نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

هادي الأمّة

مقابلة مع سماحة الشيخ محمّد جواد الطبسيّ

حوار: محمّد حسين مزيدي


لم يكن من السهل الاطّلاع على سِيَر أهل البيت عليهم السلام والمظلوميّة التي تعرّضوا لها، لولا الجهود المباركة والشاقّة التي بذلها المحقّقون، والمؤرّخون، والعلماء في هذا المجال.
وللوقوف قليلاً عند هذا الموضوع، أجرت مجلّة "بقيّة الله" مقابلة مع سماحة الشيخ محمّد جواد الطبسيّ، الباحث والمحقّق في السيرة، وصاحب كتاب "حياة الإمام الهادي عليه السلام - دراسة وتحليل".


•لا شكّ في أنّ لكلّ إمام وظيفة خاصّة وَفقاً للظروف السائدة أثناء فترة إمامته، فما كانت وظيفة الإمام الهادي عليه السلام؟
لقد كان لكلّ معصوم من المعصومين عليهم السلام وظيفة خاصّة في حياته الطيّبة؛ ضمن الوظيفة العامّة للأئمّة كلّهم عليهم السلام؛ هي حفظ الدين، إمّا بسلّ السيف في وجه الأعداء، وإمّا بالسكوت تمهيداً للإمام الذي بعده، وإمّا بالجهاد العلميّ أيضاً، وتربية الجيل المتعطّش.

وبالنسبة إلى مرحلة الإمامين الهادي والعسكريّ عليهما السلام، فقد كانت من أشقّ المراحل وأصعبها؛ لأنّ الإمام الهادي عليه السلام سيق من المدينة حيث وُلد، وحيث الناس يعرفونه، فانتُزع من بين أظهرهم، وتمّ سوقه تحت الضغط الشديد إلى سامرّاء حيث لا يهتدي إليه أحد، وهناك كان الحكّام العبّاسيّون يتصرّفون كيفما شاؤوا، دون أن يستطيع أحد الدفاع عنه عليه السلام؛ إذ الإمام عليه السلام بين أيديهم؛ إمّا يسجنونه، وإمّا يضغطون عليه ضغطاً شديداً، وإمّا يمنعون الناس من التواصل معه، وهم ليسوا من أهل سامرّاء، بل كانوا يأتون من أماكن بعيدة.

وكان الإمام الهادي عليه السلام في سامرّاء يحفظ الإمامة والإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف وإنْ لم يولد بعد، ويعمل على تهيئة الناس لظهور الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف، وقد ظهر ذلك بوضوح في كلماته عليه السلام ضمن لقاءاته ورسائله إلى بعض أصحابه وشيعته ومواليه، ليدفع بعض الشبهات عنه. فعن الصقر بن أبي دلف قال: سمعت عليّ بن محمّد بن عليّ الرضا عليه السلام يقول: "إنّ الإمام بعدي الحسن ابني، وبعد الحسن ابنه القائم الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً"(1).

•ذكرتم أنّ عصر الإمام الهادي عليه السلام من أصعب الفترات التاريخيّة، فما هي تحدّيات الباحث والمحقّق في حياة الإمام عليه السلام وسيرته؟
إنّ دراسة حياة الإمام الهادي عليه السلام والكتابة عنها هي مسألة صعبة جدّاً؛ لأنّك تتحدّث عن شخصيّة كانت تعيش قبل أكثر من 1200 عام. فهل تكتفي بالروايات الموجودة؟ لا، بل يجب أن تكتب عن الإمام الهادي عليه السلام كما كان يعيش في ذلك الزمان من خلال:

أوّلاً: تناول مختلف جوانب حياته: أين تقع بلدة سامرّاء؟ كم تبعد عن بغداد مثلاً، أو عن العتبات المقدّسة؟ أين كان سَكَنُ الإمام الهادي عليه السلام؟ لمن كان بيته؟ أين كان يقع السجن المعروف الذي سُجن فيه الإمام عليه السلام؟ ما هي فئات الناس المختلفة التي حضرت لزيارة الإمام عليه السلام؟ ومن أيّ البلدان جاءت؟ وغيرها الكثير من الجوانب.

إنّ الإحاطة بجوانب حياة الإمام عليه السلام كاملةً غير ممكنة؛ بسبب طمس كثير من المعالم المرتبطة به، مثل السجن الذي سُجن فيه الإمام عليه السلام، وضياع كثير من الكتب، فمكتبة الشيخ الطوسيّ، قيل إنّها كانت تحوي ثمانين ألف مجلّد (خطيّ)، ولكنّها احترقت. تصوّر أنّ حياة الإمام عليه السلام كانت في هذه الكتب!

ثانياً: العودة إلى المصادر: إنّ البحث في حياة الإمام الهادي عليه السلام، يقتضي الرجوع إلى المصادر الموجودة حاليّاً؛ إذ المصادر التي كانت موجودة في حياة الإمام عليه السلام وبعده ليست بين أيدينا، ونحن لا ندري هل أُضيف إلى المصادر المتوافرة شيء أو حُذف منها شيء؛ وهذا ما يسبّب مشكلة لكلّ من يريد أن يبحث في حياته عليه السلام. ولقد كان السيّد جعفر مرتضى رحمه الله، عندما كنّا نحضر درسه، يؤكّد لنا كثيراً أنّ "أفضل تاريخ يُكتب في عصرنا عن أيّ إمام هو بالرجوع إلى الروايات الموجودة". فعلى كلّ محقّق أن يبذل أقصى جهده في بيان العناوين الموجودة بحسب الروايات المتوافرة. وهذا يشمل الأئمّة جميعاً عليهم السلام، والإمامين الهادي والعسكريّ عليهما السلام بشكل خاصّ؛ لأنّ مرحلتهما كانت من أشدّ المراحل حسّاسيّةً وخصوصيّة.

•ما هي أهمّ التحدّيات التي واجهها الإمام الهادي عليه السلام؟
كثيرة هي التحدّيات في عصره عليه السلام، الذي ابتلي بأنواع الفتن والانحرافات المختلفة، والتي كانت قاصمة للظهر، كفتنة الوقف على الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، أو فتنة (الجدال في خلق القرآن)، التي كانت فتنة سياسيّة وقد قُتل بسببها خلقٌ كثير، أو فتنة التصوّف، أو فتنة الغلوّ والمغالين، حيث يظهر من بعض الكتب المرسلة إلى الإمام الهادي عليه السلام أنّه قد علا أمر الغلوّ والمغالين في عصره.

فقد عمل المغالون على دسّ الأفكار الباطلة، ونسبوا إلى الأئمّة عليهم السلام الأحاديث كذباً وبهتاناً، ولعبوا بأحكام الله، بحجّة حبّهم لأهل البيت عليهم السلام. ويظهر أيضاً أنّهم ادّعوا لأنفسهم النبوّة، وادّعوا للأئمّة عليهم السلام الألوهيّة، وخاصّة للإمام الهادي عليه السلام، وقالوا بالتناسخ وبإباحة المحارم وغير ذلك. فلم يكن بإمكان الإمام الهادي عليه السلام أن يسكت، فوقف بأشدّ ما يكون ضدّ الغلوّ والمغالين، ومنهم: عليّ بن الحسكة القمّي، والقاسم اليقطيني، وهو من رؤساء الغلاة، وقد ادّعى النبوّة لنفسه، والألوهيّة للإمام العسكريّ عليه السلام فيما بعد.

•هل يمكن ذكر نماذج من مواقفه عليه السلام التي واجه بها فتنة الغلاة؟
يظهر موقف الإمام عليه السلام في مجابهة الغلوّ من خلال بعض الكتب المرسَلة إليه، وجوابه عليه السلام عنها، منها:

أ- "ليس هذا ديننا فاعتزله": ثمّة كتاب كتبه أحمد بن عيسى: كتبت إليه في قوم يتكلّمون ويقرؤون أحاديث ينسبونها إليك وإلى آبائك، فيها ما تشمئزّ منها القلوب، ولا يجوز لنا ردّها إذ كانوا يروون عن آبائك عليهم السلام، ولا قَبولها لما فيها... ومن أقاويلهم أنّهم يقولون: إنّ قول الله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾ (العنكبوت: 45)، معناها رجل، لا سجود ولا ركوع... تأوّلوها وصيّروها إلى هذا الحدّ الذي ذكرت لك. فإن رأيت أن تبيّن لنا، وأن تمنّ على مواليك بما فيه سلامتهم ونجاتهم من الأقاويل التي تصيّرهم إلى المعطب والهلاك...، فكتب عليه السلام: "ليس هذا ديننا، فاعتزله"(2).

ب- "كذّبوه، وهتّكوه...": ومن الفتن المهمّة أيضاً، فتنة الفارس بن حاتم القزوينيّ، المنحرف المبتدع والكذّاب الضالّ، وقد حذّر الإمام عليه السلام الشيعة من الأخذ بأقواله وأفكاره وآرائه المنحرفة في جواب رسالة إبراهيم بن داود اليعقوبيّ: "لا تحفلنّ به، وإن أتاك فاستخفّ به"(3)، وأيضاً في جواب رسالة عروة: "كذّبوه، وهتّكوه، أبعده الله وأخزاه، فهو كاذب في جميع ما يدّعي ويصف"(4)، وغيرها من الرسائل التي كان الإمام عليه السلام يؤكّد ويصرّح فيها بأن لا يلتفتوا إلى مثل هؤلاء.

ج- "ما دعا محمّدٌ إلّا إلى الله وحده": في جواب رسالة بعض أصحابه الذي سأله عن عليّ بن حسكة قال: "جعلت فداك يا سيّدي، إنّ عليّ بن حسكة يدّعي أنّه من أوليائك، وأنّك أنت الأوّل القديم (أي الله تعالى عن ذلك)، وأنّه بابك ونبيّك، أمرته أن يدعو إلى ذلك، ويزعم أنّ الصلاة والزكاة والحجّ والصوم كلّ ذلك بمعرفتك، ومعرفة من كان في مثل حال ابن حسكة فيما يدّعي من النيابة والنبوّة... ومال الناس إليه كثيراً" فكتب عليه السلام: "كذب ابن حسكة عليه لعنة الله، (... ...) فوالله ما بعث الله محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم ولا نبيّاً قبله إلّا بالحنيفيّة والصلاة والزكاة والحجّ والصيام والولاية، وما دعا محمّد صلى الله عليه وآله وسلم إلّا إلى الله وحده لا شريك له، وكذلك نحن الأوصياء لا نشرك به شيئاً. إن أطعناه رحمنا، وإن عصيناه عذّبنا، ما لنا على الله من حجّة، بل الحجّة لله عزّ وجلّ علينا وعلى جميع خلقه، أبرأ إلى الله ممّن يقول ذلك، وأنتفي إلى الله من هذا القول، فاهجروهم، لعنهم الله"(5).

•كيف كانت علاقة الإمام الهادي عليه السلام بشيعته في ظلّ تشدُّد السلطة والتضييق عليهم؟
كما هو ثابت تاريخيّاً، أنّ أعدى عدوٍّ لآل البيت عليهم السلام، وللإمام الهادي عليه السلام بشكل خاصّ، هو المتوكّل العباسيّ. فعندما رأى الإمام عليه السلام هذا الحقد الدفين عليه وعلى شيعته، اتّبع عليه السلام أساليب عدّة للحفاظ على شيعته، منها:

أ- توجيههم نحو الأماكن الآمنة: حثّ عليه السلام شيعته على أن يخرجوا من بعض المناطق التي كانوا يعيشون فيها إلى مناطق أخرى حفاظاً على أنفسهم، بقوله عليه السلام مثلاً: مَن زار الإمام عليّ بن موسى بطوس...، وكأنّه عليه السلام يقول لأحد شيعته: اُخرج إلى هذا المكان حفاظاً على نفسك.

ب- منع بعض شيعته من التواصل معه عليه السلام: عن محمّد بن شرف قال: كنت مع أبي الحسن عليه السلام أمشي في المدينة، فقال لي: "ألست ابن شرف؟"، قلت: بلى، فأردت أن أسأله عن مسألة، فابتدأني من غير أن أسأله، فقال: "نحن على قارعة الطريق، وليس هذا موضع مسألة"(6). وعن محمّد بن داود القمّي ومحمّد الطلحي قالا: حملنا مالاً من خُمس ونذر وهدايا وجواهر اجتمعت في قم وبلادها، وخرجنا نريد بها سيّدنا أبا الحسن الهادي عليه السلام، فجاءنا رسوله في الطريق: "ارجعوا، فليس هذا وقت الوصول، فرجعنا إلى قم"(7).

ج- استخدامه عليه السلام لغات خاصّة: استخدم الإمام الهادي عليه السلام في بعض لقاءاته كلمات غير عربيّة، قاصداً بذلك حفظ الوافد عليه من السلطة الغاصبة. ومن جملة ما تكلّم به السقلابيّة(8) والفارسيّة وغير ذلك. فعن عليّ بن مهزيار قال: أرسلت إلى أبي الحسن غلامي وكان سقلابيّاً، فرجع الغلام إليّ متعجّباً. فقلت: ما لك يا بني؟ قال: كيف لا أتعجّب؟ ما زال يكلّمني بالسقلابيّة كأنّه واحد منّا... قال ابن شهر آشوب: وإنّما أراد بهذا الكتمان عن القوم(9).

لقد كان الإمام الهادي عليه السلام حريصاً أشدّ الحرص على حفظ الشيعة من سخط السلطان وغضبه. وقد تحدّى الإمام عليه السلام جميع أشكال التضييق في سبيل ذلك.

فسلام عليه يوم وُلد، ويوم استشهد، ويوم يُبعث حيّاً.


1.كمال الدين وتمام النعمة، الصدوق، ص383.
2.معجم رجال الحديث، السيّد الخوئي، ج12، ص342.
3.أعيان الشيعة، السيّد محسن الأمين، ج2، ص138.
4.معجم رجال الحديث، (م.س)، ج14، ص259.
5.اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي)، الطوسيّ، ج2، ص804.
6.بحار الأنوار، المجلسي، ج50، ص176.
7.(م.ن)، ج50، ص185.
8.السقالبة: جيل حمر الألوان، صهب الشعور، يتاخمون بلاد الخزر في أعالي جبال الروم.
9.بحار الأنوار، (م.س)، ج50، ص130.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع