نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

وصايا العلماء: زاد المسير العزم والإرادة

آية الله الشيخ محمد تقي بهجت



علينا أن نعلم صغاراً وكباراً بأنَّ الطريق الوحيد لتحصيل سعادة الدنيا والآخرة، هو العبوديَّة للّه عزّ وجلّ. وهي تتحقّق بترك المعصية في العقيدة والعمل. لئن عملنا بما نعلمه، وتوقفنا واحتطنا فيما لا نعلمه، إلى أن نحصِّل العلم به، فلن نكون في معرض الندم والخسران أبداً. ولئن تحقّق هذا العزم في العبد بشكل ثابت وراسخ، فسيكون اللّه تعالى أولى بتوفيقه وإعانته.

* كونوا دعاة إلى اللّه بغير ألسنتكم

ثمّة جماعة يتعاملون مع الوعظ والخطابة والإرشاد والتي هي مقدّمة للأمور العمليَّة المناسبة معاملة ذي المقدّمة. وكأنَّ المطلوب أن "يتكلّموا ويستمعوا لمجرّد أن يتكلّموا ويسمعوا!" وهذا اشتباه. إنَّ التعليم والتعلّم إنَّما يكون مناسباً لأجل العمل، ولا استقلاليَّة لهما. وقد قالوا عليهم السلام لإفادة هذا المطلب والحثّ عليه: "كونوا دعاة إلى اللّه بغير ألسنتكم". تكلّموا من خلال العمل، وتعلّموا من العمل، وليكن سماعكم بالعمل. يريد بعضهم أن يعلم المعلِّم! (ويتطلّب منه) حتّى أن يأخذ كيفيَّة التعليم من المتعلِّمين!! يطلب منّا البعض الدعاء، فنسأل لأي شيء؟ فيبيّنون العلّة، فنشرح لهم الدواء، وبدلاً من أداء الشكر واستعماله يقولون ثانية: "ادعوا لنا". وبعيداً عمّا نقوله وما يريدون، فإنّهم يخلطون شرطيَّة الدعاء مع نفسيّته. إنَّنا لا نخرج عن عهدة التكليف، بل علينا تحصيل النتيجة بواسطة العمل، ومن المحال أن يكون العمل بلا نتيجة، أو تحصل النتيجة من غير العمل. ليس الأمر كذلك: "كانت إقامة المجلس لحاجة ومصلحة فلم ينل منها إلاّ الجلوس والحديث والقيام" (ترجمة شعر بالفارسية نصّه:

پى مصلحتى مجلس آراستند
نشستند وكفتند وبرخاستند!)


جعلنا اللّه من أهل العمل، لا مجرّد قوّالين (من أهل الكلام)، فلا نقدم على حركة عمليَّة من دون علم ولا نتوقّف مع العلم. لنقم بأداء ما نعرفه، ولنتوقّف ونحتاط فيما لا نعرفه، إلى أن يحصل لنا العلم به، ومن المقطوع به أن لا ندم في هذا النهج. لا ننظر بعضنا إلى بعضنا الآخر، بل ليكن نظرنا إلى دفتر الشرع، ولنجعل أعمالنا وتروكنا مطابقة له.

* أفضل زاد الرَّاحل إليك عزم الإرادة
لا يخفى على أولي الألباب، أنَّ أساس (ودستور) الحركة في المخلوقات هو معرفة المحرّك الذي تحتاج إليه الحركة، ومعرفة ما منه الحركة وما إليه الحركة، وما له الحركة، أي البداية والنهاية والغرض. حيث إنَّ الممكنات في حالة حركة (مستمرّة) آناً فآناً باتِّجاه المقصد. والفرق بين العالم والجاهل هو في معرفة علاج الحوادث وعدم معرفة ذلك. والتفاوت في منازلهما في العاقبة بمقدار التفاوت في مراتب علمهما في البداية. فإذا عرفنا المحرّك، واطّلعنا على حسن تدبيره وحكمته من انتظام المتحرّكات، (كان) كلّ توجّهنا (وهمّنا) إرادته التكوينيّة والتشريعيّة. فهنيئاً للعارف (لأهل المعرفة) وإن كان أكثر الشهداء بذلاً وتضحية وتعساً للجاهل (لغير العارف) حتَّى لو كان فرعون زمانه. عاقبة هذه الحركات أن يقول الجاهل (ليت أُمّي لم تلدني)، ويقول العالم (ليتني سرت نحو المقصد سبعين مرّة، ثمَّ عُدْت وسرت ثانية واستشهدت في سبيل الحقّ). ولكيلا نعود من حياتنا بالندم أقول بصراحة:  لو انقضى مثلاً نصف عمر أيِّ شخصٍ في ذكر المنعم الحقيقي، ونصفه الآخر في الغفلة، لاعتبر نصف عمره حياة له، والنصف الآخر موتاً، مع اختلاف عن الموت في الأضرار وعدم النفع.

إنَّ من يملك المعرفة باللّه، يصير مطيعاً له، ويكون شغله وارتباطه به تعالى، ويعمل بما يعلم أنَّه موافق لرضاه، ويتوقّف فيما لا يعلم إلى أن يعلم، ويسعى لتحصيل العلم بذلك آناً فآناً، لكي يعمل أو يتوقَّف. فعمله ناشئ عن الدليل، وتوقّفه راجع لعدم وجود الدليل. هل من الممكن لقافلتنا أن تصل سالمة إلى المقصد، عبر هذه العقبة المليئة بالخطر، من دون التسلُّح بطاعة اللّه القادر؟ هل من الممكن أن يكون وجودنا من الخالق تعالى، وقوّتنا من غيره؟ فلا قوّة نافعة باقية إذاً إلاّ لأهل اللّه، ولا ضعف إلاّ لغيرهم. والآن إذا صرنا من أصحاب اليقين في هذه المرحلة، فعلينا لأجل ترجمة هذه الصفات والأحوال عملياً، أن نعلم أنَّ هذه الحركة المتحقّقة من أوّلها إلى آخرها مخالفة لمحرّك الدَّواعي الباطلة. ويكفي في سعادة الاتِّصال برضا المبدأ الأعلى، أن لا نعتني بها - أي الدَّواعي الباطلة - فلا نتحرّك تبعاً لها وانبعاثاً منها. (المترجم. ونهملها): "أفضل زاد الرَّاحل إليك عزم الإرادة". (من دعاء يوم المبعث). والحمد للّه أوّلاً وآخراً والصلاة على محمّد وآله الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع