نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

قراءة في الحياة العبادية للإمام الحسين عليه السلام

الشيخ تامرمحمد حمزة

 



خلق الله الناس لهدف وغاية ولم يخلقهم عبثاً ولم يتركهم سدى. وغاية ذلك بلوغ الإنسان قمة الكمال التي يتم الارتقاء إليها بالمعرفة واليقين. وطريق الوصول إليها من خلال العبادة، فصارت العبادة مطلباً موضوعياً وهدفاً لأصل الخلق وطريقاً لبلوغ تلك المرتبة، فقال عز من قائل: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (الذاريات: 56)، ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (الحجر: 99). والله سبحانه وتعالى قد أودع في الإنسان هدايتين: تكوينية ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (الشمس: 8)، ليميز الخير من الشر، وتشريعية تتمثل بالنجدين مع إرشاده وبعثه في طريق الشكر وزجره عن طريق الكفر(1).

وهنا يقف السالك إلى الله بما زود من إرادة واختيار ليقرر بإرادته، إما اختيار سبيل التكامل في درجات الكمال والجمال، وإما ينحدر في دركات الخيبة والانحطاط ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (الشمس: 9 10). والعصمة هي ذروة الكمال ولا يبلغ مرتبتها إلا الإنسان الكامل المتمثل بالمعصوم عليه السلام. العبادة في حياة أهل البيت عليهم السلام تابعة لوجودهم، فلم ينقطعوا عن عبادة الله سبحانه وتعالى لحظة واحدة في الليل أو النهار ولا في السر أو الجهار. وكل حركة وسكنة يقومون بها، فهي في طاعته، فكمال لذتهم تكمن في مناجاتهم لله، وذروة سعادتهم تتجلى بالانقطاع إليه. والإمام الحسين عليه السلام هو أحد أركان هذا البيت الطاهر، الذي كان يطوف حول جمال خالقه وجلال بارئه ويسعى بين الخوف والرجاء، حتى بدا عليه عظيم خوفه من الله، ولما قيل له: "ما أعظم خوفك من ربك، قال: لا يأمن يوم القيامة إلا من خاف من الله في الدنيا"(2). لا شك في أن الإمام الحسين عليه السلام كان يعبد الله بما رسم من خط بياني لحقيقة العبادة، حيث ورد عنه أنه قال: "من عبد الله حق عبادته، آتاه الله فوق أمانيه وكفايته"(3).

شواهد من عبادته:
* أول نطقه الله أكبر:

الذي يظهر من بعض الأخبار الواردة عنهم عليهم السلام، أن لفظة الله أكبر هي أول ما نطق به الإمام الحسين عليه السلام. فقد روى الصدوق بسند صحيح في من لا يحضره الفقيه وعلل الشرائع عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الصلاة، فكان الحسين عليه السلام أبطأ عن الكلام، حتى تخوفوا أنه لا يتكلم وأن يكون به خرس، فخرج به حامله على عاتقه وصفّ الناس خلفه فأقامه على يمينه...، فافتتح رسول الله صلى الله عليه وآله الصلاة، فكبر الحسين عليه السلام، فلما سمع رسول الله تكبيره، عاد فكبر... فكبر الحسين عليه السلام حتى كبر وشكر سبع تكبيرات وكبر الحسين فجرت السنّة"(4).

* إني أحب الصلاة:
أما الصلاة، فكان محباً لها ويكثر منها في الليل والنهار، كما ورد في العقد الفريد لابن عبد ربه وغيره، وقيل لعلي بن الحسين عليه السلام، ما أقل ولد أبيك؟ فقال: العجب كيف ولدتُ له، لقد كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، فمتى كان يتفرغ للنساء؟(5)، فما كان يمنعه عن أدائها شغل ولا عمل، حتى في أشد اللحظات حرجاً عليه.  روى ابن طاووس أنه لما رأى الإمام الحسين عليه السلام حرص القوم على تعجيل القتال وقلة انتفاعهم بمواعظ الفعال والمقال، قال لأخيه العباس عليه السلام:"إن استطعت أن تصرفهم عنا في هذا اليوم، فافعل، لعلنا نصلي لربنا في هذه الليلة، فإنه يعلم أني أحب الصلاة له وتلاوة كتابه"(6). بل لم يدع الصلاة حتى ظهر يوم العاشر من المحرم، فلما حضرت صلاة الظهر، أمر الحسين عليه السلام زهير بن القين وسعيد بن عبد الله الحنفي أن يتقدما أمامه بنصف من تخلف معه، ثم صلى بهم صلاة الخوف(7).

* الحسين والحج:
لقد حج سيد الشهداء خمساً وعشرين حجة إلى بيت الله الحرام ماشياً على قدميه وبه تواترت الروايات والرواحل تقاد بين يديه. وكلما مر وأخاه عليه السلام على راكب، نزل عن راحلته ومشى معهما، حتى اشتد ذلك على الناس، فجاء وفد من الحجاج الى سعد بن أبي وقاص وقالوا له: إن المشي قد اشتد علينا ولا يسعنا أن نركب وابنا رسول الله صلى الله عليه وآله يمشيان، فقال لهما سعد: "إن المشي قد ثقل على الناس، ولا يسع أحداً أن يركب وأنتما تمشيان، فلو ركبتما رحمة بالناس، فقالا: قد جعلنا على أنفسنا أن نمشي في طريقنا هذا، ولكن نتنكّب الطريق، فسلكا طريقاً آخر على غير الجادة، حتى لا يراهما أحد من الناس"(8).

* الدعاء والمناجاة:
إن الدعاء ليس من مميزات الإمام الحسين عليه السلام فحسب بل من المميزات البارزة في تراث أهل البيت عليهم السلام، وعمدوا إلى تربية شيعتهم عليه. وقد تفردت أدعيتهم عن غيرها في المحتوى والمقاصد والمعاني وأتوا بها لكل زمان وعلى اختلاف الأحوال، حيث لم تُترك مناسبة أو وقت إلا وله دعاء خاص، فهناك الأدعية لحالتي السلم والحرب، وللحضر والسفر، وللسليم والمريض، وللمطمئن والمكروب، وغير ذلك. والذي يطبع حياة الإمام الحسين عليه السلام المناجاة الكثيرة، ورأسها وسنامها مناجاته في موسم الحج المعروفة بدعاء عرفة، وكذلك أدعيته ليلة العاشر من المحرم ويومه. ويعتبر أعجز الناس هو من عجز عن الدعاء، ولازمه أن من يملك الدعاء، فإنه يملك قدرات لا يبطلها شيء ويعجز أمامها كل شيء، لأن المناجي قد استند إلى الوجود المطلق الذي لا نهاية له، ومما جاء على لسانه المبارك قوله: (أعجز الناس من عجز عن الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام)(9). وأما على مستوى الممارسة فلنقف على شاطئ بحر مناجاته لنلتقط بعضاً من رذاذ مائه.

* مناجاته في الليل:
إن كان الناس يجدون في ظلمة الليل وحشة، فإن الإمام الحسين عليه السلام كان يجد فيه أكثر الأوقات ايناساً لتذوقه حلاوة المناجاة. ومما جاء في تلك الأوقات "إلهي نعمتني فلم تجدني شاكراً، وأبليتني فلم تجدني صابراً، فلا أنت سلبت النعمة عني بترك الشكر ولا أدمت الشدة علي بترك الصبر، إلهي ما يكون من الكريم إلا الكرم"(10). ومما واظب عليه في قنوت الوتر من الأدعية، الذي علمه إياه رسول الله صلى الله عليه وآله " اللهم إنك ترى ولا تُرى وأنت بالمنظر الأعلى، وإن إليك الرجعى وإن لك الآخرة والأولى، اللهم إنا نعوذ بك أن نذل ونخزى"(11). أقرب ما يكون العبد إلى ربه حين سجوده أو حين الدعاء بخشوع، فكيف إذا كان السجود مع الذكر أو كان الدعاء أثناء السجود، خصوصاً إذا كان الساجد المناجي حالة السجود كابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ؟! روي أن شريحاً دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله ، فوجد الحسين ساجداً يعفر خده في التراب وهو يقول: "سيدي ومولاي ألمقامع الحديد خلقت أعضائي؟ أم لشرب الحميم خلقت أمعائي؟... إن طاعتي لا تنفعك ومعصيتي لا تضرك، فهب لي ما لا ينفعك واغفر لي ما لا يضرك، فإنك أرحم الراحمين"(12).

* دعاؤه لأهل المقابر:
عند دخوله إلى المقابر، لم ينسَ أهلها من بركات دعائه. وعلمنا ما ندعو به مع الحث والترغيب على الإتيان به رأفة منه بأصحاب القبور. ومما جاء في دعائه لهم" اللهم ربَّ هذه الأرواح الفانية والأجساد البالية، والعظام النخرة التي خرجت من الدينا وهي بك مؤمنة، أدخل عليهم روحاً منك وسلاماً مني". وأما الحث والترغيب، فقوله: "إذا دعا أحد بهذا الدعاء كتب الله له بعدد الخلق من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة حسنات"(13).

ـ دعاء عرفة:
ومن جملة الأدعية والمناجاة المنسوبة إلى الإمام الحسين عليه السلام الدعاء المعروف بدعاء العشرات. ومن غرر الأدعية المنسوبة إليه أيضاً دعاء عرفة وهو من الأدعية التي تستدر الرحمة الإلهية وتقرب العبد من ربه في أجمل الأيام وأقدس الأمكنة، يجد الراغبون فيه حلاوة مناجاتهم، ويدرك المحبون فيه جمال معشوقهم. فقد روى القمي في مفاتيح الجنان(14) عن شبر وبشير ابني غالب الأسدي، قالا: كنا مع الحسين بن علي عليه السلام عشية عرفة، فخرج من فسطاطه متذللاً خاشعاً، فجعل يمشي هوناً هوناً حتى وقف هو وجماعة من أهل بيته وولده ومواليه في ميسرة الجبل مستقبل البيت، ثم رفع يديه تلقاء وجهه كاستطعام المسكين، ثم قال: "الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع ولا لعطائه مانع".. وختم بقوله عليه السلام: "يا من تجلى بكمال بهائه فتحققت عظمته من الاستواء، كيف تخفى وأنت الظاهر؟ أم كيف تغيب وأنت الرقيب الحاضر؟ إنك على كل شيء قدير والحمد لله وحده".


(1) إشارة إلى قوله تعالى: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا.
(2) بحار الأنوار، ج44، ص190.
(3) بحار الأنوار، ج71، ص184.
(4) الفقيه ج1، ص100، علل الشرائع، ص 118، وسائل الشيعة، ج4، باب 7 من أبواب تكبيرة الإحرام.
(5) سيرة الأئمة الاثني عشر، هاشم معروف الحسني، دار التعارف بيروت.
(6) اللهوف في قتلى الطفوف، ابن طاووس، دار التيار الجديد، ص 34.
(7) المصدر السابق، ص 42.
(8) سيرة الأئمة الاثني عشر، هاشم معروف الحسني، دار التعارف بيروت، ص 33.
(9) بحار الأنوار، المجلسي، ج93-294.
(10) سيرة الأئمة الاثني عشر، هاشم معروف الحسني، ص33. وعن إحقاق الحق، ج11-595 يأتي به حين يمسك بأكثر من اليماني.
(11) أعلام الهداية، الإمام الحسين بن علي عليه السلام عن كنز العمال، ج8- ص 82، وعن مسند الإمام أحمد، ج1- ص201.
(12) إحقاق الحق، ج11، ص 424.
(13) مستدرك الوسائل، النوري، ج2، ص373، الحديث 23.
(14) مفاتيح الجنان، القمي، ص 260.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع