أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

احترام النظام سلوك في جوهر الإسلام

د. علي الحاج حسن

 



إن الحديث عن قصص العلماء وتوجهاتهم في خصوص النظام العام، هو في الواقع حديث عن فكر واعتقاد وسلوك وطريقة حياة تعود بنا بشكل مباشر إلى النماذج الحقيقية، وإلى الذين يشكلون مواضع القدوة للبشرية في حياتها، بالأخص في تلك القضايا التي تتعلق بالنظام العام. وإذا كان المقصود من النظام العام هو مجموعة الأمور التي هي محل اهتمام عند الجميع، أي جميع الأفراد الذين يعيشون سوياً ويتلاقون على مجموعة من المصالح التي يجب أن يلعب كل شخص دوره الخاص بها لتنظيم حياة الآخرين، أو أن ينتهي ويرتدع ويمتنع عن قضايا من أجل عدم إلحاق الضرر بالآخرين أيضاً، فلعل أشهر أمثلة على مسائل النظام العام الأمور المتعلقة بأموال الدولة، والقضايا التي لها جانب عمومي، والطرقات والأسواق... وما يشبهها من الأمور. ولعل قراءة سريعة لخلفيات ودوافع الحفاظ على النظام العام، تخلص إلى أن النظام قضية عامة موجودة في جوهر الدين الإسلامي، الذي يهدف في الأساس إلى بناء المجتمع والتحرك به نحو الرقي.

* الإمام علي نموذج وقدوة:
تشكل حياة الأئمة الأطهار عليهم السلام النموذج الأبرز الذي يجب الاقتداء به، إذ نستلهم منها التجلي الواقعي لحقيقة الحفاظ على القضايا العامة. ألم نقرأ عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنه كان يرفض أن يشعل شمعة بيت المال عندما لا يكون منشغلاً بالعمل فيه؟ وهذه الأمور ليست قصصاً ولا حكايا، بل هي روح الفكر الذي حاول المعصومون عليهم السلام أن ينقلوه للآخرين، ونفهم منها لزوم الحفاظ على النظام العام وعدم التهاون فيه. إن حياة المعصومين عليهم السلام مليئة بالمشاهد البارزة في مسألة النظام العام، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: "مَرَّ عيسى بن مريم بقبر يعذَّب صاحبه، ثم مَرَّ به من قابل فإذا هو ليس يعذب، فقال: يا رب مررت بهذا القبر عام أول وهو يعذب ومررت به العام وهو ليس يعذب، فأوحى الله جلَّ جلاله إليه: يا روح الله، قد أدرك له ولد صالح، فأصلح طريقاً وآوى يتيماً فغفرت له بما عمل ابنه"(1).

* العلماء والنظام العام:
الإمام الخميني"قده": احترام النظام بالأفعال:

لعل حياة الإمام روح الله الخميني قدس سره مليئة بالمناسبات التي شدد فيها على وجوب مراعاة النظام العام، وعدم استغلال أموال الدولة وحقوق الناس... وهناك الكثير من القضايا التي نفهم منها أن الإمام قدس سره كان يمارس مراعاة النظام العام على حقيقته، فقد روي أن الإمام"قده" أثناء وجوده في باريس دعاه الأخوة إلى طعام حيث ذبحوا خروفاً في مكان إقامته، والقانون يمنع ذبح الحيوان خارج المسلخ، فقال: إنني لا أتناول من هذا اللحم طالما كان ذبحه خرقاً للقانون، بالرغم من أن النظام في ذلك المكان لم يكن إسلامياً(2). وذكر(3) "أن الإمام الخميني قدس سره لم يرتكب في أرض الدولة التي تضيفه ما يخالف قوانينها، ولا حاد عن مسؤوليته القانونية والإنسانية".

وهنا نشير إلى النقاط التالية:
أ- كانت أكثر وصايا الإمام قدس سره لمسؤولي النظام تتمحور حول مساعدة المحتاجين والتنزه عن صفات أصحاب القصور، وكان يعتقد أن الدولة والموظفين والمدراء هم خدم للشعب، فلا يحق لأحد من هؤلاء أن يأخذ أكثر من عامة الناس. وكان الإمام الخميني قدس سره يشدد على أن حياة القائد يجب أن تكون مساوية لحياة أبناء طبقات المجتمع العاديين(4). لقد كان الإمام الخميني طوال الفترة التي قضاها في النجف الأشرف يعيش في منزل قديم متواضع مثل سائر بيوت الناس العاديين. لم يكن الإمام قد داخله الارتياح النفسي لهواء النجف الحار والجاف وذلك نظراً لتقدمه في السن فإنه كان يجد صعوبة أكثر بكثير من اولئك الذين يعيشون في النجف منذ سنوات طويلة واعتادوا عليه. وفي إحدى الليالي، بدأ المرحوم الحاج الشيخ نصر الله خلخالي وبعد مقدمة بسيطة بإعطاء الأمثلة عن أولئك الذين أصابهم المرض نتيجة بقائهم في النجف، وكان الأطباء قد نصحوا بأن هواء النجف يعتبر سماً، بينما هواء الكوفة دواء لهم. وهكذا بعد أن انتهى الشيخ الخلخالي من كلامه في الوقت الذي ظن فيه الجميع أن هذه الأحاديث والمقدمات أقنعت الإمام وهم ينتظرون جواباً إيجابياً من سماحته، فجأة رفع الإمام رأسه وقال: "أنا لا أستطيع الذهاب إلى الكوفة لأجل رفاهية نفسي في الوقت الذي يقبع فيه الكثير من شعب إيران في الزنازين"(5).

ب- من جهة أخرى كان الإمام قدس سره يعتبر أن من افتخارات هذه الثورة الإسلامية هو بناء جميع المؤسسات، ولم يكن هذا الأمر ممكناً إلا من خلال قناعة الإمام قدس سره بأنه ما لم تبنَ هذه المؤسسات، فإن الجمهورية الإسلامية لا تأخذ طريقها إلى التحقق(6). وهذا يعني أن الإمام قدس سره كان على قناعة تامة بأن الدستور والمؤسسات هي الوسائل الأساسية للحفاظ على مصالح الجميع والعمل على عدم تطرق الفساد إليها.

ج- كان الإمام قدس سره يعتقد بأن الواجب الشرعي الذي يجب أن يحكم عمل الموظفين إلى أي فئة انتموا هو ما حدده القانون، فالقانون تحدث عن وظيفة خاصة لكل موظف ولا يجوز التخلف أو الاهمال في هذه الوظيفة(7). هذه نماذج قليلة من حياة الإمام قدس سره المليئة بالمواقف الدالة على وجوب مراعاة النظام العام.

الإمام الخامنئي: وجوب مراعاة النظام العام
ولو عدنا إلى نموذج آخر وحاولنا الإطلالة على حياة الإمام الخامنئي، لوجدناها مليئة أيضاً بهذه الأمور، ولعل إطلالة سريعة على بعض فتاوى الإمام تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، على ضرورة مراعاة النظام العام: يقول الإمام الخامئني: أموال الدولة، ولو كانت غير إسلامية، تعتبر شرعاً ملكاً للدولة، ويتعامل معها معاملة الملك المعلوم مالكه، ويتوقف جواز التصرف فيها على إذن المسؤول الذي بيده أمر التصرف في هذه الأموال(8). ويقول أيضاً: رسوم البلدية والضرائب الرسمية يجب أن تدفع وفقاً لمقررات الدولة(9). ويقول في مكان آخر: يجب على كل من استفاد من الماء والكهرباء من مشروع المياه والكهرباء الحكومي، دفع أجورها إلى الدولة، وإن كانت غير إسلامية(10). والأكثر من هذا فإن الإمام الخامنئي يعتقد بأن أفضل ما يسع المسؤولين والمتصدين في مختلف مرافق البلاد القيام به هو خدمة الشعب(11).

إن النماذج المختصرة التي تقدمت تبين بوضوح أهمية النظام العام ودوره في إحياء الحياة والمصالح البشرية والسير بها نحو النمو، وتوضح أيضاً مدى الاهتمام الذي أولاه علماؤنا له، بحيث يجد المدقق في حياتهم أنهم كانوا نماذج حقيقية للالتزام بالنظام، باعتبار أنهم كانوا يؤمنون به كفكر حقيقي.


1- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج110، ص107.
2- جهاد النفس في فكر الإمام الخميني، إعداد: جمعية المعارف الإسلاميَّة.
3- ورد ذلك في بيان اللجنة التنفيذية للجمعية الإيرانية للدفاع عن الحرية وحقوق البشر، طهران، والذي أرسل إلى رئيس الجمهورية العراقية أحمد حسن البكر في (24 شوال 1398هـ الموافق 29 أيلول 1978م) (وذلك بسبب الحجر الذي وضعته الحكومة العراقية على الإمام في تلك الفترة).
4- حديث اليقظة، حميد أنصاريان، دار الولاء، ط1، ص143 144.
5- في ظلال الشمس قصص من حياة الإمام{.
6- صحيفة نور، ج15، ص1.
7- صحيفة نور، ج12، ص261.
8- أجوبة الاستفتاءات، ج2، ص322.
9- أجوبة الاستفتاءات، ج2، ص334.
10- المصدر نفسه.
11- الكلمات القصار، إعداد جمعية المعارف، ص210.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع