"لقد غاب عنا المطهري الذي قلّ له مثيل في طهارة الروح وصلابة الإيمان وقوة البيان وألتحق بالرفيق الأعلى، ولكن الأعداء لن يستطيعوا أن يقضوا عل شخصيته الإسلامية والعلمية والفلسفية...
لقد كان معلماً ومربياً للمجتمع.. وكل ما خلّف من آثار قلمه ولسانه يفيض بالعلم ويربى الروح..".
بهذه الكلمات نعى الإمام الخميني قدس سره إلى الأمة العلاَّمة الأستاذ الشهيد مرتضى مطهري رضوان اللّه تعالى عليه. وعندما تصدر مثل هذه الكلمات عن شخصية مثل الإمام قدس سره ندرك عظمة منزلة الأستاذ الشهيد الذي تمر علينا ذكراه التاسعة عشرة، وندرك عظمة الآثار التي خلَّفها لنا قبل استشهاده.
لقد بسط ذلك الرجل العظيم المتلهف شوقاً إلى لقاء اللّه، والذائب حرقة للرجوع إليه، بنفحته القدسية فكره الإلهي على المسائل والمواضيع الجامدة القاحلة، فعادت حديقة غناء تفوح ورودها وأزهارها بعبير التقى والخلوص وأريج العشق والولاية. ولم تفتر لشهيدنا الأستاذ همة ولا ضعفت له عزيمة حتى انتقل إلى عالم القدس، وارتشف من ساقي الكوثر كأس الحياة.
نعم، إن من مفاخر الإسلام العظيم ومدرسة التشيع أنها كانت على الدوام ومنذ نزول الوحي المقدس قادرة على تربية رجال عظام عرفوا اللّه حق معرفته فآمنوا به حتى عشقوه، واستقاموا على شريعته حتى آثروا بالنفس والنفيس في سبيل نشر تعاليم الدين والدفاع عن حريمه. ولا شك في أنما وصل إلينا من أصالة الخط ونقاوة الشريعة مدين للتضحيات الجسام المضرجة بالدماء والدموع لعلمائنا الأعلام على مر التاريخ.
وليس ذلك بغريب، فالعلماء الربانيون هم أحق من يقتدي بأئمة الهدى الميامين الذين قضوا أعمارهم الشريفة جهاداً دؤوباً وكفاحاً مريراً ضد أعداء الإسلام سواء على المستوى الفكري والعقائدي الذين حاولوا طمس آثار الإسلام وإلصاق ألوان الزيف والتحريف به، أو على المستوى السياسي والاجتماعي والجهادي من الذين حاولوا اضطهاد الناس وظلمهم باسم الإسلام العظيم.
الأستاذ المطهري أحد حواريي الإمام وصاحب الفكر الثاقب دخل المعركة في عصر مظلم، شعوراً منه بعظم المسؤولية في مكافحة الأفكار المستوردة والافتراءات الملصقة بالدين فكان يقول: إنني إذ أشعر بالمسؤولية الإلهية أنبه القادة الكبار للحركة الإسلامية وأتم الحجة عليهم وأشهد اللّه على ذلك بأن انتشار الأفكار المستوردة تحت ستار الفكر الإسلامي وبطابع الإسلام، سواء كان عن سوء نية أم لا، يشكل خطراً يهدد كيان الإسلام.
هذا وقد صادق على صحة طريقته واستقامة تفكيره وقدسية هدفه وسام الشهادة الذي ناله في سبيل اللّه، وها هو دمه الطاهر يجري في جميع عروق الأمة ليبقى قلبها نابضاً بالحياة وإلى الأبد.
وفي هذه الذكرى الأليمة نجدد العهد للإمام الراحل قدس سره وللعلاَّمة الشهيد رضي الله عنه وللولي القائد (دام ظله) أن دسائس الاستكبار ومؤامرات أعداء الإسلام لن تجعلنا نترك كتب هذا الأستاذ العزيز تودع في زاوية النسيان، بل سوف نجعل منها نبراساً منيراً ومشعلاً وضاءً يضيء لنا طريق الحق والجهاد والولاية.
والسلام