نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

شابّ قائدٌ وقدوة


الشيخ موسى خشّاب


قد ننظر إلى بعض مَن حولنا بعين الشفقة أو الازدراء، وإلى بعضهم الآخر بعين المحبّة أو الكراهية والغضب، ولكن ثمّة قسمٌ خاصٌّ منهم ننظر إليهم بعين العظمة، فبعضهم بالنسبة إلينا كالجبل، وبعضهم كالقمم، وبعضهم كالشمس أو القمر... ويطلق على هذا الصنف من الناس اسم القدوة، ومن مميّزاتهم أنّهم الأشدّ تأثيراً في نفوس الناس. وقد برز في هذا المجال العديد من الأشخاص الذين كانوا قدوة للآخرين وهم في عمر الشباب وهو أمر لافت في حدّ ذاته. وهنا نسأل: ما السبب في جاذبيّة القائد أو عدمها؟ وما السرّ في النظر إليه بعين العظمة رغم كونه في سنيّ الشباب؟

•قواعد الجذب والتأثير للشباب
ثمّة مجموعة من القواعد يجب على القائد الشابّ بشكل خاصّ أن يراعيها ويحذر من الوقوع في مخالفتها:

أوّلاً: ادرس قراراتك جيّداً:
إنّ أوّل نصيحة للقائد الشاب هي: "ادرس قراراتك جيّداً". وهذه الجملة تتضمن العديد من الوصايا الضرورية التي ينبغي للقائد الشاب أن يلتفت إليها عند أخذ القرار من قبيل:
1- لا تتسرّع في اتخاذ القرار: قد يقع الشابّ في فخّ التسرُّع بسبب الطبيعة الحماسيّة التي يتّصف بها، ممّا يوقعه في العديد من المشاكل، ويؤثّر على الثقة التي يمنحها له الآخرون.
2- لا تتخذ قراراً وأنت منفعل: كاتخاذ القرار في حالة الغضب أو في حالة التعاطف، ممّا يوقعه في الندم، بل عليه أن يهدأ ويتّخذ القرار بعيداً عن تأثيرات الانفعال الداخليّ قدر المستطاع.
3- لا تتّخذ قراراً دون استشارة: إنّ مبدأ الاستشارة من المبادئ المهمّة في الإسلام، فقد أمر الله تعالى نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم بمشاورة الناس ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ (آل عمران: 159). وشدّدت الروايات على ضرورة الاستشارة: "مَن شاور الرجال شاركها في عقولها"، ومنعت من الاستبداد: "من استبدّ برأيه هلك".

إنّ هذه التوصيات تجعل القائد الشابّ بالخصوص في مأمن من الوقوع في القرارات الخاطئة، وقد سلّطنا الضوء عليها كونها من الابتلاءات التي يقع بها القادة الشباب بشكلٍ أكبر.

•قواعد الجذب والتأثير للقادة
هناك مجموعة من القواعد الأخرى التي ينبغي مراعاتها، وهي مشتركة بين جميع القادة سواء كانوا شيوخاً أو شبّاناً:

- القاعدة الأولى: لا تقل ما لا تفعل
يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ (الصف: 2-3). تنجذب الفطرة الإنسانيّة إلى من يطابق فعله قوله، وتنفر ممّن يخالف فعله قوله، ويُطلِق الناس عليه اسم المدّعي، فهو كثيراً ما يطلق الوعود ويخلفها، ويتعهّد بحلّ الأمور، ضارباً يده على صدره، لكنّه في كلّ مرّة يُخلف في وعوده، وإن لم يكن عن قصد، لكنّه لا يهتمّ بالوعود، وهذا من علامات النفاق، "المنافق إذا وعد أخلف"(1)، في حين يصف الله تعالى نبيّه إسماعيل عليه السلام بأنّه ﴿صَادِقَ الْوَعْدِ﴾ (مريم: 54).

1- شاهد من السيرة: في قصةٍ جميلةٍ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه جاء رجل في يوم من الأيّام بولده الذي كان يأكل التمر كثيراً، بحيث يسبّب له ضرراً ويؤذيه، طالباً من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يطلب من ولده أن يكفّ عن أكل التمر؛ لأنّ قول أهله لا يؤثّر فيه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنّي اليوم قد أكلتُ تمراً، فجئ به غداً كي لا أتناول التمر، فيؤثّر كلامي فيه". فانظر إلى شدّة اهتمام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحرصه على أن يطابق قوله فعله، رغم أنّه صلى الله عليه وآله وسلم لو أمره بترك التمر، لما لامه أحد، وذلك لأنّه يتحدّث مع شخص تؤذيه كثرة تناول التمر(2).

