نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

تربية: لا تسلبـوا شخصية أبنائكم

داليا فنيش(*)

أنا أمّ لطفلين، الأول يبلغ من العمر 4 سنوات، والثاني سبعة أشهر، وأعيش في بيت من غرفتين. زوجي يأتي متعباً من العمل ولا يحبّ الفوضى أو الضجيج. وعندما يلعب ابني أو يركض، ينزعج زوجي فيضربه ويصرخ في وجهه، حتى أصبح يخاف من كل الأولاد ولا يدافع عن نفسه، وعند سماع أصوات يبدأ بالبكاء، فقد سُلبت شخصيته. كيف أستطيع مساعدته في التخلص من ذلك؟


*الأسرة هي المؤسسة الأولى
الأسرة هي المؤسسة التربوية الأولى للطفل، يترعرع فيها ويفتح عينيه في أحضانها حتى يشبّ ويعتمد على نفسه. وتتشكّل شخصيّة الطفل خلال السنوات الخمس الأولى في الأسرة. لذا، من الضروري أن نهتمّ بالأساليب التربوية الصحيحة التي تنمّي شخصيّة الطفل وتجعل منه شاباً واثقاً من نفسه، صاحب شخصيّة قويّة، ومتكيّفة، وفاعلة في المجتمع.

إنّ سلوك الأفراد حصيلة تفاعل الشخصيّة مع البيئة. ونتيجة صفات وراثية أو شخصيّة، ومؤثرات اجتماعيّة، ودينيّة، وسياسيّة وحضاريّة، تلعب دوراً أساسياً في تحديد سلوكه.

*أهمّ العوامل والمبادئ التي تؤثّر في شخصيّة الطفل
تعدّ الأسرة المترابطة من أهم العوامل التي تُسهم بشكل كبير في تشكيل أو سلب شخصيّة الفرد وتحديد سلوكه، فضلاً عن دورها في تعليم الطفل كيفيّة إقامة العلاقات الاجتماعيّة مع الآخرين. كما أن لها تأثيراً كبيراً في بنائه نفسياً، وذلك من خلال مجموعة من العوامل الرئيسية التي تؤثّر عليه، ومنها:

1- الخلافات بين الوالدين وعدم توافر جو من الحوار والتفاهم بينهما، فتسهم في اكتساب الطفل أنماطاً سلوكيّة غير سويّة.
2- الانفصال بين الوالدين، الذي يؤدي إلى فقدان الثقة بالنفس عند الطفل، فضلاً عن شعوره بالنّقص بين أقرانه.
3- حرمانه من والديه وعدم وجود بديل يوفّر له الجو الأسري، والدفء والاطمئنان.
4- الإهمال ونقص الرعاية من جانب الوالدين يؤثر أيضاً في الشعور بعدم الأمان والوحدة، ويظهر سلوكاً عدائياً لديه تجاه الآخرين.
5- اتباع أساليب تربويّة صارمة.
6- عدم الاكتراث بالرعاية والحالة الصحيّة للطفل من قبل الأهل... إلخ.

*كيف تعرفين أنّ طفلك مسلوب الشخصيّة؟
تتّضح مشكلة الطفل من خلال مجموعة من المظاهر، أهمّها:

1 - ظهور أعراض عليه كالفزع والقلق والاكتئاب.
2 - فقدان شهيّته للطعام وإصابته ببعض الاضطرابات الجسمانيّة.
3 - التأخّر دراسياً.
4 - ضعف الذاكرة وعدم القدرة على الفهم.
5 - إصابته بالتعب والإجهاد لأقل مجهود يقوم به.
6 - انحراف سلوكه وقيامه بسلوكيّات غير أخلاقية.

*الأسباب والمؤثّرات الخارجية
تؤثر الأسباب والمؤثّرات الخارجيّة، سلباً، على بناء شخصيّة الطفل وسلوكه، دون علم الأهل بمدى خطورة هذه العوامل. وتترك الاتجاهات غير السويّة والخاطئة التي ينتهجها الوالدان في تربيتهما، آثاراً سلبية على شخصيّة الأبناء، ومن ذلك على سبيل المثال:

1- التسلط أو السيطرة:

إنّ تحكّم الأب والأم في خيارات الطفل ورغباته حتى ولو كانت مشروعة، أو إلزامه القيام بمهام تفوق قدراته وإمكانيّاته مع استخدام العنف أو الحرمان يؤدي إلى أن ينشأ لديه ميل شديد للخضوع واتباع الآخرين؛ فلا يستطيع أن يُبدع أو أن يُبدي رأيه ويناقش. كما يساعد اتباع هذا الأسلوب مع الطفل في تكوين شخصيّة قلقة، تتسم بالخجل والحساسية الزائدة، وينتج طفلاً عدوانياً يخرب ويكسر أشياء الآخرين لأنه لم يشبع حاجته للحرية والاستمتاع بها.

2- الحماية الزائدة:

قيام أحد الوالدين أو كلاهما نيابة عن الطفل بالمسؤوليات التي يفترض أن يقوم بها وحده بقصد الحرص على حمايته والتدخل في شؤونه فلا يتاح له بذلك فرصة اتخاذ قراراته بنفسه وعدم إعطائه حريّة التصرّف في كثير من الأمور، منها: حلّ الواجبات المدرسية أو الدفاع عنه عندما يعتدي عليه أحد الأطفال. هذا النوع من الأطفال لا يثق بقراراته ولا يثق بالآخرين ولكن يعتمد عليهم في كل شيء وتكون نسبة حساسيّته للنقد مرتفعة.

3- الإهمال:

يترك الوالدان طفلهما دون تشجيع على سلوك مرغوب أو تركه دون محاسبة على قيامه بشيء غير مرغوب. وقد يتبع الوالدان هذا الأسلوب بسبب الانشغال الدائم عن الأبناء وإهمال الاحتياجات الأساسية من طعام وشراب وملبس وغيرها، فيفسر الأبناء ذلك على أنه نوع من الكراهية والإهمال وتنعكس آثار ذلك سلباً على نموّه النفسي. ويصاحب ذلك أحياناً السخرية والتحقير للطفل عندما تطلب منه الأم مثلاً عدم إزعاجها بتلك الأمور التافهة، وتقصد مثلاً أحاديثه لها أو ثرثرته عندما يعود من المدرسة. كذلك الحال عندما ينال درجة مرتفعة في إحدى المواد الدراسيّة، لا يكافأ. بينما إن حصل على درجة متدنية يوبّخ ويعاقب، فيحرم من حاجته إلى الفرح والإحساس بالنجاح. وهذا قد يجعله يهرب إلى سلوكيات غير سوية. ومن نتائج هذا الأسلوب في التربية ظهور بعض الاضطرابات السلوكية لديه كالعدوان والعنف أو الاعتداء على الآخرين، وعدم الاكتراث بالأوامر والنواهي التي يصدرها الوالدان.

4- التدليل:

تشجيعه على تحقيق معظم رغباته كما يريد هو، وعدم توجيهه وكفّه عن ممارسة بعض السلوكيات غير المقبولة سواء دينياً أو خلقياً أو اجتماعياً والتساهل معه في ذلك.
لا شك في أن لتلك المعاملة مع الطفل آثاراً جانبية، فمن نتائجها، أنه يصبح غير معتمد على نفسه وغير قادر على تحمل المسؤولية، وبحاجة دائماً لمساندة الآخرين ومعونتهم، كما يتعوّد على أن يأخذ ولا يعطي ويصبح شديد الحساسية وكثير البكاء.

5- إثارة الألم النفسي:

يكون ذلك بإشعاره بالذنب كلّما أتى بسلوك غير مرغوب فيه أو عبّر عن رغبة سيئة، والتقليل من شأنه والبحث عن أخطائه ونقد سلوكه، فيفقد ثقته بنفسه ويكون متردداً عند القيام بأيّ عمل ويتوقع أن الأنظار دائماً موجهة إليه فيخاف كثيراً، ولا يحب ذاته، ويمتدح الآخرين ويفتخر بهم وبإنجازاتهم، وقدراتهم أما هو فيحطم نفسه ويزدريها.

6- التذبذب في المعاملة:

عدم استقرار الأب أو الأم في استخدام أساليب الثواب والعقاب، فيعاقب الطفل على سلوك معيّن ويُثاب على نفس السلوك مرة أخرى، فإذا شُتم الطفل أمام والديه يضحكان له وإذا شُتم أمام الناس يعاقبانه، فلا يعرف هل هو على حق أم على خطأ. وهذا يمهّد لشخصيّة متقلّبة مزدوجة في التعامل مع الآخرين.

7- التفرقة:

عدم المساواة بين الأبناء وتفضيل الأبناء الذكور منهم على الإناث أو تفضيل الأصغر على الأكبر وغيرها من أساليب خاطئة.

*نصائح وإرشادات
لتفادي هذه السلوكيات لا بد أن يتركز العلاج أولاً في الوقاية من خلال معرفة السلوكيات الطبيعية لكل مرحلة عمرية، وذلك من خلال:

1- إظهار الأحاسيس الخاصّة نحو الطفل، وأنه شيء كبير ومهم.
2- الكلام معه كشخص يَستطيع الفهم.
3- الابتعاد عن التوبيخ والضرب.
4- عدم الضحك للطفل إذا قام بأحد السلوكيّات غير المرغوب فيها.
5- الحرص على أن يكون جوّ الأسرة متَّسماً بالأمان والاستقرار، والحب والمسامحة. فهذا يُساعد على تكوين صورة إيجابية للحياة لدى الطفل.
6- تفهّم احتياجات الطفل ومحاولة إشباعها بشكلٍ متوازن.
7- معاملة كل طفل في الأسرة حسب إمكانياته وقُدراته وعدم مقارنته ببقية إخوته والأصدقاء.


* متخصصة تربوية.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع