ولاء إبراهيم حمود

ـ وحده الشعر يجتاز حدود التاريخ والجغرافيا، دون هوية، لأن الإنسان، كرامةً وقيمةً وعقيدة، هو هدفه، سرُّه، وهويته، وقد اختزله "أبو مجدي" بديوانيه "بقاعيٌّ من الجنوب" و"جنوبيٌّ من البقاع".  هذا ما أحسسته، عندما سمعته يلقيها "دلال والأرض" في منزله في العام 1980 إثر استشهاد دلال المغربي... إذاً، سميح حمادة يعشق الشعر والمقاومة منذ أن اختلجت في أعماقه، في طفولته قوافي الحنين لأمة عربية يحيا فيها الإنسان كريماً عزيزاً كما أراده الله، الشعر والمقاومة في وجدانه، شريكا حب ورفيقا جهادٍ وهو بينهما عاشِقٌ، لا يرتدُّ عن أداءِ فريضة هذا العشق، ففي ديوانه الأول تصريحٌ:
 

وفي الديوان عينه، يوظف سميح حمادة لأميرة مشاعره وشعره كل ميادين الحياة. فلمعلِّم راحل وفيٍّ بعض وفاءٍ لذكراه، تبْدو المقاومة حبيبة، لأجلها يحب كل من أحبها، فمعلمه صاحب فضل لأنه :
 

يعلن "أبو مجدي" عشقه لموطن المقاومة الميداني، للجنوب، فهو في مواجهة الموت، حياةٌ للأجيال، ويعنيه كثيراً أن توافيه منيته في الجنوب الذي أحب، والذي فوق ثراه الطاهر، نال مبتغاه في نهاية المطاف:
 

يرقُّ شعرُ هذا البقاعي الثائر، عندما يعلن الجنوب دياراً له، يصيح بوحه همس سنبلةٍ وشوشتها مياه نهرٍ جارٍ:
 

يقرع سميح حمادة بقبضة هذا الحب، باب الثورة الحسينية من جنوب العز، منارة القيم في عالمٍ حكامه صعاليك وتجار:
 

ولهؤلاء المقاومين قادةٌ يستحقون معهم كل الحب، لأنهم يحملون النور في أفكارهم وكربلاء في ضمائرهم:
 

يتابع هذا العشق تصاعده من أعماقه، في خط بياني مستقيم، تُرْسمُ نقطته الأخيرة في القلوب مباشرة دون مقدمات، فهو يرى مواطن المقاومة أمكنةً مشرِّفةً حتى لأخصِّ مشاعره، فلا يطيب لقاء الحبيبة إلا في ربوعها.
 

يُبحر هذا العشق في مراكب زينب سرِّ علي عليه السلام إلى أعماق لجته. ومن تلك الأعماق،يصرخ شاعرنا رابطاً وجدانه ووجداننا بفاجعة كربلاء صرخة الحب المقاوم:
 

يعزف سميح حمادة شوقه الكبير لربوع العراق الجريح على ألحانه الحزينة، ففيها إنسانٌ يتوجع ويقاوم.
 

يضيق هذا العرض عن الإلمام بكل جوانب هذا العشق النبيل في قلب شاعرنا وشعره، ويعجزني السؤال أيهما كان وليد الآخر لديه الشعر أم المقاومة؟ أبا مجدي: في صوتك، قامة الريح إنْ غضبت لحقّ. في قوافيك ألحان نهر، يشارك المقاومين أناشيد انتصارهم. في شعرك بقاعٌ ينصهر جنوباً ومعاً يقاومان. وجنوبٌ يفرش للبقاع قلبه ومعاً بدمٍ واحدٍ ينتصران. في قلبك مقاومة، وفيها أنت وأنت قامة الشعر التي ما هوت إلا لتحضن في فعل عشق لا متناه، لا محدود أرضها التي اخترتها معراجاً لروحك في غدير علي عليه السلام(1)، ففُزْتَ بها عروساً في قصائدك، نوَّارةً في قوافيك.. وفازت بك شاعراً سيبقى في وجداننا وشعرنا المقاوم حضوراً يتحدى الرحيل ويضيء ظلمات الغياب.
 

_{(1) في يومه الأخير اتصل الشاعر بشقيقته وأخبرها في سياق حديثٍ طويل، أنه لم يعد يستطيع الحياة دون أحبته وأنه سيحيي في "ذاك اليوم" 23/3/2007 أمسية عيد الغدير في الجنوب وأنه يسأل الله أن يلقى وجهه الكريم عاجلاً. وفعلاً وافته المنية وهو في طريقه إلى إحياء آخر أمسياته الشعرية في عيد ولاية أمير المؤمنين وعلى أرض الجنوب، التي تمنى دائماً الشهادة فوق ثراها.}