2- شاهد من المسيرة: ورد في كتاب "كان أمّة" الذي يتحدّث عن حياة الشهيد بهشتي، رواية لأحد الأصدقاء قائلاً: سألته ذات مرّة: "هل أنت تلتزم بما تقوله (حول عدم وجوب خدمة المرأة في المنزل)؟"، فقال: "إنّني أقتطع جزءاً من راتبي الشهريّ، وأقدّمه لزوجتي بعنوان بدل الأتعاب، وأقول لها دائماً أنا أعلم أنّ حقّك أكثر من هذا بكثير، ولكن منتهى قدرتي حالياً هذا الحدّ. وما إن تسنح الفرصة، سأعوّضك ما فات"(3).

- القاعدة الثانية: لا تميّز نفسك عن الآخرين
إنّ القادة الإلهيّين لا يميّزون أنفسهم عن الآخرين بأيّ شكلٍ من الأشكال. ولا شكّ في أنّ عدم مراعاة هذه القاعدة يؤدّي إلى سقوط القادة عند أتباعهم.

شاهد من المسيرة:
1- يقول الأخ شوشتري: جاء السيّد الخامنئيّ دام ظله إلى مقرّ العمليّات، ومجيء رئيس الجمهوريّة إلى مقرٍّ ما مُفرح، ويُعدّ توفيقاً ونجاحاً في الوقت نفسه، ولهذا أراد الإخوة في المقرّ إظهار فرحهم، فذهبوا لإحضار طعام الغداء، وكنّا في الخيمة التي أُعدّت للسيّد (الخامنئيّ) ستّة أشخاص، أحضروا طعام الغداء زائداً على المعتاد، فقال السيّد (الخامنئيّ): حسناً، بما أنّكم تجاهدون، وتعملون، وتبذلون جهوداً، فأبدانكم تحتاج إلى طاقة، ولا أقول لكم لماذا تتناولون هذا الطعام، ولكن هل العناصر الذين تحت إمرتكم يتناولون مثل هذا الطعام أيضاً؟ فسكت الجميع. ثمّ قال السيّد (الخامنئيّ): "طبعاً سأتناول معكم الطعام لتعلموا أنّني أرغب في أن تعتنوا بأنفسكم، ولكن اعلموا أن لكلّ شيء مكاناً. فالآن سيقال: بما أنَّ رئيس الجمهورية قد حضر إلى هنا، فأعدّوا له ذلك كلّه، ولكنّني أطلب منكم أن تحضروا لي الغداء الذي يتناوله الجنود، ليعلموا أنّني، رئيس الجمهوريّة، أتناول مثلما يتناولون، ولا فرق بيني وبينهم، وإلّا فسوف يكون حضوري هنا فخريّاً"(4).

2- الشهيد محمّد جوني: عرض والد محمّد عليه شراء شقّة له في حيّ الأمريكان، وهو من الأحياء الفاخرة في الضاحية الجنوبيّة، إلّا أنّ محمّداً فضّل شراء شقّة عاديّة في محلّة حارة حريك، قائلاً: "أنّا لن أبرح مكاني هذا، فهنا إخواني، وأنا أرغب في العيش معهم وبينهم، وأن لا يشعروا بحرجٍ إذا رغبوا في زيارتي في منزلي". ولهذا السبب أيضاً، عمد لاحقاً إلى فرشِ شقّته بالأثاث الضروريّ فقط، ومن نوعيّات متوسّطة، ولمّا سُئل عن ذلك، أجاب: "أنا أحبّ أن أحيا حياة الإخوة المجاهدين. لا أريد أن يشعر أيّ واحدٍ منهم بفارقٍ بيننا، عندما يأتي لزيارتي. أريده أن يشعر وكأنّه في بيته"(5).

- القاعدة الثالثة: لا تستخفّ بالآخرين
من الأمور الهامّة والحسّاسة؛ نظرة القائد إلى الناس، وإلى من هم تحت ولايته بشكلٍ خاصّ؛ هل يثق بهم وبآرائهم؟ هل يؤمن بقدراتهم؟ هل يعدّهم أشخاصاً مبدعين؟ ومن الواضح أنّ نظرة القائد إلى الناس تؤثّر بشكلٍ كبير على تعامله معهم، فالقائد الواثق بالناس يختلف عن القائد المستخفّ بالناس، وبقدراتهم، وبإمكاناتهم، فهو يعتمد عليهم، ويستمع إليهم، في حين لا يرى القائد المستخفّ إلا الوجهاء والأغنياء.

- شاهد من المسيرة: يذكر أحد قادة الحرس الثوريّ الإيرانيّ أنّه في زمن الحرب المفروضة، أُقيمت جلسة مع مقاتلي اللواء، وقد طالت هذه الجلسة إلى حدود ثلاث ساعات ونصف، طُرحت خلالها أسئلة مختلفة أجاب عنها سماحة الإمام الخامنئيّ دام ظله بكامل المحبّة والعطف. وفي أواخر الجلسة، قال أحد الحاضرين معلّقاً على إجابة سماحته عن سؤال: إنّ ما ذكرتموه لم يقنعني، فقال له سماحته: لقد وضّحتُ المسألة أكثر من جميع الموارد، ولكن إذا كنت لم تلتفت حتّى الآن، سأتكلّم معك بشكلٍ منفصل.. هذه المعاملة الودودة والصادقة من سماحته، تركت أثراً جميلاً في معنويّات الأفراد(6).

- القاعدة الرابعة: لا تتأمّر على الناس
من جملة الأفكار التي رسّخها الإمام الخمينيّ قدس سره في نفوس قادة الثورة والمقاومة، فكرة أن ينظر القائد إلى نفسه على أنّه خادم لا أكثر. وتنعكس هذه المسألة على تصرّفات القائد؛ فتصرّفات القائد المتأمّر تحكمها المصلحة الشخصيّة (الشخصانيّة)، في حين تحكم تصرّفات القائد الخادم المصلحة العمليّة، وتذوب شخصيّته في العمل:

1- فالقائد المتأمّر يعدّ التخلّف عن أوامره استخفافاً به وإهانة شخصيّة له، في حين يرى القائد الخادم أنّ الناس حين يتخلّفون عن أوامره يؤذون أنفسهم، ويلحقون الضرر بمصالحهم العامّة؛ لأنّ الغاية من القيادة هي تأمين مصالح الناس والذود عنهم.

2- يسعى القائد المتأمّر عند مخالفة أوامره إلى الانتقام، في حين يسعى القائد الخادم إلى إصلاح النفوس، ويكون الهدف من العقاب هو الإصلاح وليس الانتقام.

3- يقرّب القائد المتأمّر منه مَن يمدح شخصه، ويجامله، ويحابيه، ويستبعد غيرهم، في حين يُكرّم القائد الخادم مَن تميّز في خدمة المصالح العامّة وتطبيق القانون، وإن كان لم يبدِ أيّ محاباة له.

4- يحتجب القائد المتأمّر عن الناس بسبب اعتقاده بتميّزه وتفوّقه عليهم، في حين يكون القائد الخادم مخالطاً للناس، قريباً منهم.

5- يتميّز القائد الخادم بالمحبّة والرحمة للناس، في حين لا يتفاعل القائد المتأمّر مع حاجات الناس وهمومهم.

- شاهد من المسيرة: تروي إحدى الموظفات في العمل الذي كان يديره الشهيد محمّد جوني عنه: "لم نشعر يوماً أنّه صاحب عملٍ، وأنّنا موظّفون لديه، فقد غلبتْ على علاقتنا الرحمة والأخوّة. كان يتابع شؤوننا حتّى الشخصيّة منها، ويسعى إلى حلّ مشاكلنا قدر استطاعته. لم نعتد منه سوى قول: (الله بعينِك)، إذا أراد أن يطلب منّا شيئاً: (الله بعينِك نسّقي البضاعة على هذا الرفّ)، أو (الله بعينِك، هذه المجموعة ليست معروضةً كما يجب). هذا كان ديدنه في الحديث معنا"(7).

ختاماً، إنّ اتّباع هذه القواعد وغيرها من القواعد التي لم يتّسع المقال لذكرها، هي التي تجذب الناس إلى القادة، وترفع مكانتهم في قلوب أتباعهم، فيحبّونهم، ويحترمون أوامرهم، وتجعلهم مستعدّين للتضحية من أجلهم.


1.مصباح الشريعة، منسوب إلى الإمام الصادق عليه السلام ، ص157.
2.إصلاح المجتمع الإسلامي، مركز البحوث الإسلامية، ص48.
3.(م.ن)، ص61.
4.شعاع من الشمس، علي شيرازي.
5.منتصر، غيداء ماجد، ص91.
6.مجلة بقية الله، العدد 55، مصباح الولاية.
7.منتصر، (م.س)، ص75.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع