نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟*

 مع الإمام الخامنئي


يجب أن يكون الهدف من تلاوة القرآن التأثير في المُخَاطَب. ولهذا، أقول لقرّاء القرآن: حين تشرعون في التلاوة، يجب أن تكون نيّتكم التأثير في مخاطَبِكم.

* التلاوة بنيّة التأثير 
أيّها القرّاء، إنّ عملكم مهمٌّ وعظيم. وإنّ تلاوة القرآن فنٌّ عظيم، وهو تركيبٌ من اللحن ومختلف الخصائص التي يجري الاهتمام بها في التلاوة من أجل أن يتمكّن الإنسان من التأثير. اتلوا القرآن بأيّ لحن بنيّة التأثير في الطرف المقابل، أي يجب أن تكون النيّة والهدف على هذا النحو، لا كما حال بعض القرّاء المعروفين. 

* استخدام القراءات المختلفة 
يتلو بعضهم القراءات المختلفة للتباهي فقط، أي لا فائدة منها حقّاً. على سبيل المثال، تتكرّر أحياناً إحدى الآيات بخمس قراءات مختلفة أو ستّ دون فائدة. هذا النوع من الاختلاف في القراءة ليس محبّذاً كثيراً ولا أوصي به أبداً؛ لأنّه يربك ذهن المرء في بعض الأحيان ويشتّته، مع أنّه قد يكون جيّداً جدّاً ومفيداً في نواحٍ أخرى، وهو ما سأبيّنه في هذين المثلين: 

أ. تلاوة الشيخ عبد الباسط: (هَيْتَ لَكَ) (يوسف: 23)، إذ يكرّرها مرّة تلو أخرى، أي لا ينتظر حتّى ينتهي من الآية ثمّ يعيدها: (وقالت هَيْتَ لك)، (وقالت هِئتَ لك)، (وقالت هِئتُ لك). يُريد بهذا التكرار أن يُظهر أهميّة الموقف، لأنّه إذا ما قرأ الآية مرّة واحدة وعبر عنها، فلن يلاحظ المُستمع مثل هذا الموقف المهم: شابٌّ في غرفة خالية، وثمّة امرأة بتلك الصفات تُقبل عليه بهذا الإصرار، لكنّه يمتنع عنها؛ هذه هي أهميّة هذه القضيّة، أي يريد أن يصف الموقف في ذهن المخاطَب على نحو يشعر معه كأنّ الأمر يحدث أمام عينيه، ولهذا يكرّر. هذا نموذج جيّد. إذا ما تمرّن الأصدقاء على ذلك وعملوا كذلك، وإذا ما كان ثمّة اختلاف قراءة مثلاً وبيّنوه، فسيكون جيّداً للغاية.

ب. تلاوة الشيخ مصطفى إسماعيل: إنّه نموذجٌ لافتٌ آخر، وكان عذباً وجذّاباً بالنسبة إليّ، حين يقول النبيّ سليمان عليه السلام: (قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ* قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ) (النمل: 38- 39). كيف يقرأ الشيخ إسماعيل هاتين الآيتين؟ يقرأ بداية هذه الآية: (قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ)، ثمّ يقرأ: (أَنَا آتِيكَ بِهِ) بقراءة وَرش(1)، أي يكرّر الموضوع مستخدماً قراءة وَرش، وهو يتعمّد هنا تكرار هذه القراءة فوراً، أي لا يسمح بأن تنتهي الآية ليبدأ بعد ذلك، حتّى يُظهر تكبّر هذا العفريت أكثر ومدحه لنفسه. ثمّ يوجّه ?اَلَّذي عِندَهُ عِلمٌ مِنَ الكتاب? صفعةً إلى هذا، فذاك يقول أيضاً: (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) (النمل: 40). هنا أيضاً يقرأ الشيخ مصطفى إسماعيل بالأسلوب نفسه؛ ليبيّن أنّ عبداً خالصاً من أصحاب النبيّ سليمان عليه السلام يردّ على حركة متكبّرة لـ(عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ) ويوجّه صفعةً إليه في واقع الأمر. لاحظوا! هذه الاستفادة من الاختلاف في القراءة على هذا النحو هي أمرٌ مميّزٌ تماماً.

إنّ قراءة وَرش عن نافع رائجةٌ في مصر وفي بعض دول شمالي أفريقيا التي تُعدّ غربي العالم الإسلاميّ. كما أنّ قراءة حمزة(2) تنطوي على جماليّة معيّنة بسبب الهمزة بعد الحرف الساكن إذ تُحدث سَكتةً فيها، ولا إشكال فيها في بعض الحالات. لكنّ الإفراط في عرض هذه القراءات المتعدّدة واللجوء إلى أنواع كلماتهم وأقسامها خاصّة بعد تلك الإمالات العجيبة والغريبة التي يؤدّونها والتي لا يمكن للمرء أن يستوعب سببها، فهذا ليس صحيحاً ولا أمراً محبّباً. ولا أعتقد أنّ عربيّاً في العالم العربيّ اليوم لديه مثل هذا النوع من الإمالة في البيان. 

* الالتفات إلى أنواع الفصل والوصل 
يفصل كثير من القرّاء الآية أثناء التلاوة بأسلوب مميّز جدّاً، فيتنبّه قلب المستمع إلى ذاك المقطع. في بعض الأحيان، يؤدّي الفصل أو الوقف في الآية القرآنيّة إلى أن يترسّخ في العقل المفهوم أو الموضوع الذي توقّف القارئ عنده، وأحياناً يؤدّي إلى أن تبرز أهميّة الموضوع والخصوصيّة والنقطة التي ينطوي عليها. هنا أيضاً، نقدّم تلاوة مصطفى إسماعيل في سورة القصص كمثال: (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ) (القصص: 25). حسناً، كيف سنقرؤها لو أردنا؟ سنقرؤها هكذا: (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ). حسناً، هذه هي القراءة العاديّة. لكنّ مصطفى إسماعيل لا يقرأها على هذا النحو، بل يقول: (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي)، ويسكت قليلاً ثمّ يقول: (عَلَى اسْتِحْيَاءٍ). لماذا؟ لأنّ حياء الفتاة له معنى. هذه الفتاة كانت قبل ساعة من هذا الموقف تقف إلى جانب هذا الشابّ وسقت أغنامها الماء وغادرت، فلماذا تخجل الآن ولم تكن تخجل آنذاك؟ لأنّها ذهبت وأختها إلى والديهما ومدحتا هذا الشابّ وجرى حوارٌ داخل المنزل حوله، هذا ما جعل هذه الفتاة حين تعود تشعر بالحياء. يريد مصطفى إسماعيل بهذه القراءة أن يُبرز هذا الأمر. ومن الجيّد جدّاً الإلفات إلى هذه الأمور، أو تكرار بعض الآيات والجُمل، أو ارتفاع الصوت وانخفاضه في بعض المواضع. هذه كلّها أساليب مهمّة تسهم في تأثير القرآن في القلوب.

نأمل أن يوفّقكم الله المتعالي جميعاً -إن شاء الله- وأن يوفّقنا جميعاً لكي نأنس بـالقرآن أكثر ونتعرّف إليه أكثر، وأن نستطيع أن نؤدّي واجبنا في هذا الجزء من القضايا القرآنيّة، اللهمّ بحقّ محمّد وآل محمّد، أحينا مع القرآن. 


*كلمة ألقاها الإمام الخامنئيّ دام ظله أوّل يوم من شهر رمضان المبارك، بتاريخ 25-3-2023م.
(1) هي إحدى القراءات العشرة المتواترة والمعتمدة، وتنسب إلى أبي سعيد عثمان بن سعيد بن عبد الله الملقب بورش. 
(2) هي إحدى القراءات العشرة المتواترة والمعتمدة، وتنسب إلى حمزة بن حبيب الكوفي. 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع