نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الآداب المعنوية للصلاة :المقدمات: الطهارة المائية


الإمام الخميني قدس سره


يعد الماء وسيلة أساسية للطهارة التي هي شرط للصلاة. ولا صلاة بدون طهور. ولا شك في أن في تشريع الطهارة بالماء أسراراً، وللوصول إلى هذه الأسرار لا بد من رعاية الآداب المتعلقة به. ولعل أجمل ما ورد في هذه الأسرار ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام في مصباح الشريعة حيث يقول: "إذا أردت الطهارة والوضوء فتقدم إلى الماء تقدمك إلى رحمة الله، فإن الله قد جعل الماء مفتاح قربته ودليلاً على بساط خدمته..".

وفي هذا الحديث لطائف ودقائق وإشارات وحقائق تحيي قلوب أهل المعرفة وتعطي الأرواح الصافية حياة جديدة.
ففي هذا الحديث شبّه الماء بل أوّله إلى رحمة الحق. أي أن الماء هو أحد المظاهر العظيمة لرحمة الحق التي وسعت عالم الطبيعة. وقد جعله سبباً لحياة الموجودات.
وأهل المعرفة يعبّرون بالماء عن الرحمة الإلهية الواسعة التي نزلت من سماء رفيع الدرجات للأسماء التي نزلت من سماء رفيع الدرجات للأسماء والصفات فأحيا بها أراضي التعينات والأعيان، وبما أن تجلي الرحمة الإلهية الواسعة في الماء الظاهري أكثر من سائر الموجودات الدنيوية جعله الله لتطهير القذارات الصورية، بل ماء الرحمة للحق تعالى إذا نزل وظهر في كل نشأة من نشآت الوجود وفي كل مشهد من مشاهد الغيب والشهود يطهر ذنوب عباد الله وفقاً لتلك النشأة وبما يناسب ذلك العالم.

فإذا أراد العبد أن يتقدم إلى الماء للطهارة فعليه أن يبحث عن آثار رحمة الله التي تطهر جميع العوالم مما سواه. وهذه الرحمة التي جُعلت في الوضوء والطهارة المائية تكون سبباً للخروج من كل أرجاس الشرك ودنسه.

يقول الإمام الصادق(عليه السلام: "وكما أن رحمة الله تطهَّر ذنوب العباد كذلك النجاسات الظاهرة يطهرها الماء لا غير".
وفي البداية على المصلي أن يستعمل الماء للطهارة من الذنوب والمعاصي التي هي حالة الجفاء والبعد. ثم ينتقل إلى مراتب الطهور المختلفة.
فأول مراتب الطهور هي الطهارة من القذارات الصورية الظاهرية. والماء المستعمل هنا هو الماء النازل من سماء الملكوت.
والمرتبة الثانية ـ صعوداً من أسفل ـ هي تطهير ذنوب العباد بالماء النازل من سماء الغفارية. ويرتفع في مراتب الطهارة درجة فيصل إلى تطهير القذارات الخُلقية الباطنية بالماء النازل من سماء حضرة الحكم العدل.

فإذا وصل إلى مرتبة الطهارة الباطنية يصبح مستعداً لتجلي التوحيد الفعلي والتوحيد الصفاتي ورؤية حقيقة أن لا مؤثر في الوجود إلا الله تعالى ولا قدرة ولا حياة إلا له وبه سبحانه وذلك بالماء النازل من حضرات الأسماء والصفات.
وبعدها يعبر بالماء النازل من حضرة الذات إلى تطهير ذنوب سر الوجود ويفني وجوده مقابل وجود الله حيث لا موجود إلا هو سبحانه وكل موجود فهو به.
واعلم أن الوصول إلى هذه المراتب من الطهارة التي هي مقصد أهل الله والسالكين إنما يتيسر من خلال الطهارة المائية الظاهرية ورعاية آدابها. ولذلك قال الإمام الصادق عليه السلام: "تفكر في صفاء الماء ورقته وطهره وبركته ولطيف امتزاجه بكل شيء واستعمله في تطهير الأعضاء التي أمرك الله بتطهيرها وائت بآدابها في فرائضه وسننه فإن تحت كل واحدة منها فوائد كثيرة لا تحصى فإذا استعملتها بالحرمة انفجرت لك عيون فوائده عن قريب".
فأشار عليه السلام إلى أن على أهل المراقبة والسلوك إلى الله أن لا يتوقفوا عند صور الأشياء وظواهرها بل لا بد أن يجعلوا الظاهر مرآة للباطن، ويستكشفوا من الصور الحقائق ولا يقنعوا بالتطهير الصوري فإنها فخ إبليس.

وعليهم أن ينتقلوا من صفاء الماء إلى تصفية الأعضاء ويصفونها بأداء الفرائض والسنن الإلهية ويخرجونها من غلظة التعصي. وقوله عليه السلام: فإذا استعملتها بالحرمة وهي الحد، إشارة إن هذه الآداب والسنن والفرائض كلها ينبغي أن تؤخذ من مدينة الحدود والحرمات وهي مدينة الشريعة الإلهية.
ثم انتقل عليه السلام إلى ذكر فوائد أخرى للطهارة المائية ولسر الماء وحقيقته التي ينبغي أن تسري في حياة الإنسان الاجتماعية فقال عليه السلام: "ثم عاشر خلق الله كامتزاج الماء بالأشياء يؤدي كل شيء حقه ولا يتغير عن معناه معتبراً بقول رسول الله صلى الله عليه وآله: "مثل المؤمن المخلص "الخالص" كمثل الماء".

وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: "كن في الناس ولا تكن معهم". فالمؤمن يدخل في صلب الحياة الاجتماعية ويعاشر الناس كافة دون أن يتأثر بأخلاقهم وطباعهم بل يبقى محافظاً على أصالته.
ويقول الإمام الخميني قدس سره: ويستفاد من هذا الحديث ضمناً حقيقة الخلوة وهي أن السالك إلى الله في نفس الحال الذي يعاشر كل طائفة من الناس بالمعروف ويرد الحقوق الخلقية ويراود كل أحد ويعامله بطور يناسب حاله فهو في الوقت نفسه لا يتجاوز الحقوق الإلهية ولا يترك المعنى في نفسه وهو العيادة والعبودية والتوجه إلى الحق.
ثم ذكر عليه السلام الحكم الثالث للماء والطهارة المائية وهو كيفية تعامل السالك مع الحق تعالى فقال: "ولتكن صفوتك مع الله في جميع طاعتك كصفوة الماء حين أنزله الله من السماء وسماه طهوراً".

يقول الإمام الخميني قدس سره: يعني يلزم للسالك إلى الله أن يكون خالصاً من تصرف الطبيعة ولا يكون لكدورتها وظلمتها طريق إلى قلبه وتكون جميع عباداته خالية من الشرك الظاهري والباطني.
وبعد هذا يبين الإمام الصادق عليه السلام الحكم الأخير وهو وظيفة جامعة لأهل الرياضة والسلوك فيقول: "وطهر قلبك بالتقوى واليقين عند تطهير جوارحك بالماء".
يقول الإمام الخميني قدس سره:
وفي هذا إشارة إلى مقامين شامخين لأهل المعرفة.
الأول: التقوى وكماله ترك غير الحق.
والثاني: اليقين وكماله مشاهدة حضور المحبوب.
على السالك أن تكون صفوته مع الله في جميع طاعته كصفوة الماء حين أنزله الله من السماء وسماه طهوراً.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع