نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مناسبة: أيادٍ طاهرة في خدمة بيوت الله

تحقيق: نبيلة أحمد حمزي



مع بزوغ الفجر، وقبل أن تلقي الشمس خيوطها على كتف الأرض، تفتح عينيك وأنت مصغٍ لأنشودة رنانة. وبعد أن تنتصف هذه الشمس في وسط السماء لترسم مشهد الزوال، تصدح تلك الأنشودة مجدداً. ثم حين تغيب الشمس يُختتم النهار مع المرة الأخيرة لانطلاقتها. وفي كل مرة، تعلن الأنشودة عن حلول الوقت لعبادة الله مع أهم فريضة، ألا وهي الصلاة. الأنشودة هي الكلمات النورانية للأذان الذي يرتفع من بيوت الله. تدخل المسجد لتصلي فتسكن الراحة قلبك لتحيا أفضل وأروع اللحظات في أحضانه، لكنك لا تعرف أن خلف ارتفاع الأنشودة والصورة البراقة أيادي طاهرة لأشخاص وهبوا أنفسهم لخدمة المسجد: يرفعون الأذان، يهتمون بالنظافة والترتيب، ينظمون صفوف المصلين ويحرصون على إبقائها أماكن تطبّق فيها وصايا الله وتعاليمه. من المسجد تُرفع أجمل الكلمات وأروع الألحان نداء الله في السماوات والأرضين الأذان المبشر بحلول الصلاة ووقت الإفطار في شهر الصوم الكريم. المسجد متراس، تقام فيه الندوات الثقافية الدينية، والدورات التعليمية التي تزيد المجتمع وعياً، ثقافةً وإيماناً، فيصبح بيتاً محصناً بوجه الفساد المستشري، خصوصاً في هذا العصر الذي نعيشه.

• لمحة تاريخية عن خدمة المساجد:
موضوع خدمة المساجد والمعابد موضوع قديم جداً يعود بنا وبحسب ما تبين الروايات إلى أيام سدانة الكعبة الشريفة وأيام بنائها حجراً حجراً، بعدما هدمها الكافرون أكثر من مرة. ولا يمكن أن ننسى السيدة مريم عليها السلام التي نذرت نفسها لخدمة المعبد، ونصل إلى عهد الرسول صلى الله عليه وآله حيث كان بنو هاشم موكلين بخدمة البيت العتيق، واشتهر بسدانة الكعبة عم الرسول صلى الله عليه وآله العباس.

دوافع الخدمة في المسجد:
تنطلق دوافع الخدمة في المسجد من أهميته في النهوض بالدين الإسلامي. ففي المسجد تقام أهم فريضة ألا وهي الصلاة، الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، الصلاة التي هي عمود الدين، إن قُبلت قُبل ما سواها وإن رُدّت رُدّ ما سواها. للمسجد قدسية كبيرة، فأرضه أرض مباركة يفضل الجلوس فيها أكثر من الجلوس في الجنة، لأن الجلوس في المسجد فيه رضى الله والجلوس في الجنة فيه رضى النفس، كما أن المسجد مكان كرمه الله، فيه يشفع للمؤمنين وتحت سقفه تستجاب الدعوات. إذاً، الدوافع التي ينطلق منها الفرد لخدمة المسجد دوافع إيمانية لنيل رضى الله وكسب محبته، تقول الآية الكريمة في ذلك: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ (التوبة: 18).

• الكل يخدم في المسجد:
قد تتولد دوافع الخدمة في المسجد عند العديد من الأشخاص مهما كان مستواهم العلمي، الاجتماعي، المادي، وبأي عمر كانوا. يقول لنا الأخ علي أحمد حمزي (23 عاماً)، خادم مسجد أبي الفضل العباس مجدل زون/صور "العلماء والأطباء والمهندسون يخدمون المقامات الشريفة والمساجد المطهرة في العراق، كيف نحن في لبنان؟ أنا حاصل على شهادة بكالوريوس في المحاسبة، اخترت هذه الطريق لأنها تدعو لأهم فريضة في الدين الإسلامي. أذكر عندما كنت أذهب إلى بيروت لمتابعة دراستي، كنت أستمر بالتفكير فيه طوال الوقت، كنت أوكل شباباً بالإهتمام بشؤونه، وأتصل بهم دورياً لمتابعة سير عملهم".

* تجربة طويلة وبلا ملل:
تجربة طويلة يستمر فيها السيد محمد عثمان(59 عاماً) خادم مسجد الإمام علي عليه السلام بعلبك ـ، فهو في المسجد منذ 36 عاماً، يخدم بيت الله بكل عزم وقوة، وبكل إرادة صلبة، بدون كلل ولا ملل بل بمزيد من التعلق سنة تلو أخرى. عمل أكان شاقاً أو غير شاق اختاره السيد عثمان بملء إرادته وعن عقيدة راسخة بحب الله عزَّ وجلَّ، وبالإصرار على الاستمرار بالعمل إلا إذا لم تسمح الصحة بذلك.

* خدمة المسجد صمود ومقاومة:
في حرب تموز الأخيرة داوم الحاج أبو علي غانم (خادم مسجد عيناتا) على رفع الأذان وأصر على هذا العمل لسببين:
الأول: أن هذا العمل كان همزة وصل بينه وبين الشباب "كنت أعطيهم دفعاً معنوياً للاستمرار بالقتال والجهاد، وكيف لا تغمرهم السعادة وتسكنهم القوة وهم يسمعون نداء الله يصدح ليعلو فوق ضجيج الطائرات والمدافع"!؟.
الثاني: إشارة إلى أن عيناتا بيد أمينة، ما زالت صامدة صمود الأبطال لم تسقط بيد الأعداء: "لقد لاحظ الصهاينة رفعي للأذان وبدأوا يقصفون مسجداً تلو الآخر. وكلما قصفوا مسجداً كنت انتقل إلى آخر. وعندما لم تعد بيدي وسيلة، انتقلت إلى حسينية البلدة ورفعت منها الأذان. أذكر أنه في يومٍ من الأيام قال لي الشهيد جميل النمر: انتبه فإذا استشهدت تموت البلد كلها".

* أثر الخدمة في المسجد:
أجمع كل الذين تحدثوا لنا عن تجربتهم في خدمة المسجد أن لها أثراً إيجابياً على حياتهم.
ـ الحاج حمزة الأسمر خادم مسجد الإمام الباقر عليه السلام الحدث يؤكد:
"هذا العمل يميزني عن غيري من الناس. هذا التمييز بالطبع بفضل الله سبحانه وتعالى. خدمة المسجد جعلتني شخصاً آخر، شخصاً مؤمناً بالصبر، متمسكاً بالفضيلة، ساعياً إلى تحسين خلقه، محافظاً على أوقات صلاته. بعد خدمة المسجد، كسبت معرفة أشخاص جدد، زاد احترامي وتقديري من قبل الناس، تيسرت لي أمور كانت مستعصية، وقد لاحظ الجميع هذا التغيير وأخبروني بذلك".
ـ نضال السماحي خادم مسجد صور القديم يقول: "وأنا في داخل المسجد، أشعر بأني أرحل إلى الملجأ الوحيد من هذه الدنيا، التي نخر فيها الفساد عقول الناس الضعفاء، فأخذهم إلى الضياع والسقوط عن صراط الله سبحانه وتعالى".

* عمل مبارك
كثيرون من الناس يعتبرون خدمة المساجد عملاً بسيطاً جداً، لا يدركون قيمته وأهميته، حول هذا الموضوع، حدثنا الشيخ علي جابر قائلاً:

قبل الحديث عن أهمية خدام المساجد، لا بد من أن نلتفتَ في هذه المسألة إلى أن المسجد هو بيت الله سبحانه وتعالى، البيت الذي له قدسيته، وخادم المسجد هو الإنسان المؤمن العامل في هذا البيت. وبالتالي الأهمية التي يكتسبها، والاحترام الخاص، نابع من كونه في خدمة هذا البيت. وقد حدثنا القرآن الكريم عن السيدة مريم (التي طهرها الله) والتي كانت في بداية أمرها خادمة (بيت المقدس)، وهذا الذي أفادها صفاءً وروحانية خاصة إلى أن وصفت بسيدة نساء عصرها. إن لخادم المسجد دوراً مهماً ووظيفة بارزة، فهو يهيئ هذا البيت المقدس ليكون محل عبادة الناس وتوجههم لله، وبهذا المعنى يعين الناس على دينهم ويعطيهم فرصة أفضل للعودة إلى الله، وكما نعرف إن المسجد هو المكان الأول لطلب العلم والمعرفة، فإن خادمه وبلا شك مساهم أساسي في هذا الجانب. وبالتالي، فإن خدماته تشمل جانبين: المادي والثقافي. على ضوء ما تقدم، علينا أن نبجل ونحترم الدور الهام لهؤلاء المباركين في الدين.

* بوركت أياديكم:
هنيئاً لهؤلاء الأشخاص عملاً يعد من أشرف الأعمال وأكثرها قداسة. بوركت الأيادي التي حملت كلمة الله ونشرتها إلى مكان أبعد مما تصل، لتزيد الأمة الإسلامية تمسكاً بالإيمان، ولترسخ الرسالة المحمدية في القلوب الخيّرة، فدمتم أيها الشرفاء بألف خير ونسأل الله أن يعطيكم القوة لتبقوا ذخراً وسنداً لهذه الأمة.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع