نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أهل القرب عند الإمام الخميني قدس سره

الشيخ ياسين حسن عيسى

 



• معنى القرب
إن القرب يأتي على معانٍ عديدة:
1ـ القرب المكاني: والمراد منه تقارب الشيئين من حيث المكان. وهذا غير مقصود من بحثنا.
2ـ القرب الزماني: وهو تقارب شيئين من حيث الزمان كمجيء زيد وعمرو في زمان متقارب، وهذا ليس المقصود من بحثنا أيضاً.
3ـ القرب الروحاني: من الله تعالى، وهو بمعنى تكامل النفس وارتقائها المعنوي والروحي وبلوغها تلك الدرجات العالية في سيرها وسلوكها إلى الله تعالى، كما قال جلّ شأنه: ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (المطففين: 18-21).

وهذا القرب هو بلحاظ قرب العبد من مولاه، وهو مرادنا من البحث. ولذا ورد في كتاب التعريفات:
إن القرب هو القيام بالطاعات، والمراد به قرب العبد من الله تبارك وتعالى(1).
4ـ قرب الله تعالى من عبده: وهذا مورده في بحث آخر، لأنه يدخل في معنى إحاطته تعالى بكل شيء، كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ (البقرة: 186) وقال تعالى: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (ق: 16).
5ـ القرب من رسول الله صلى الله عليه وآله: يرجع إلى القرب من الله تعالى.
6ـ القرب من الناس بالمداراة والأخلاق الحسنة وهو التزام بالتكليف. ويجمع المعنى الخامس والسادس قوله صلى الله عليه وآله: "إنّ أقربكم مني غداً وأوجبكم عليّ شفاعة، أصدقكم لساناً وأدّاكم للأمانة وأحسنكم خُلُقاً، وأقربكم من الناس"(2).

* من هم المقربون في بحثنا؟
إن المقرّبين هم من بلغوا مرضاة سيدهم ومولاهم، وصنّفوا في سجل السعادة عند الله تعالى.
وبلوغ مرضاة الله تعالى لا تكون إلا بالقيام بصالح الأعمال على أبواب طاعته جلَّ شأنه كما قال تعالى في سورة العصر: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ... (العصر: 1-3).
وعليه، فالمقربون هم المشمولون برحمة الله ببركة طاعاتهم وخدماتهم وعباداتهم على أعتاب الحضرة الإلهيّة فيتقربون بالنّوافل والفرائض التي عرَّفها الله لهم.
قال العلامة الطباطبائي قدس سره:
"فالمقرّبون هم النمط الأعلى من أهل السعادة، كما يشير إليه قوله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ (الواقعة: 10 14). ولا يتم ذلك إلا بكمال العبودية كما قال: ﴿لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ (النساء: 172). ولا تكمل العبودية إلا بأن يكون العبد تبعاً محضاً في إرادته وعمله لمولاه، ولا يريد ولا يعمل إلا ما يريده، وهذا هو الدخول تحت ولاية الله، فهؤلاء أولياء الله"(3).

* المقرّبون عند الإمام الخميني قدس سره
إن المقرّبين لدى إمامنا الخميني قدس سره هم من قاموا بكامل وظائفهم وبإخلاص بين يدي الله تعالى محافظين على دينهم ومراقبين لقلوبهم في حياتهم.
إذ يقول قدس سره: "لا بدّ من معرفة أنَّ من أصعب الأمور وأقسى الأشياء محافظة العلماء والزهّاد والمتّقين على دينهم والمراقبة لقلوبهم في حياتهم. ولهذا لو أن شخصاً من هذه الطبقة ينهض بوظائفه، وبكل إخلاص في النية، ويسلك طريق العلم والزهد والتقى، وينقذ نفسه من هذه المحن (التزلف تجاه من يطمعون فيه والتدليس والتكبر على أبناء نوعهم...) ويسعى في سبيل إصلاح الآخرين بعد أن أصلح نفسه ويرعى أيتام محمد صلى الله عليه وآله، كان مثل هذا الإنسان من المقربين والسابقين. كما ذكر الإمام الصادق عليه السلام ذلك في خصوص أربعة رجال كانوا من حواريي الإمام الباقر عليه السلام: زرارة ومحمد بن مسلم وأبو بصير وبُريد من الذين قال الله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (4).

* ما هي شرائط المقربين؟
ذكر الإمام الباقر عليه السلام هذا الحديث القدسي: "... وما يتقرب إليَّ عبد من عبادي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه؛ وإنّه يتقرب إليّ بالنافلة حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به ويده التي يبطش بها، إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته"(5).
وفي تعليق الإمام الخميني قدس سره على هذا الحديث نستفيد عدة شرائط لأهل القرب إلى الله تعالى:
1ـ البدء بالسفر الروحاني من بيت النفس المظلم إلى الله سبحانه:
قال: "إن مبدأ السفر الروحاني إلى الله سبحانه هو بيت النفس المظلم. ومنازل هذه المرحلة المراتب الآفاقية والمراحل الأنفسية (الحجب النورانية والظلمانية)، ونهاية هذا السفر الذات الحق المقدس..."(6).
2ـ إذابة الأنا والأنانية:
قال: "وبعد أن يطأ الإنسان السالك برجْلِهِ على هامة إنيّته وأنانيّته ويغادر البيت المظلم... ينسلخ على نفسه..."(7).
3ـ قطع الآمال من كل الموجودات والكائنات:
قال: "... ويقطع آماله من كل الموجودات والكائنات..."(8).
4ـ تحطيم الأصنام من قلبه:
قال: "... ويحطم الأصنام بيد قدرة ولايته من كعبة قلبه، وتغيب الكواكب والأقمار والشموس من أفق قلبه..."(9).
5ـ لا يسكن القلب إلا الله تعالى:
قال: ".. ويغدو قلبه إلهياً ذا وجه واحد وجهة واحدة من دون أن يعكر صفوها التعلق بالغير، ويبلغ مستوى ﴿وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ (الأنعام: 79)"(10).
6ـ الفناء في أسماء الله وصفاته (الفناء في الله):
قال: "ويفنى في الأسماء والذات والأفعال..."(11).
7ـ المحو الكلي والصعق وحصول الجذب الربوي بنار العشق:
قال: "... وبعد هذه المراحل التي يتجاوزها، ينسلخ عن نفسه ويحصل له المحو الكلي، وتظهر له حالة الصعق، ويصير الحق المتعالي فيه فعّالاً، حيث يسمع بسمع الحق، ويبصر بعين الحق، ويبطش بيد قدرة الحق، وينطق بلسان الحق، ويرى الحق، ولا يرى غيره، ويتكلم بالحق دون غيره، فيكون تجاه غير الحق أعمى وأصمّ وأبكم، وتجاه الحق بصيراً وسميعاً وناطقاً. ولا يحصل هذا المقام إلا مع الجذب الربوبي وجذوة نار العشق، حيث يتقرب بها إلى الحق بصورة مستمرة ويُسعف بواسطة الجذبة الربوبية التي تحصل إثر حب الذات المقدس حتى لا ينزلق في وادي الحيرة، ولا يبتلى بالشطحات وغيرها التي تكون من رواسب الأنانية. وقد أشير إلى هذين الأمرين في قوله "وإنه يتقرب إليّ بالنافلة حتى أحبه"(12).
8ـ التقرب إلى الله تعالى بالفرائض والنوافل:
قال: "فإن تقرّب العبد إلى الله من آثار جذوة العشق، والجذبة الإلهية للحق سبحانه من نتائج الحب. إذا لم تكن جذبة من طرق المعشوق لا تفلح مساعي العاشق المسكين فيوجب التقرب بالنوافل الفناء..."(13).
9ـ الأنس بالله والطمأنينة:
قال: "وتحصل له حال الأنس والطمأنينة وتنكشف له سبّحات الجمال والجلال..."(14).
وقال: "... إنّ التقرب بالفرائض يقود الإنسان إلى الصحو بعد المحو، أي يتحوّل وجوده إلى وجود الحق، يرى الحق سبحانه في مرآة جمال الموجودات الأخرى ويتحوّل إلى موجود منسجم مع المشيئة"(15).
وقال: "ويجب أن يعلم أن هذا الصحو بعد المحو والعود إلى عالم الكثرة تسمى بالقرب، لأن هذا الصحو بعد المحو يختلف عن حالة الغفلة التي نعيشها..."(16).

وأخيراً يقول العلامة الطباطبائي قدس سره عن المقرّبين:
"وبالجملة هؤلاء في الحقيقة هم المتوكلون على الله، المفوّضون إليه، الراضون بقضائه، المسْلِمون لأمره، إذْ لا يرون إلا خيراً، ولا يشاهدون إلا جميلاً فيستقر في نفوسهم من الملكات الشريفة والأخلاق الكريمة ما يلائم هذا التوحيد، فهم مخلصون لله في أخلاقهم كما كانوا مخلصين له في أعمالهم. هذا معنى إخلاص العبد دينه لله، قال تعالى: ﴿هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (غافر: 65)(17).


(1) راجع كتاب التعريفات، ص 72.
(2) الأربعون حديثاً، الإمام الخميني قدس سره، ص 425.
(3) الميزان في تفسير القرآن، العلامة الطباطبائي قدس سره، ج 19، ص 121.
(4) الأربعون حديثاً، م.س، ص 346.
(5) الميزان في تفسير القرآن، م. س، ج 19، ص 121.
(6) الأربعون حديثاً، م. س، 346.
(7) م. ن، ص 516.
(8) م. ن، ص 526.
(9) م. ن.
(10) م. ن.
(11) م. ن.
(12) م. ن.
(13) م. ن، ص 526 527.
(14) م. ن، ص 527.
(15) م. ن.
(16) م. ن، ص 528.
(17) الميزان في تفسير القرآن، م. س، ج 11، ص 161.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع