نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

سمات الغافلين

الشيخ حاتم إسماعيل



الغفلة في الأصل عدم الإلتفات والتوجه، وهي لا تكون إلا عن أمر كائن. بخلاف السهو، فإنه يتحقق في ما لا يكون، فالغفلة تقابل التذكر والالتفات. والمراد بالالتفات والتوجه في المقام هو العمل على تحقيق ما يلائم غرض النفس ومصلحتها ومطلبها، ولهذا، وقعت الغفلة في الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة موقع الذم واللوم، لما فيها من فتور النفس عن مقصدها الأسمى وغايتها القصوى، أي كمالها الذي تنشده من خلال الارتباط به تعالى.

* موجبات الغفلة:
وإذا كانت الغفلة عن أمر كمالي تقتضيه مصلحة النفس وكمالها الذي تنشده، كانت الغفلة عنه أمراً سلبياً، بمعنى أنها نوع حرمان لهذه النفس عن الكمال، لما تستلزمه من الكسل عما ينبغي تحصيله وإيجاده، كاكتساب المعارف والأخلاق الفاضلة وأداء الفرائض، فإنها توجب الشقاء والهلاك. وأما إذا كان المغفول عنه أمراً شائناً وموبقة من الموبقات، تكون الغفلة عنه كمالاً وفضيلة، لأنها من نفسها إعدام للنقائص والشرور، ويلزمها تكميل النفس وتحصينها مما لا ينبغي فعله. ولمّا كان الدين مرتبطاً بالفضائل والكمالات النفسية، والعلاقة بالله تعالى، والسعي نحوه، فإن عدم الالتزام بالتعاليم والوصايا التي يأمر بها الدين الإلهي، تستلزم الحرمان من الكمال والانحدار نحو الرذيلة والفساد، وهما مضادان للغاية التي خلق الإنسان لأجلها، كانت الغفلة واردة مورد الذمّ والتشنيع في مختلف الآيات القرآنية المباركة، والأحاديث النبوية الشريفة. بل، لقد عبّر القرآن الكريم عمّن اتصفوا بهذه الصفة الشائنة، بقوله تعالى: ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (الفرقان:44). وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "كفى بالغفلة ضلالاً"(1) ، وعنه عليه السلام: "كفى بالمرء غفلةً أن يضيّع عمره في ما لا ينجيه"(2) ، وعنه عليه السلام: "كفى بالمرء غفلةً أن يصرف همّه في ما لا يعنيه"(3).

* درجات الغفلة:
وما دامت الغفلة متقابلة مع الالتفات والتوجه والتذكّر، وما دام مقابلها عبارة عن تحصيل الكمال والارتباط به تعالى، - ومن المعلوم أن الكمالات الإنسانية متفاوتة في درجاتها ومستوياتها - فإنّ مِن الطبيعي أنْ تكون الغفلة متفاوتة في درجاتها تبعاً لتفاوت ما يقابلها، من حيث أثره في شخصية الفرد الذي يستتبع أثراً على الحياة الإنسانية بشكل عام، الأمر الذي يستلزم حركة وفعلاً في مسيرة التكامل الإنساني. ولمّا كان الفعل أمراً وجودياً يحتاج إلى إيجاد وتحقيق، فلا بد أنّ يكون مقترناً بالنيّة والإرادة والعزم، التي تشكّل الأساس الأوّل في أيّ فعل وإيجاد، وهذا ما يفسّر الحديث الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "نية المؤمن خير من عمله، ونية الكافر شر من عمله". لِمَا في ذلك من اقتضاء لتحقيق إنسانية الإنسان في الأعمال الصالحة، وانحدارٍ بها إلى مستوى الحيوانية في ما يقابلها، قال تعالى: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ (الإسراء: 84). فبقدر ما يكون للغفلة من أثر سلبيّ على الإنسان في بعده الفردي أو الاجتماعي، يكون مندرجاً في مستوى من مستويات الغفلة.

أ - وعليه، فدرجات الغفلة متكثّرة بتكثُّر الانحرافات في السلوك الإنساني المقترن بنيّة الفعل وعدمها، رغم أنّ الكثير من الأعمال والسلوكيات ربما تساوى بعضها من حيث التأثير السلبي على رحلة الكمال التي ترجوها الطبيعة الإنسانية. لكنها منحصرة بين الدرجة القصوى التي تؤدي بالمرء إلى العمى المطلق، الذي لا يرجى معه تصحيح المسار والعودة إلى الصواب. وهؤلاء يصلون إلى مرحلة يكون ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (الأعراف: 179).

ب - وهناك الدرجة الدنيا من الغفلة، وهي التي تستتبع التذكر والرجوع إلى جادة الحق، من دون أن تؤثّر في السلوك التكاملي، والتي عبّر عنها بقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ (الأعراف: 201).

* جزاء الأعمال:
غني عن البيان أن الجزاء يجب أن يكون متناسباً مع الذنب، كما أن الأجر متناسب مع الطاعة، والإسلام قد أقرّ ذلك من حيث المبدأ، ولكنه أضاف إلى ذلك مضاعفة الأجر على الطاعة، بفضل الله تعالى ولطفه وكرمه، قال تعالى: ﴿مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (الأنعام: 160.). ومن رحمته ولطفه تعالى أنه ترك باب الإصلاح مفتوحاً لجميع الناس، حتى الغافلين منهم، حيث جعل الحسنة بعشر أمثالها بخلاف السيئة، فينتج من ذلك ان السيئة تزول عملياً في حساب الأعمال، وهو قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (هود:114). والجزاء ليس منحصراً بحياة ما بعد الموت، بل يشمل الحياة الدنيا أيضاً، لما في ذلك من تذكير وإرجاع إلى جادّة الحق من جهة، ومن حثٍّ على فعل الخير والكمال. ولذلك، نجد الكثير من الآيات القرآنية الشريفة قد ربطت بين السعادة والطاعة، وبين الشقاوة والمعصية، قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ (الأعراف: 96). وقال تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (الروم: 41). وما دام الفساد، والبلاء، وسوء التوفيق في الدنيا مرتبطاً بالذنوب، والذنوب ناتجة عن الغفلة، فالغفلة عن ذكر الله تعالى وعدم الالتزام هي الأساس لكل انحراف في هذا الكون، بما في ذلك الكوارث الطبيعية، وقد أخبر تعالى عن الكثير من العقوبات الكونية التي حصلت مع الأمم السابقة، وبعض البلاء اذا نزل عمّ، وإليه يشير قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً (الأنفال: 25).

* مصير الغافلين:
يظهر مما تقدم أنّ بعض درجات الغفلة لا يمكن ذهابها وزوالها، بل لا يوفّق الغافل إلى التراجع عن غفلته، رغم ظهور الآيات والبيّنات أمام ناظريه، إلا أنه لا تبقى لديه قابلية التفاعل مع النور والهدى، فيكون مصداقاً لقوله تعالى: ﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ (المطففين: 13-14). وهؤلاء الذين لم يقدّروا رحمة الله تعالى ولطفه بهم، فحسبوا أنّ تركه تعالى لهم يكشف عن عجزه تعالى، أو عدم التفاته، أو ربما عدم وجوده أصلاً، نعوذ بالله من ذلك، فأفاضوا في الباطل والمنكر وظلم الآخرين وأذيّتهم والاعتداء على حرماتهم، وهم المقصودون بقوله تعالى: ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِين (آل عمران: 178). ومِثْلُ هؤلاء يشكلون بلاءُ وامتحاناً وعلو درجات للذين آمنوا، وتحريضاً لهم على الإصلاح والمجاهدة، ولكنهم لا يلتفتون إلى ذلك، بل يتوهّمون أنّ في ذلك كرامة لهم هم، أي الغافلون، مع انه تعالى يمدهم في طغيانهم يعمهون.


(1) عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص385.
(2) م.ن، ص386.
(3) ميزان الحكمة، ج7، ص267.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع