صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

تربية: دور الأم في تربية أطفال الشهداء


تحدثنا في الحلقة الماضية عن الدور الكبير الذي تضطلع به الأم في تربية الطفل، وإنّ المحبّة والعطف الشديدين اللذين تمنحهما الأم للطفل هما الأساس في ثبات شخصية الطفل وتقويتها بشكل متوازن.
فما بالك عن دورها في تربية طفلها بعد استشهاد أو وفاة أبيه؟


* أهمية الدور
لا شكّ أنّ الطفل في صغره يكون شديد التعلّق بوالديه، ولا حدّ لهذا التعلّق بهما. وحينما يفقد الطفل أباه في مرحلة مبكرة، أو يبتعد عنه في طفولته كما هو حال المجاهدين في أكثر الأحيان، فإنّ هذا الارتباط الشديد سيتحول إلى آلام، وتصبح الأم حينها موضع اعتماد الطفل وملجأه في جميع الأمور.

وإذا كان دور الأم أساساً مسؤولية كبيرة، فإنّه تحت هذه الظروف المستجدة تصبح المسؤولية أكبر وأثقل.

لقد أصبح دور الأم بعد استشهاد الأب ذا وجهين: وجه يمثّل مركز العواطف السامية والرشيدة، وآخر يعبّر عن الصرامة والانضباط، وهذا في الواقع هو دور النيابة عن الأب في إظهار الثبات وقوة الشخصية

وتطبيق القوانين العادلة بين أفراد العائلة. وهذا هو المساعد على الحدّ من التصرفات الطفولية الرعناء التي يمارسها الطفل في هذا العمر، وهو الآن من مسؤولية الأم.

إنّ امتزاج هذين الدورين في شخصية الأم هو عنصر أساسي في توازن شخصية الطفل وصلاحه. ويجب أن يتوازن هذان العاملان التربويان فلا يطغى أحدهما على الآخر. وهو أمر في غاية الصعوبة ويحتاج إلى عزم وجهد كبيرين من قِبل الأم. لكن ذلك يهون في سبيل الطفل.

* مسؤولية الأم
بناءً على ما مضى، فإنّ اهتمام الأم بالأمور التالية ومتابعتها يصبح أمراً لازماً:
1- على الأم أن تزيد من مراقبة أولادها أكثر من السابق، وأن ترشدهم في اختيار الطريق السليم في حياتهم.

2- على الأم أن تساعد أولادها في تحمّل أعباء الحياة للوصول إلى الغايات المنشودة. وإذا كان هذا الأمر بالأمس أمراً هامشياً أو ثانوياً بالنسبة للأم، فإنّه اليوم تكليفها ومسؤوليتها.

3- إنّ مسؤولية الأم إيجاد طريق الرشاد، وزرع الأخلاق الفاضلة، وإعطاء المعنويات العالية. إنّ الحياة الحرة الكريمة لا تنفك عن الشعور بالعز والفخر، ويجب أن يمتلك أبناء الشهداء تلك القيم السامية التي تليق بلقب "وارث الشهيد".

4- إنّ خلق جوّ مأساوي مليء بالهم والحزن يشوّه حياة الطفل ويجعل منها جحيماً، وعلى الأم أن تجعل من حياته حياة طبيعية وأن تغذيه من فضائل الأخلاق كي تنطبع في شخصية الطفل القدرة على ممارسة دوره بشكل سليم وفعّال.

* تأمين مستلزمات الحياة
إنّ أصعب الأمور على النساء اللواتي قضين حياتهن مع أزواج يعملون ويقضون معظم أوقاتهم في ساحات العمل المضني، أن يخرجن بأنفسهم للعمل ويتحملن صعوبة هذه الحياة المجهدة بأنفسهن من أجل تأمين مستلزمات الحياة.
لعلّ الأم، بعد استشهاد الأب وافتقاده، تصبح العائل الوحيد للمنزل، وينبغي أن تنظر إلى هذا الدور أنّه من المقدسات.

إنّ تأمين احتياجات عوائل الشهداء أمرٌ يمكن أن يقوم به الكثيرون ويتصدون له بكلّ لهفة واندفاع، ذلك أنّ مجتمع الشهادة والإيمان، والشعب الذي اكتسب حريته وعزته من الشهداء والمجاهدين أنّ هؤلاء يسارعون بكلّ سرور لتأمين حاجات من يقول الإمام الخميني قدس سره في حقّهم: "أنتم يا عوائل الشهداء عين الأمة ومصباحها" ويصفهم في أكثر من موضع بأنّهم أولياء النعمة الحقيقيون، لكن... لعلّ الأفضل أن لا تنتظر الأم مساعدة من أحد، وأن لا تقبلها إن أمكن لها ذلك، بل تقوم بنفسها، وبكلّ ثقة، لتؤمن احتياجاتها واحتياجات أطفالها.

لعلّ العائدات القليلة لا يمكنها على الدوام سدّ كلّ الاحتياجات، ولكن بعزّة النفس وصون الكرامة يمكن الاقتراب شيئاً فشيئاً من الاكتفاء وسد الحاجة.
نعم ينبغي أن لا تغفل الأم عن أمر مهم جداً، وهو البقاء أكبر قدر ممكن منا لوقت إلى جانب الطفل فيما قبل المرحلة الدراسية، وأما في حال الاضطرار فيجب إيداعه عند إنسان واعٍ يعرف كيف يعامل الطفل، وإذا تعذّر الأمر فلا بأس باصطحابه إلى المدرسة أو مكان العمل أياً كان نوعه، وهذا أمر سليم للحفاظ على معنويات الطفل قوية متماسكة.

أيتها الأم الفاضلة... يا زوجة الشهيد صانع المجد والحرية والكرامة... إنّك تعيشين وطفلك في ظروف تحتاج إلى ضبط النفس، وعليك أن تتحلّين بالصبر والهدوء أمام الصعوبات والمشاكل التي تبدو أن لا حلّ لها، إنّما أنت أم مجاهدة ومناضلة، ولا بدّ أنك استلهمت الدروس من أخلاق زوجكم وعنفوانه وشجاعته ومقاومته.

إنّ هذا الميراث العظيم من المجد والعز والإباء، ميراث الشهادة، يستحقّ لأجله تحمّل الصعاب والمرارات لكن يحتاج إلى الصبر وضبط النفس.
إنّ القلق والاضطراب المتزايد سوف يشوّش فكر الطفل ويقتل لديه الجرأة والإبداع؛ وهذا أمر في غاية الخطورة بالنسبة لشخصية الطفل.
إذا أردتِ أن تربحي طفلك فعليك بضبط النفس!..

* دور العاطفة
ذكرنا في صدر هذه المقالة أنّ الطفل بعد وفاة أبيه أو استشهاده يحاول الاقتراب أكثر من الأمر، وهذا الاقتراب يعتبر من جهة في غاية الأهمية والفائدة، لأنّه يجعل الطفل تحت رعاية وإرشاد الأم في شق طريقه نحو حياة أفضل. ومن جهة أخرى يمكن أن تتحوّل هذه الرعاية إلى عنصر مضر في شخصية الطفل وتكون دافعاً للخداع والتملّق.

وفي جميع الأحوال يمكن القول أن عطف الأم ومحبتها للطفل أمر في غاية الأهمية، ولكن يجب أن يترافق ذلك مع الحزم والانضباط في توجيه نشاطات الطفل.

ويمكن للأم أن تمثل دور أعظم مركز تربوي للطفل إذا أحسنت استغلال مكانتها العاطفية لديه، فتزرع في نفسه بذور العقيدة السليمة والأخلاق الفاضلة وتطبع فكره وسلوكه في الحياة طبقاً لأصول العقيدة والأخلاق السامية، فيجب على الأم أن تملأ الأجواء المنزلية والعائلية بدفء عاطفتها وحرارة محبتها، لتجعل من هذه الأجواء منبعاً للثقة والتوازن والاطمئنان وقوة الشخصية للطفل. ولا بأس بتوفير أجواء اللعب واللهو المفيد والمسلّي، بل هو ضروري، فإنّ اللهو مع الأطفال أفضل طريقة للتخلص من أحاسيس العداء ومشاعر الحقد والكراهية التي تنشأ عن العزلة والحرمان.

أيتها الأم المجاهدة..

إنّ أملك وطموحك باستمرار طريقك أمر لا شك فيه، لأنّ راعيك وحاميك هو الله، وحينما تجعلين من الله وكيلك وكفيلك فإنّه سيرعاك جيداً.
لا تحتقري قدراتك، ولا تشعري بالخوف من الوحدة، فأنت قوية بالله ومورد لطف الرحمن، وأنّه لمن الفخر أن يكون زوجك علماً رفيعاً حيث الكثير من العظماء والصالحين كانوا ما زالوا يتمنون الوصول إلى هذه الدرجة، ولكنّهم لم يوفقوا.

إنّك مدعاة للاعتزاز والفخر لأنّك زوجة شهيد من جهة، ومن جهة أخرى فأنت تعتزين وتفتخرين بأنّك كافلة ومربية لذرية الشهيد.
إنّ علاقتك وابنك بالله مباشرة... وإنّك الإنسان المناسب لتحمّل رسالة الحفاظ على أمانة الله.
تقدمي بلطف بالله وعنايته ولا تخشي الخطوب.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع