أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

تربية: همسة للأهل: كونوا مربّين بسيرتكم‏

د. حسن سلهب(*)

 



على الرغم من التجارب الهائلة والطويلة لتربية الأبناء في التاريخ، لا يزال الأهل في حيرة من أمرهم، ما هو الموقف الصحيح؟ ما هو الإجراء المناسب؟ أي برنامج يمكن أن يناسب هذا الطفل أو ذاك؟ وباختصار كيف نربي أطفالنا؟ ومع مرور الزمن وتغير الأجيال وتراكم التحديات، تبدو المسألة بالفعل أكثر تعقيداً وأشد حراجة. إن أطفالنا اليوم لا يشبهون كثيراً الأطفال منذ عشرين عاماً، كذلك إن المطلوب من أطفال اليوم لا يشبه كثيراً ما كان مطلوباً من أطفال ما قبل عشرين عاماً أو أكثر. إن الخيارات المتاحة والبيئات المحيطة وخاصة في المدن والنواحي المزدحمة بالسكان، غدت أكثر تأثيراً وأعقد مضموناً. ما تقدم تمهيد للحديث عن موضوع الأهل والسيرة التربوية. والمقصود بالسيرة التربوية هي السيرة التربوية الخاصة بالأهل، أي كيف تكون سيرة الأهل تربوية في مقابل السيرة اللاتربوية أو السيرة السلبية؟


* التربية السائدة والتربية المرجوة:
درجت الإجابة على السؤال "كيف نربي؟" بأن يتوقع الجميع مجموعة إجراءات وبرامج يتم اعتمادها ليقوم بها المربي أياً كان، مثال: "راقب ابنك جيداً، قل له، ذكِّره، أسمعه، أطلب منه، أُعرض عليه، حفِّزه...". والاتجاه العام لمثل هذه الأعمال يمكن أن نطلق عليه الاتجاه التوجيهي، أو التربية باللسان، وهو بالإجمال يجيب عن سؤال ماذا نفعل مع الطفل؟ بماذا نقوم معه؟ كيف نتعاطى معه؟ ماذا نقول له؟ لكن هذا النوع من التعامل مع الطفل، على الرغم من ضرورته في بعض الأحيان، وفائدته الإجمالية، إلا أنه لا يشكل اتجاهاً كافياً في قضايا التربية. ما نطرحه اليوم بالإضافة إلى ما تقدم، يركز أكثر على سؤال كيف نكون أمام الطفل؟ بدل كيف نتعامل أو نتحدث معه؟ كيف نبدو؟ كيف نظهر؟ كيف نتحرك أو نتكلم أو نتعاطى؟ من دون أن يكون ذلك معه بصورة مباشرة، أو مقتصراً على مناسبات أو مشاكل معينة. درجت العادة أن نشعر بأنفسنا مربين في أوقات محددة واضحة، وبوعي وقصد كاملين للدور (عند الخطأ، عند السؤال، عند التردد،...)، فالتربية على ما تعودنا عليه هي مجموعة مواقف وتوجيهات تلبي حاجة الطفل أو تعالج مشاكله، هذا هو التعريف السائد للتربية، بينما التربية المطروحة اليوم هي كل أنواع السلوك التي يقوم بها الأهل في حياة الطفل، بوعي وقصد، أو من دون وعي وقصد.

* التربية بالسيرة:
أيها الأهل الكرام... التربية ليست إجراءً موسمياً أو مناسباتياً أو حتى دورياً، التربية قبل كل شي‏ء، سيرة حياة، حياتنا نحن، ونوع سلوك، سلوكنا نحن. لا تتحدث كثيراً عن الصدق، بل ادفع كل ما لديك من أجله. لا تشرح كثيراً عن النظافة والترتيب، ثابر على نظافتك وترتيبك في أدق الظروف. الصبر على الدرس والاجتهاد لا يتحقق بالترهيب والترغيب، بقدر تحققه بتقديم المثال اليومي في الصبر والاجتهاد أمام الأطفال في أي عمل مفيد. لا تطلب منهم التغلب على التعب، بينما يرونك تستغرق في راحة طويلة أمام التلفزيون أو المسامرات الليلية، التي لا تنقضي إلا بعد وقت غير قصير. تريد أن يكون أولادك منظمين لأوقاتهم مستثمرين لها، بينما تعرض سيرتك اليومية أمامهم شتى صنوف الهدر والضياع للوقت في أجواء من الاضطراب والفوضى! لا أدري كيف يمكن أن يتربى الطفل على احترام الآخر (سواء أكان أخاً، أم أماً، أم غير ذلك)، في بيت يهان فيه الآخر يومياً وتفتقر فيه العلاقات إلى أبسط قواعد الاحترام المتبادل؟! كيف أتوقع أن يستخدم أولادي أجمل المفردات، في وقت لا يسمعونها إلا في مقام التوجيه والتأديب؟! لا أقول إن هذا النوع من التربية (أي التربية بالسيرة) يكفي، ولا أقول إن هذا النوع يلغي النوع الآخر (التربية باللسان)، لكن أؤكد على ضرورة التربية بالقدوة، التربية بالسيرة، على قاعدة الحديث المشهور "كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم" وهنا كونوا مربين بغير ألسنتكم. إن الأسرة التي يطغى على أوضاعها الارتجال في كل شي‏ء، سوف تضم أبناءً في حالة استنفار دائم واستعداد سريع لإهمال كل شي‏ء.

* الأهل في بقعة الضوء
عند ولادة أول طفل يدخل الأهل بقعة الضوء، ويخضع سلوكهم لعملية تسجيل شاملة من قبل الأطفال. هذه العملية لا يمكن تحديد مستوى تأثيرها أو حجم المضمون الذي تحفره في ذاكرة وخيال الطفل. مع أول طفل، يخرج سلوك الأهل عن ملكيتهم، ليغدو خيوطاً أساسية في نسيج شخصية الطفل وخبرته الحياتية. مع أول طفل، يصبح الاقتراب من المثال، ولو بطريقة مفتعلة أحياناً، أكثر ضرورة وأشد إلحاحاً. من هنا يكون الإهمال أو السكون، الصمت أو الجمود، أولى بكثير من السيرة السيئة أو الحركة العشوائية. أخيراً، من الملفت أن بعض الأهل يودُّون أرقى المستويات السلوكية لأبنائهم، لكن من دون أن يقابل ذلك شي‏ء مماثل في سلوكياتهم الخاصة. هذا الكلام ليس من قبيل الاتهام أو الظن السيئ لا سمح اللَّه ولا هو حصيلة تقدير للمستوى التربوي في هذه المؤسسة أو غيرها. إنه تناولٌ مختلف لموضوع التربية الأسرية يركِّز على دور الأهل بصورة خاصة، من دون أي تقليل من جهودهم الكثيفة والطيبة.


(*) مدير الإعداد والإشراف في مدارس الإمداد.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع