نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الثقافة الأصلية والثقافة المستوردة

السيد علي حجازي‏


لقد أخذت مفردة الثقافة حيزاً من التعريفات المختلفة تارة بمعنى تطور ملكات العقل وأخرى جُعِلت مرادفة لكلمة حضارة. وثالثة بمعنى حالة عقل مثقف بالتعلم وغيرها. ولكن الثقافة المتداولة والتي يراد تداولها هي مجموعة القضايا التي تعكس الحياة الاجتماعية لكل أمة أو شعب وعليه فيكون كل فرد من أفراد المجتمع له ثقافته الخاصة ضمن اهتمامه بالحياة الاجتماعية العامة، كالشاعر والطبيب والمهندس وغيرهم.

ويكون هناك حالة عامة حاكمة على الجميع تحدد حياتهم جميعاً. ولهذا يدخل ضمن إطار الثقافة، العادات والتقاليد والأخلاق والعمران وأنواع الطعام والمعاشرة وغيرها ولهذا تتنوع الثقافات وتختلف باختلاف المجتمعات وبيئتها حتى داخل الدين الواحد.

* تاريخ الثقافة الإسلامية:
لقد نشأت الثقافة الإسلامية مع بعثة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في مكة حيث بدأ يتشكل النسيج العقائدي للدين الجديد معلناً ولادة حالة جديدة للمجتمع العربي من القيم والأخلاق والتشريعات. وأخذت هذه الثقافة تتوسع على حسب مقتضيات الحياة للإنسان المسلم فكانت في البداية ثقافة نص ووحي. ولم يكن الصحابة والتابعين(1) يتمسكون بغير الوحي لإثبات قضاياهم، وبعد عصر الفتوحات تلاقى الإسلام مع حضارات أخرى كالفارسية والرومانية وغيرها ولغلبة الإسلام عسكرياً وسياسياً فقد طغت الثقافة الإسلامية الموحاة على باقي الثقافات، وإن حصل بعض التأثر بتلك الحضارات. إلى أن وصل الدور لعصر الترجمات وانتشار الجدل العقيدي سواء بين المسلمين أو بينهم وبين غيرهم كما كان يحصل مثلاً بين علماء اليهود والنصارى وعلماء الإسلام أو بين الزنادقة وعلماء الإسلام. فتغير الخطاب الإسلامي من خطاب الوحي إلى خطاب إنساني قائم على أساس التحليل العقلي.

ولكن هذا الخطاب استُغِلّ‏َ لأجل الدين وإثبات قضاياه. ومع انفتاح الإنسان العربي والمسلم على الحضارات الأخرى أخذ يتأثر بأخلاقها واجتماعياتها وعمرانها واقتصادها وقوانينها، ولكن كل ذلك لم يجعل من الثقافة الإسلامية سواء على مستوى المنهج أو القضايا ثقافة تابعة ومستهلكة لغيرها، بل يحدثنا التاريخ عن بروز الثقافة الإسلامية كمصدر من مصادر المعرفة الإنسانية حتى في البلدان التي لم يدخلها الإسلام، وهذا ما دعى الكنيسة في أوروبا وزعماء الفكر الاستعماري، أن يفكروا جيداً بدراسة فحوى هذه الثقافة وإقصائها عن الواقع الإسلامي كي يتسنى لهم الهيمنة، وهكذا نشأ الاستشراق الذي كان الخطوة الأول التي فتحت الطريق لإسقاط المجتمع الإسلامي والسيطرة عليه.

*الثقافة والدين:
حيث أن الثقافة ليست مجرد مفاهيم نظرية يعتقد بها الإنسان بل هي سلوك اجتماعي تارة، وفردي أخرى، أو أخلاقي أو اقتصادي أو سياسي، فإنها تشكل الجانب التطبيقي للدين على كل المستويات، ولا يكون الدين كاملاً إلا باستيعابه لكل مجالات الحياة، ولذا فإذا خرج أي سلوك من تحت الدائرة الدينية فيخرج من ثقافته، ومن هنا نعي مستوى العلاقة الترابطية بين الدين والثقافة، ولهذا كانت هناك مساعي لتأسيس جو سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي مخالف للإسلام من خلال إشاعة أجواء سلبية أمام الحاكمية الجائرة لخلفاء الإسلام، وغياب النظام الاقتصادي، مما حدى بالعديد من المسلمين أن يأخذوا تحت ظل الظلم والاضطهاد بهذه الأفكار وأن يعملوا على تأسيس ثقافة تتلاءم مع الأفكار المستوردة الجذَّابة والساحرة في خطابها. وهكذا بدأت تتشكل ثقافة جديدة تقصي الدين عن مجال الممارسة العامة والحياة العامة الاجتماعية ليصبح الدين في كثير من المواطن دين المسجد وبعض الطقوس الخاصة جداً كما هو حاصل فعلاً في تركيا.

وينقل عن بعض السياسيين الأمريكيين أنه كان يقول: إذا أصبح أي مجتمع يأكل الهمبرغر فنكون قد أرسينا قاعدة لوجودنا، طبعاً لأن الأكل بهذا الشكل يشكل ثقافة معينة يستطيع الاستعمار من خلالها أن يرتقي درجة درجة إلى أن يصل إلى مبتغاه.


* الثقافة الإسلامية في عصر النهضة:
إن ما يميز القرنين الماضيين عن غيرهما. هو التغيير المنهجي في أساليب التحليل المعرفي لقضايا الدين والحياة. إذ أدى انفتاح المسلمين على أوروبا والبعثات العلمية الأوروبية في بلاد الشرق وظهور حالة الهجرة نحو الغرب إلى الاستفادة من التطور العلمي الحاصل، حيث عاد مجموعة من العلماء يحملون ثقافة كاملة عن الغرب وأوروبا، وأرادوا أن ينشروا هذه الثقافة بغية الاستفادة منها نحو الأفضل، وكانوا يرون أن لا حل لمشاكل عالمنا إلا بالسير خلف هذه الثقافة، بل ادَّعى طه حسين أكثر من ذلك، إذ قسم العالم إلى ثقافتين ثقافة الغرب وثقافة الشرق، واعتبر أن العالم الإسلامي جزء من الغرب على أساس أن ثقافة الشرق الأوسط ثقافة غربية ناشئة إما من الحضارة الرومانية أو أوروبا حسب التغير الزمني، ودخلت الثقافة الغربية إلى بلادنا تحت عنوان التجديد والتحديث، وكان لها اتباع كثر إما لجهلهم بالإسلام ومفاهيمه ونظرياته كما هو الأغلب، وإما لكون البعض منهم يسير بخطة مرسومة دقيقة كمصطفى كمال أتاتورك. وهكذا أصبحت الثقافة في عالمنا الإسلامي، أو قسم منها بيد هذا الجيل البعيد منهجياً عن منهج الإسلام وهديه، فأصبحت بذلك الثقافة تهتدي بمرجعيات لها ظروفها التاريخية والبيئية والثقافية الخاصة، وأصبحت بذلك ملتبسة تخضع لإغواء فكري من الآخر وانفلات ورفض للماضي (الأنا) وبذلك جُرِّدت من ظروفها وبيئتها الخاصة وهذا بنفسه أدّى إلى تمزق النسيج الداخلي للمجتمع الذي أساسه الثقافة الخاصة.

وإذا ألقينا نظرة على مجموعة الأفكار المستوردة من رفاعة الطهطاوي إلى سلامة موسى وفرح انطون إلى طه حسين وغيرهم، لوجدنا أن هناك ثقافتين: الثقافة العامة المتمثلة بالجو الإسلامي العام، وثقافة النخبة المتمثلة بأفكار غربية يعيشها بعض من تأثر وأعجب بالغرب محاولاً إسقاطها على واقع المجتمع الإسلامي وتراثه الفكري والتاريخي. وساعد على انتشار هذه الثقافة وجود وسائل الإعلام العديدة التي روجت لهذه الأفكار والثقافات، لتجعل منها ثقافة استهلاكية واسعة، عبر استخدام كل وسائل الاتصال الحديثة.

وبهذا استطاعت أن تجعل من الفكر النخبوي كما يعبر عنه ثقافة عامة، وهنا يكمن سر خطورة هذه الأفكار، لأن من مزايا الفكر الغربي المستورد التركيز على الإباحية والفردية والشهوة والمادية والثروة والرفاهية واستبعاد القيم الاجتماعية والروحية.


* تحول الثقافة المستوردة إلى ثقافة عامة:
كل هذه الأمور لو بقيت على مستوى معين من شرائح المجتمع لكان الأمر سهلاً، إما أن تصبح ثقافة عامة، يمارسها المجتمع عن رغبة وقناعة فهو انحراف عن جادة الإسلام الحقيقي، وهكذا أصبحت هذه الثقافة تروج للعلمانية والليبرالية وللعولمة طمعاً في جعل أمتنا في مصاف الأمم المتقدمة على حد زعم روادها، مستفيدين بذلك من انحسار ثقافتنا في بعض الحالات في جو من الأسطورة اللاواعية، متناسين تماماً قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ومتجاهلين الاختلاف الجوهري ما بين حالنا وحال الغرب، إن من حيث النص الديني الذي لم يكن يستطيع أن يستوعب قضايا الإنسان الغربي وطموحه، والتركيبة الخاصة للإنسان الغربي التي تكونت من خلال تاريخ أليم عاشه تحت ظل الضغط الكنسي باسم الدين والحق الإلهي، وهذا ما لم تعرفه شعوبنا ولا نَصُّنا الديني الذي ما زال ينتظر من يحمله ويقرأه لتفسير كل الظواهر الإنسانية وفق الوحي الصحيح الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وهكذا وتحت ظل الدعاية الغربية، والانبهار الأعمى بالحضارة الغربية أصبح المثقف المعاصر في جانب وقضايا أمته في جانب آخر، فبدلاً من أن يمارس المثقف مهمته الثقافية لتصحيح قضايا الأمة وحل مشاكلها وحمل همومها أصبح المثقف حربة حادة في وجه الأمة وقضاياها، وبات لا يعبأ بمصلحة الأمة ووحدتها وأمنها الاجتماعي والاقتصادي، وتراه يصب جام عقده على حالات الجهل والفقر في المجتمع، والسبب كل السبب في شخص هذا المثقف الذي لم يسعَ لرفع الجهل عن أمته أو للتفكير بحلول للوضع الاقتصادي المتدهور، بسبب ظلم الحكام الذين ينالون من المثقف المدح والثناء في كثير من الأحيان تبعاً للمصلحة الشخصية.

هذا هو واقع الثقافة المستوردة من خارج عالمنا الإسلامي ومنهجنا الإسلامي.


(1) المقصود بالوحي الكتاب والسنَّة.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع