صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

حياة الهادي عليه السلام في سطور


في ذكرى رحيل الكوكب العاشر من سلالة النور، أئمة الهدى وأعلام التقى الإمام الهادي عليه السلام، نستعرض بعضاً من سيرته العطرة كي نستلهم الدروس والعبر، ونستظل في ظلاله الوارفة، لأنه فرع من تلك الشجرة الطيبة شجرة النبوة، لعلنا نهتدي بنور هديه، ولا سيما أن الإمام الهادي عليه السلام هو واحدٌ من الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
 

إن المتتبع لسيرة أهل البيت عليهم السلام، والمطلع بعمق إلى مواقفهم الجهادية والسياسية، والمحيط بالظروف الموضوعية التي أحاطت بكل إمام من أئمتنا عليه السلام يجد التنوع في الأدوار والأساليب السياسية، ويجد أن هناك هدفاً واحداً كان يسعى إلى تحقيقه كل منهم،  ويعمل على إنجاحه بكل السبل الملائمة لسياسة عصره، هذا الهدف هو وحدة الرسالة الإسلامية واستمراريتها وتكاملها.
ونرى بكل وضوح تعدد أدوار الأئمة، ولكن نجد أيضاً وحدة الهدف. وقبل الخوض بسياسة الإمام الهادي عليه السلام والأسباب التي أدت إلى التعاطي السلبي والحيادي أزاء الخلفاء العباسيين الذين عايشهم لا بد من ذكر بعضٍ مما يتعلق بنسبة الشريف وخصائصه، وإثبات إمامته.

1- نسبة الشريف:

ولادته: ولد الإمام الهادي عليه السلام يوم الجمعة للنصف من ذي الحجة سنة 212هـ.
والده: الإمام أبو جعفر محمد بن علي الرضا عليه السلام الملقب بالجواد والتقي.
أمه: أم ولد يقال اسمها سمانة المغربية كانت تعرف بالسيدة وتكنى بأم الفضل.
ألقابه: "النجيب، المرتضى، الهادي، النقي، العالم، الفقيه، الأمين، المؤتمن، الطيب، المتوكل والعسكري".
وكيله: جعفر بن سهيل الصقيل.
بوابه: محمد بن عثمان العمري.
وفاته: توفي الإمام الهادي عليه السلام مسموماً يوم الاثنين لثلاث بقين من جمادى الآخرة عام 254هـ في سامراء. قيل سمه المعتمد حسداً وحقداً لما آل إليه الإمام الهادي عليه السلام من مآثر حميدة من زهد وورع وتقوى وعلم حتى بات سيد عصره وزمانه، وعانى الإمام الهادي عليه السلام من أثر الآلام والأوجاع حتى قضى نحبه وعمره الشريف آنذاك يقارب الأربعين عاماً.

2- إثبات إمامته:

وردت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليه السلام خصوصاً أحاديث كثيرة تؤكد على إمامة الإمام الهادي عليه السلام منها:
- قال ابن الصباغ: "قال صاحب الإرشاد: كان الإمام بعد أبي جعفر ابنه أبا الحسن علي بن محمد لاجتماع خصال الإمامة فيه ولتكامل فضله وعلمه وأنه لا وارث مقام أبيه سواه ولثبوت النص عليه من أبيه".

- روى الصدوق بإسناده عن عبد الواحد بن محمد العبدوس العطارة قال: "حدثنا علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري، قال: حدثنا الصقر بن أبي دلف قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الرضا عليه السلام يقول: إن الإمام بعدي ابني علي، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي،...".

- قال أمية بن علي القيسي: قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام: من الخلف بعدك؟ قال عليه السلام: ابني علي.

3- فضائله ومناقبه:
نشأ الإمام الهادي عليه السلام وترعرع في ظل أبيه الإمام الجواد عليه السلام وارث علوم أهل البيت عليه السلام وحامل معارف الرسالة والداعي إلى كلمة الهدى، مما جعله يكتسب صفات حميدة وأخلاقاً عظيمة وعلماً وحكمة يضيق المجال بالتحدث عن كلٍ منها إلا أننا سنذكر بعضاً مما أورده الإعلام عن فضائله عليه السلام.

- قال ابن الصباغ المالكي يصف الإمام الهادي عليه السلام مستشهداً بكمال الدين بن طلحة الشافعي: "وأما مناقبه فقال الشيخ كمال الدين بن طلحة: فمنها ما حل في الآذان محل جلالها باتصافها واكتناف اللآلىء اليتيمة بأصدافها وشهد لأبي الحسن علي الرابع أن نفسه موصوفة بنفائس أوصافها وأنه نازل في الدرجة النبوية في دار إشرافها وشرافات أعرافها".

- وصفه الطبرسي بقوله: "ولقبه النقي والعالم والفقيه والأمين والطيب".

- تحدث عبد الحي بن العماد الحنبلي عن صفات الإمام الهادي عليه السلام فقال: "أبو الحسن علي بن محمد بن الرضا بن الكاظم موسى بن جعفر الصادق العلوي الحسني المعروف الهادي كان فقيهاً إماماً متعبداً".

* مراحل حياته:
أ) إقامته في يثرب:

كان أبو الحسن عليه السلام مقيماً في يثرب التي هي مسقط رأسه وبلد آبائه وقد انصرف إلى إشاعة العلم وتهذيب الأخلاق وتربية الناس بالآداب الإسلامية، وقد اتخذ الجامع النبوي مدرسة له لهذا اتحف به العلماء والفقهاء والرواة فكانوا ينهلون من معين علومه العذبة، فأصبح مصدراً خصباً لأهل العلم والمعرفة. وكان يعطف على الفقراء والمعوزين فيمدهم بما يحتاجونه ولم يقتصر بره فقط على الأمور المادية بل شمل جميع مناحي حياتهم، فلقد كان يواسيهم في السرّاء والضرّاء يعود مرضاهم ويشيع جنائزهم ويعطف على الصغير والكبير فيهم فأخلصوا له كأعظم ما يكون الإخلاص، والتفت حوله قلوبهم ومشاعرهم فأقام في أعماق قلوبهم ونفوسهم.

ب) رحيل الإمام إلى سامراء:
بقي الإمام الهادي عليه السلام في المدينة مدة عشرين عاماً أحبه الناس واجتمعوا إليه والتف حوله طلاب العلم والعلماء كما تقدم. إلا أن خوف المتوكل من سيطرة الإمام ومن أن تقوى شوكته كان يخضعه للرقابة الدائمة إلى أن وشى به عبد الله بن محمد والي المدينة المنوّرة آنذاك إلى المتوكل.

ووصل نبأ الوشاية إلى الإمام فأوعز إلى المتوكل رسالة يبدي فيها تظلمه وافتراء عبد الله عليه، فما كان من المتوكل إلا أن أرسل إلى الإمام عليه السلام رسالة يدعوه فيها إلى القدوم إلى سامراء واعداً إياه بتكريمه وتعظيمه وأن يدنيه منه. وأرسل بطبه يحيى بن هرثمة مع ثلاثمائة من جنده يقول له في الرسالة: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد: فإن أمير المؤمنين، عارف بقدرك راعٍ لقرابتك، موجب لحقك، مؤثر من الأمور- فيك وفي أهل بيتك- ما يصلح الله به حالك وحالهم، ويثبت من عزك وعزهم، ويدخل الأمن عليك وعليهم، يبغي بذلك رضا ربه وأداء ما فرض عليه فيك وفيهم...".

قدم يحيـى بن هرثمة إلى المدينة امتثالاً لأمر المتوكل فداهم منزل الإمام عليه السلام ولم يجد فيه إلا مصاحف وكتب أدعية وكتب للعلم فعظم الإمام في عين يحي-ى فراح يتولى خدمته بنفسه ويحسن عشرته خصوصاً بعد أن أوصاه كلاً من إسحاق به إبراهيم الطاهري والي بغداد ووصيف التركي.

بعد وصولهم إلى سامراء أخبر يحيى المتوكل بحسن سيرة الإمام وسلامة طريقه وورعه وزهده و أخبره عما لقيه في منزله، فلم يكن من المتوكل إلا أن أحسن إليه وأعظمه وأكرمه بالرغم مما يكنه المتوكل للإمام من حقد دفين وكره عميق.

بدءاً من تلك المرحلة عاش الإمام الهادي عليه السلام أصعب أيام حياته إذ أن المتوكل جعله تحت الإقامة الجبرية محاطاً برقابة مشددة تحصي عليه أنفاسه، ذلك لم يكن بوسع الإمام مواجهة النظام الغاشم المتمثل بالمتوكل ومن تبعه من الخلفاء العباسيين لأسباب عديدة نستعرضها بعد إطلالة سريعة على عصر الإمام الهادي السياسي الذي عاشه في ظل هؤلاء الخلفاء.

* عصر الإمام الهادي عليه السلام السياسي:
عانى الإمام الزكي أبو الحسن عليه السلام علي الهادي صنوفاً من المحن والمصاعب من طغاة بني العباس فقد جهدوا في ظلمه والاعتداء عليه وكان المتوكل أكثرهم ظلماً وتشديداً واعتداءاً. لذا سوف نبدأ بعصر المتوكل.

أ) عصر المتوكل العباسي:
انطلاقاً من حقد المتوكل الدفين وكرهه الشديد للإمام الهادي عليه السلام وللإمام علي عليه السلام ولآل أبي طالب قام بخطوات سياسية كثيرة تحمل في طياتها دلالة واضحة على ذلك منها:
- فرض الإقامة الجبرية على الإمام الهادي عليه السلام في جميع نواحي حياته السياسية الاقتصادية والاجتماعية،

وخصوصاً بعد أن استقدمه إلى سامراء فقام بتشديد الرقابة عليه وبتفتيش داره مراراً وأودعه السجن عدة مرات. وكل ذلك لمحاصرة الإمام ولمعرفة ما ينوي القيام به ولإضعافه وإفشال مخططاته إذا ما كان ينوي القيام ضده بهدف المطالبة بحقه في الخلافة.

* محاصرة الإمام اقتصادياً؛
بالإضافة إلى الإقامة الجبرية التي فرضها المتوكل على الإمام وتشديد الرقابة عليه، قام المتوكل بمحاصرة الإمام اقتصادياً من خلال منع الناس أن يوصلوا إليه الحقوق الشرعية أو الهدايا وكل من يفعل ذلك يتلقى أشد العقاب من فرض ضرائب أو سجن وتعذيب، حتى أنه أيضاً منع شيعته ومحبيه من التشرف بزيارته وخدمته.

* محاولته الدائمة للاستهزاء بالإمام عليه السلام:

رغم أن المتوكل بحد ذاته كان يرجع بالمسائل الفقهية والعلمية والعقائدية المستعصية إلى الإمام، إلا أنه كان يحاول الإيقاع به كلما سنحت له الفرصة حتى أنه أمر العالم الكبير يعقوب بن إسحاق المشهور بابن السكيت بأن يعد مسائل صعبة تعجيزية يطرحها على الإمام أمام كبار العلماء والفقهاء والمتكلمين وكذلك الأمر طلب من يحيى بن أكثم أن يطرح مسائل تعجيزية على الإمام ولكن الإمام بعلمه الواسع استطاع أن يجيب عن كل ما يطرحوه. من أراد الاطلاع عليه الرجوع إلى كتب السيرة فقد أوردت جميع المسائل مع أجوبتها.

* هدم قبر الحسين عليه السلام:
من أصعب المآسي وأمرّها التي تعرض لها المسلمون أيام المتوكل هي إقدام هذا الطاغية على هدم قبر الإمام الحسين عليه السلام وإعفاء أثره. فلقد أمر عمال يهود بنبش القبر وإجراء الماء حوله ثم منع المسلمين من زيارة القبر فبث لعيون لمراقبة الزوار بهدف اعتقالهم وزجهم في السجون، ثم فرض عليهم الضرائب فلم تنجح مخططاته، فأمر بكل من يزور القبر أن تقطع أيديهم أو يصلبوا ثم أن يقتلوا. مع هذا لم يمتنع عشاق الإمام عن زيارته وقدموا الأموال والأنفس في سبيل حبه وزيارته.

* محاربته للعلويين:
لقد عمد إلى اضطهاد العلويين من آل أبي طالب بسبب كرهه الشديد لهم، وجهد في ظلمهم والتنكيل بهم فمرة يقتلهم ويزجهم في السجون ومنهم محمد بن صالح محمد بن محمد بن جعفر الحسيني، ومرة يقتلهم، والأسوأ من ذلك أنه منح الهبات والأموال الطائلة للشعراء الذين ينالون من آل البيت ويهجونهم. ومن هؤلاء الشعراء مروان بن أبي الجنوب الذي أغدق عليه المتوكل الأموال الوفيرة والذهب وكما عقد له الولاية على اليمامة والبحرين لبغضه للعلويين وهجائه لهم.
انصراف المتوكل إلى حياة البذخ والترف والليالي الحمراء: فلطالما وزع الأموال الهائلة على الراقصات والمغنيات وعلى لذاته الخاصة، وكذلك صرف أموالاً لا تقدر في بناء القصور والبرك.

* عصر المنتصر:
تسلم المنتصر زمام الحكم بعد أن قام بمؤامرة شاركه فيها كلاً من وصيف وبغا التركي، فقد اتفقوا أن يغتالوا كلاًّ من المتوكل ورئيس الوزراء الفتح بنخاقان، واتهام الفتح أنه قتل المتوكل لأنه أراد القيام بانقلاب ضد الحكم فعمد المنتصر إلى قتل الفتح لإخماد الفتنة، ونجحت المؤامرة وأصبح المنتصر خليفة.
إلا أن المنتصر يختلف عن أبيه المتوكل في أمور كثيرة منها وأهمها حبه لآل أبي طالب والإمام الهادي عليه السلام ولذلك قام بخطوات إصلاحية كثيرة منها:
- رد أرض فدك للعلويين.
- رفع الحجر عن أوقاف العلويين وردها إليهم.
- عزل والي يثرب صالح بن علي الذي كان يسيء معاملة العلويين واستعمل علي بن الحسن.
- وصل الأرحام التي قطعها أبوه وأجداده فأحسن للعلويين وبرهم بعدما عانوا أشد المعاناة من ظلم المتوكل وبطشه وسمح للمسلمين بزيارة الإمام الحسين عليه السلام.
ولكن لم تطل أيام هذا الخليفة حتى توفي مسموماً وقيل سمه المستعين وقضى عام 248هـ. وبذلك فقد الناس خيراً كثيراً فهو الذي حطم عرش أبيه القائم على أساس الظلم والجبروت.

* عصر المستعين:
تسلم الحكم بعد المنتصر وكان آلة بيد الأتراك، فلم يكن له أي نفوذ في سياسة الدولة وإدارة شؤونها ويقول الشاعر فيه:

خليفة في قفص ما

بين وصيفة وبغا

يقول ما قالا له

كما يقول الببغا

لقد كان عهده أسوأ عهد وأوهن حكم على الإطلاق، بالإضافة إلى تحكم الأتراك بالسلطة إلا أنه كان مبذراً متلافاً. فلقد وزع على الناس كل ما ادخره أسلافه في خزائنهم من مجوهرات نفيسة وذهب وأموال وآلات حرب. فما كان من الأتراك إلا أن أخرجوا المعتز من السجن وجهزوا جيشاً لاحتلال بغداد. وقد تصادم جيش المستعين مع جيشهم ولم يصلح الحال إلا بعد أن خلع المستعين نفسه وأصبح المعتز خليفة مكانه.

* عصر المعتز:
تسلم الحكم بعد المستعين، واسمه محمد بن المتوكل ولكن الأتراك لقبوه بالمعتز. وفي عصره تسلم الأتراك كل شيء من مقاليد الحكم ولم يكن سوى آلة تتحرك بأيديهم. وهو الذي دس السم إلى الإمام الهادي عليه السلام وقضى على حياته المباركة.

* خصائص العصر العباسي
نستخلص مما ذكرناه من سياسات الخلفاء الأربعة المتوكل، المنتصر، المستعين والمعتز خصائص عامة مشتركة للعصر العباسي وهي:
1- ضعف الخلافة العباسية وسقوط هيبتها في أعين الناس إلى حد كبير نتيجة لعدة عوامل منها استيلاء الأتراك على العاصمة في حين لا يملك الأتراك أية معرفة بشؤون الحكم وإدارة شؤون الخلافة سياسياً واقتصادياً مما عرض البلاد إلى مشاكل خطيرة منها: شيوع الرشوة من قبل الولاة والوزراء للبقاء في مناصبهم، وشيوع الفساد واختلاس الموظفين والوزراء والعمال من الأموال التي تجبى من الضرائب مما أدى إلى ازدراء عامة الشعب للحكم العباسي.

2- انغماس الخلفاء في الليالي الحمراء واللهو والمجون، مما يؤدي بهم إلى الانصراف عن شؤون الحكم وصرف الأموال الطائلة.
- وجود خوارج وما تسببوا به من شغب وحوادث أدت إلى تعميم الشغب والفوضى.
- حصول ثورات متعددة الأطراف تطالب بالدعوة إلى الرضا من آل محمد، فمردوا على الحكم الظالم المستبد الذي عمد إلى ظلمهم وحبسهم وتشريدهم. وتدل خطتهم في الدعوة إلى أفضل آل محمد في عصرهم على حكمة بالغة في عدم تحديد هوية إمام العصر وذلك حفاظاً على حياته لأنه كان يخضع لرقابة شديدة يحاول من خلالها الخليفة الإيقاع بالإمام فيأمر بقتله أو بسجنه.

هذه هي أهم الخصائص البارزة في السياسة التي كانت سائدة في العصر العباسي، والتي إذا ما ألمينا بها يمكننا بسهولة فهم الخطوات التي اتبعها الإمام الهادي عليه السلام ضمن سياسته المتماشية مع سياسة الخلفاء من عصره.

* الخطوط العامة لسياسة الإمام الهادي عليه السلام

بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واجه الإسلام بداية انحراف خطير في صميم التجربة الاجتماعية والسياسية التي أنشأها النبي صلى الله عليه وآله وسلم للمجتمع. وأول شرارة لهذا الانحراف كانت أطروحة السقيفة، وبدأ الانحراف من حينها يتسرب إلى مركز التوجه الفكري والاجتماعي والسياسي، واستبدل الحكم بحكم وراثي راح يعمل على تعطيل الحدود الإسلامية ومصادرة روح الشريعة. ولذلك كان الأئمة يعيشون هاجس مواجهة الانحراف ودفعه عن الأمة بوسائل وسبل تتلاءم مع سياسة عصرهم وطبيعة الظروف المحيطة بهم.

ورغم هذا كله، ففي سيرة أهل البيت عليه السلام علامات مشتركة وأخرى متباينة ولكن جميعها يتحد ضمن هدف محدد سواء كانت سياسة الإمام هي الكفاح المسلح أم الصراع السياسي المباشر أو غير المباشر في سبيل دفع الانحراف وبقاء الإسلام قائماً.. فكل إمام كان يتبع سياسة خاصة به ويتخذ أساليب سياسية متنوعة ومتبدلة بحسب الظروف المؤاتية معتمداً على أمور كثيرة في تحركه منها:
- حالة الأمة الفكرية والعقلية والنفسية.
- حالة الأمة السياسية والاجتماعية.
- درجة وعي الأمة.
- علاقة الأمة بقيادتها الشرعية.

لهذا اتبع الإمام الهادي عليه السلام سياسة تنسجم مع سياسة عصره، فلقد حفلت هذه الفترة بالأحداث والصراعات السياسية المريرة بين الخلفاء العباسيين والعلويين، أصاب الإمام الهادي عليه السلام منها الأذى والاضطهاد كما أصاب آباءه من قبل، فبالرغم من عدم قيام الإمام بأي عمل مسلّح ولا الثورة في مواجهة الحكم (لعلمه بحقيقة الأوضاع والظروف السياسية وعدم نضجها وملاءمتها للتحرك والمواجهة المسلحة) على الرغم من ذلك كله فإن الحكام العباسيين كانوا يخافونه ويرون فيه سيد أهل البيت عليه السلام وإمام الأمة وصاحب الحكمة والكلمة النافذة عند الناس.

ومن أهم الخطوات التي عمد الإمام إلى اتخاذها ضمن نهجه السياسي:
1- محاولة الإمام لتنمية الوعي السياسي والإيماني عند الناس فيستقطب بذلك مجاهدي الأمة، فيما رسا دوره في التربية والإعداد والتوجيه للوثوب على الحكام المتسلطين عن طريق نشر الوعي الإسلامي وبناء الوعاء السياسي لدى الأمة. والإمام وإن لم يكن قد ظهر أنه المحرك الأساسي للثورات العلوية بشكل ظاهري ولكنه هو الذي عمل على قيام هذه الثورات لأنه هو الذي عمل على بناء المعارف العقائدية والتشريعية لدى الأمة. وكان هم الإمام الهادي عليه السلام الأساسي هو كبح جماح الانحراف المتزايد في عمق التجربة الإسلامية. فالإمام أولاً حاول التصدي لهذا الانحراف بإرجاع التجربة الإسلامية إلى وضعها الطبيعي من خلال استقطاب الناس وتثقيفهم ودعمهم إسلامياً.

2- إن الإمام لم يكن يملك القوة العسكرية التي تؤهله لمواجهة الخلفاء في عصره، لأنه كان محاصراً من كل جانب ثم أن الإمام بالرغم مما كان له من محبين ومناصرين ضمن القاعدة الشعبية، إلا أنه لم يكن ليضمن نصرتهم خصوصاً وأن للإمام علي عليه السلام والحسن والحسين عليه السلام تجارب سابقة في هذا المجال كما أنه لم يكن يرى من ضرورة للقيام بوجه الخلفاء أو مصلحة في ذلك، وإلا لكان أقدم على القيام ولو عرض حياته للخطر كما فعل الإمام الحسين عليه السلام.

3- إن سياسة الإمام كانت كلها مبنية على أساس مصلحة الإسلام وبقائه، لذلك اعتمد النهج السلبي في التعاطي مع الحكم، وسبب سكوته وصبره على عدم القيام في مواجهة الحكم والجور هي نفسها التي جعلت الإمام الحسن عليه السلام يقبل الصلح مع معاوية، وجعلت الإمام علي عليه السلام يسكت عن حقه في الخلافة.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع