تقول عائلة الشهيد المحترمة:
كان الشيخ رؤوفاً رحيماً على الدوام، ولكنّه كان في تلك الأيام أكثر رأفة وأعظم رحمة، كان إذا ألمّت به معضلة أو مشكلة شاهد – على الأغلب – الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في عالم الرؤيا فيهديه إلى حلها، وقبل استشهاده ببضع ليالٍ، كنا نائمين عندما استيقظتُ على استيقاظ الشيخ بصورة غير عادية، فسألته عن ذلك، فقال: لقد رأيت الآن – في عالم الرؤيا – أنّني والإمام الخميني كنا نطوف حول الكعبة عندما التفتّ إلى أنّ الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم يتجه نحوي بسرعة وعندما اقترب مني، تراجعت إلى الوراء – احتراماً للإمام الخميني – وأشرت إلى السيد وقلت: "يا رسول الله: من ذريتكم" فاقترب صلى الله عليه وآله وسلم من الإمام الخميني وقبّله من وجهه، ثمّ اقترب صلى الله عليه وآله وسلم مني وقبّلني من وجهي ثم وضع شفتيه على شفتي ولم يرفعهما، فاستيقظ من شدّة اللهفة وما زلت إلى الآن أحس بدفء شفتي النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم على شفتي؛ ثمّ سكت الشيخ هنيهة ليستأنف حديثه قائلاً: "إنّني واثقٌ من أنّ حادثاً مهماً سيقع لي عن قريب" فقلت له: "كلا.. إن شاء الله، هذا هو تأييدٌ من الرسول الأعظم لمحاضراتك وكتاباتك".
ومرت بضعة أيام، حتى جاءت ليلة الأربعاء فقال لي بعد أن صلّى المغرب والعشاء إنّه ذاهب إلى منزل الدكتور سبحاني ليحضر اجتماعاً هناك ثم يعود إلى المنزل، فذهب وصادف أن جاء ابننا الأوسط من تبريز حيث كان يدرس في جامعتها آنذاك، كانت الساعة في حدود الحادية عشرة مساءً عندما اتصل الدكتور سبحاني بنا هاتفياً ليقول إنّ الشيخ لن يعود إلى المنزل هذه الليلة وسيبقى هناك، فاستغربت لذلك لأنّ الشيخ لم يكن يبيت خارج المنزل عند أحد أبداً اللهم إلاّ في بيت الإمام الخميني أو عندما كان يأتي الشيخ المنتظري إلى طهران، فقلتُ للدكتور سبحاني "لماذا لا يعود الشيخ؟! وهو لا يبقى خارج منزله ليلاً أبداً"، فتلعثم الدكتور ثمّ قال: "لقد أُصيب برصاصة وهو يرقد الآن في مستشفى طرفة، فتعالوا إلى هنا".
ثم استدعيت ابني وقلت له "لنذهب إلى مستشفى طرفه فقد اغتيل والدكم"؛ ذهبنا بسرعة والألم يعتصرنا إلى المستشفى، وعند بابها سألت أحد حراس الثورة "ألم يجلبوا إلى هنا أحد العلماء أصيب برصاصة؟" فقال بحزن ولوعة: "نعم.. لقد صُرعَ رجلٌ إلهي، لقد صُرعَ أحد العظماء..."، فقلقت للغاية وعندها انتبه إلى أنّنا من أرحام الشيخ، فسارع إلى القول باضطراب "لا تقلقوا .. فلم يحدث شيء مهم لقد أصابت الرصاصة كتفه"، فصدقت قوله وطلبت أن يدلني على غرفته لأراه، فدخلنا غرفة وجلسنا فيها ثم دخلت ثلاث نساء عرفت فيما بعد أنّهن من أرحام الدكتور سحابي، وقلن لي: "هل أنتِ زوجة الشيخ المطهري"، أجبت "نعم"، فقدمن التعازي وأنا غير مصدقة حتّى قلن إنّ الشيخ قد استشهد، فانقلب حالي بالكامل....
وبعد فترة قلت لولجي لنعُد إلى المنزل وكان مضطرباً يعصره الألم والذهول حتّى أنّه أضاع مفاتيحه، وعلى أيّ حال أوصلونا للمنزل في حدود الساعة الواحدة بعد انتصاف الليل فرأيت أن كلّ الأزقة المحيطة بالمنزل قد احتشدت فيها الجموع الباكية، وفور وصولنا المنزل دقّ جرس الهاتف حيث كان المتحدث أحد أهل العرفان من أصدقاء الشيخ، سألني عن أحوال الشيخ المطهري فأخبرته باغتياله، فانقلب حاله، وقال: "لقد اتصلت بي قبل قليل إحدى الأخوات قال: في الساعة الحادية عشرة من هذه الليلة رأيت في عالم الرؤيا قبراً أخضر يشيرون إليه ويدعونني لزيارته فسألت عن صاحبه، فقالوا إنّه قبر الحسين عليه السلام، ثمّ أشاروا إلى قبرٍ أخضر آخر بجانبه ودعوني لزيارته، فسألتُ عن صاحبه أيضاً فقالوا إنّه قبر الشيخ المطهري!!!
ثمّ شاهدتهم يعرجون بالمطهري إلى محل واسع رحب وهناك أشاروا إلى عرش نوارني غاية في الجمال، اصطفّت حوله مجموعة تقول "هذا مقام أولياء الله"، ثمّ دخل الشيخ المطهري وجلس على هذا العرش، فاقتربت منه وسألته: ماذا تفعل هنا؟! فأجاب: لقد جئت للتو؛ لقد طلبتُ من الله تعالى أن يرزقني مقاماً سامياً فمنّ عليّ بـ"مقام متسام" ثم استيقظت هذه الأخت عند هذه العبارة".
* .... وذكرى عطرة مع آية الله الآملي
يقول آية الله الشيخ جوادي الآملي:
لقد اقتضت الحكمة الإلهية أن يجمع الشهيد المطهري (رضوان الله تعالى عليه) بين الحوزة والجامعة، ويوصل بين القديم والحديث والجامعة والفيضية، وهذا ما لم نخطُهُ نحن، أتذكر عندما ذهب إلى طهران للاشتراك في امتحان التدريس في جامعتها، حصل على الرتبة الأولى في العلوم العقلية وعلى الرتبة الأولى في العلوم النقلية، وعندما عاد إلى قم حدّثنا في غرفة المدرسة قائلاً: - إن لجنة الممتحنين كانت تطرح أسئلة عن مختلف القضايا الفلسفية، فكان الآخرون يجيبون بأجوبة وأجيب بأجوبة فتعجّبت اللجنة مما أجيب وقال أعضاؤها: "ماذا تفعل؟! إنّه يستحق أكثر من درجة العشرين (وهي الدرجة القصوى في النظام التعليمي الإيراني)، وقالوا لي لو كانت هناك درجة أكبر لأعطيناكها..."
نعم كانت الدرجة التي يستحقها أكثر من ذلك، وتلك الدرجة قليلة بالنسبة له واستناداً إلى ذكرياتي معه أقول إنّ الدرجة التي يستحقها لا يستطيع أن يعطيها له سوى الله تبارك وتعالى وتلك هي الدرجات الوارد ذكرها في القرآن.
في القرآن الكريم ورد أنّ للمؤمنين درجات عند ربهم وورد فيه أنّ هناك درجات المؤمنين، ولكن المقصود هي الدرجة التي يعطيها الله تبارك وتعالى لهم، فتلك هي الدرجة.
أمّا الشيء الذي أحمله بعنوان "ذكرى" عنه، فهو أنّ أجره كان الشهادة في سبيل الله، منّ بها الله تعالى عليه، وما من أجر أسمى من هذا الفيض الموهوب.
لقد قضى سني كهولته "ما بين الخمسين والسّتين عاماً" بالطهارة ولم يكتفِ أخيراً في الجمع بين العرفان والبرهان، بل جعل البرهان في خدمة العرفان والإثنان كان يجريهما في حديث القرآن، كانت روحه روح القرآن مثلما كانت روح الأستاذ العلامة الطباطبائي.
إنّ الذي تفضل به تعالى على المطهري هو هذه الشهادة، فتلك الروح اللطيفة كان من الحيف أن تحرم الشهادة.