيرانيات، ويرسم أمامهن الطريق الصحيح لئلا يقعن في الشرك ويبتعدن عن القيم الإسلامية السامية.

وهكذا قضى الشهيد حياته كلها في مكافحة المفاسد وأساليب الضلالة والأفكار الملحدة. وكان حارساً للإسلام وواعياً يقظاً باعتباره ممثلاً للإمام الخميني استطاع أن يحافظ على مجرى الإسلام الصادق والأصيل الذي يسمى اليوم: "نهج الإمام".
 
* شهادته
تروي زوجته هذه الحادثة فتقول: قبل ثلاثة ليالي من شهادته، رأى مناماً وكانت آخر ليلة جمعة. استيقظ من النوم بحالة عجيبة فسألته. ماذا حدث؟ فقال: رأيت مناماً كنت والإمام الخميني نطوف حول الكعبة فجأة لاحظت أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقترب مني بسرعة، ولما كان يقترب مني تراجعت إلى الوراء حتى لا أسيء احترام الإمام، وقلت: يا رسول الله إن هذا السيد من أولادك فاقترب رسول الله من الإمام ثم عانقه، وبعدها اقترب مني وعانقني. ثم وضع شفاهه على شفاهي ولم يرفعها، وعندها استيقظت من النوم بحيث أنني ما زلت أشعر بحرارة شفاهه على شفاهي ثم سكت هنيهة، وقال: إنني متأكد أن شيئاً مهماً سوف يحدث قريباً.
بعد أقل من ثلاثة أشهر على انتصار الثورة الإسلامية وبينما كان عائداً إلى منزله فتح عليه المجرمون أعداء الثورة الإسلامية النار فسقط شهيداً.. وكان ذلك في 2/5/1979.

اغتالوه... لقد نفذ صبرهم وهم يشاهدونه يدفع بعجلة الثورة الإسلامية إلى الأمام بقلمه ولسانه وكل ما بوسعه.
فرحمه الله، وأمطره وابل فيضه العميم، وهدى الأجيال للتأمل في فكره وسيرته.
 
* من كتبه
1- الإنسان الكامل.
2- دروس في القرآن.
3- العدل الإلهي.
4- في رحاب نهج البلاغة.
5- المجتمع والتاريخ.
6- مسألة الحجاب.
7- معرفة القرآن.
8- الملحمة الحسينية.
9- نظام حقوق المرأة في الإسلام.
10- سيرة الأئمة الأطهار (عليهم السلام).
11- الأسس الواقعية للفلسفة.
12- قصص الأبرار.
13- الدوافع نحو المادية.
14- الإنسان والإيمان.
15- النبي الأمي.
16- قضايا الجمهورية الإسلامية.
17- الله في حياة الإنسان.
18- الإمداد الغيبي في حياة البشرية.
19- الفطرة.
20- احترام الحقوق وتحقير الدنيا.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع