نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الإمام الهادي عليه السلام في فكر الإمام الخامنئيّ دام ظله


الشيخ علي متيرك


عاصر الإمام الهادي عليه السلام خلال سنيّ إمامته ستّةً من الحكّام العبّاسيّين: المعتصم، والواثق، والمتوكّل، والمنتصر، والمستعين، والمعتزّ. وكانت السلطة العبّاسيّة في عصر هؤلاء الحكّام قد بدأت تضعف وتفقد هيمنتها وقدرتها، بخلاف ما كانت عليه أيّام هارون العبّاسيّ وابنه المأمون؛ وذلك بسبب تسلّط الأتراك على شؤون الدولة وانعدام معرفتهم بشؤون الحكم والإدارة. لذا، فقد اتّسم عصر الإمام الهادي عليه السلام بالفوضى وانعدام الأمن وظهور ألوان الفساد.

مضافاً إلى ذلك، كانت سياسة الحكّام آنذاك -وخصوصاً المتوكّل العبّاسيّ- تتّسم بالضغط والتضييق على أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم، وقد تعرّض العلويّون في أيّام المتوكّل إلى الاعتقال والاضطهاد، كما مُنعوا من زيارة مقام الإمام الحسين عليه السلام، بل وأقدم هذا الخليفة على هدمه!

في هذا المقال، يتناول الإمام السيّد عليّ الخامنئيّ دام ظله المرحلة التي عاشها الإمام الهادي عليه السلام، والتي كانت من أصعب المراحل وأدقّها.

•الإمام الهادي عليه السلام يؤدِّب معلّمه!
ينظر الإمام الخامنئيّ دام ظله إلى هذه المرحلة على أنّها مرحلة النصر الدائم والكبير، وحصيلة جهود الأئمّة عليهم السلام، ومرحلة استثمار التضحيات الكبرى لتشكيل أوسع قاعدة شعبيّة.

ويسلّط سماحته الضوء على حوادث تفصيليّة عدّة في سيرة الإمام الهادي عليه السلام، ليبيّن الانتصارات المتتالية لهذا الإمام العظيم على الجهاز الحاكم آنذاك، وهو الذي تسلّم زمام الإمامة في سنّ مبكّرة، إذ كان عمره ثماني سنوات تقريباً، وذلك بعد شهادة أبيه الإمام الجواد عليه السلام سنة 220هـ، فيشير إلى حادثة مهمّة جدّاً تبيّن أموراً ثلاثة:

1- أنّ العمر لا دخالة له عند أهل البيت عليهم السلام في العلم والمعرفة والقدرة على التأثير والجذب.

2- معرفة الحكّام والخلفاء بأحقّيتهم بالحكم، وقلقهم الدائم من تأثير الأئمّة عليهم السلام.

3- أنّ الغلبة الفعليّة والنصر الدائم هو لهم، مهما حاول الظلَمة وسعَوا لإطفاء نور الله.

فقد أراد المعتصم العبّاسيّ أن يتربّى الإمام الهادي عليه السلام -وهو ابن ستّ سنوات- على يدَي أشدّ المعاندين والمخالفين لأهل البيت عليهم السلام، فأُودِع الإمام عليه السلام عند الجنيديّ (أحد علماء المدينة)، وطُلِب منه أن يؤدِّب هذا الطفل (أي الإمام عليه السلام) ويربّيه ليصبح عدوّاً لأسرته ومنسجماً مع الجهاز الحاكم، ولكن كانت النتيجة بعد مدّة من الزمن على لسان هذا المؤدِّب: "إنّني أُبيّن له مسألةً في الأدب، فيُبيّن لي أبواباً من الأدب... وأطلب منه أن يقرأ سورةً من القرآن، كسورة آل عمران مثلاً، فيقرأها عليّ، ويبيّن لي مواضع الإشكال في قراءتها. إنّهم علماءُ وحفّاظٌ للقرآن، وعلماء بالتأويل والتفسير". وقد استمرّ ارتباط هذا الطّفل، الّذي كان في الظّاهر طفلاً، ولكنّه وليّ الله، ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً﴾ (مريم: 12)، بهذا الأستاذ لمدّة، إلى أن أصبح هذا الأستاذ من الشّيعة المخلصين لأهل البيت عليهم السلام(1).

•انتصار الإمام الهادي عليه السلام ظاهراً وباطناً
لقد عايش الإمام الهادي عليه السلام -كما ذكرنا- ستّة من الخلفاء في زمن إمامته، وقد هلك هؤلاء جميعاً، وماتوا أذلّاء في الغالب، أحدهم قتله ابنه، والآخر قتله ابن أخيه، واستمرّوا على هذه الحال حتّى انقرض العبّاسيّون وزال حكمهم، بينما استمرّ الشيعة وأتباع أهل البيت عليهم السلام، وكانوا يزدادون عدداً وعزماً وقوّةً.

في مدّة حكم هؤلاء الستّة كان الإمام الهادي عليه السلام على تواصلٍ دائمٍ مع كبار الشيعة في زمانه، وكان يوجّههم ويديرهم ويوصل رسالة الإمامة من خلالهم إلى مختلف مناطق العالم الإسلاميّ، فتكوّنت شبكات شيعيّة في كثير من هذه المناطق، استطاعت أن تروّج وتنشر مذهب أهل البيت عليهم السلام... وهذه الأعمال كلّها كانت تحت ظلّ حكم هؤلاء الطواغيت.

"هؤلاء العظماء قد حفظوا الدّين بهذه الطّريقة، وإلّا فإنّ ديناً يقع على رأسه المعتزّ والمتوكّل والمعتصم، والمأمون، ويكون علماؤه رجالاً كيحيى بن أكثم -الذي رغم أنّه كان عالم البلاط، فقد كان من الفسّاق والفجّار المتجاهرين من الدّرجة الأولى- لا ينبغي أساساً أن يبقى، ولكان ينبغي والحال هذه، أن يُجتثّ من جذوره وينتهي كلّ شيء. فجهاد الأئمّة عليهم السلام وسعيهم لم يحفظ التشيّع فحسب، بل القرآن والإسلام والمعارف الدينيّة"(2).

من هنا، يرى الإمام الخامنئيّ دام ظله أنّ الإمام الهادي عليه السلام قد انتصر فعليّاً على طواغيت عصره، فحُفِظ الدين وبقي التشيّع، وأتباع أهل البيت عليهم السلام في تزايد وانتشار واتّساع...

•الإمام عليه السلام يتفوّق في الحرب النفسيّة
"لقد كان النّصر حليفهم في الميادين جميعها، وهزموهم جميعاً في المواضع كلّها"(3).

يتحدّث الإمام الخامنئيّ دام ظله عن السعي الحثيث والدؤوب من الطواغيت لتشويه صورة الأئمّة عليهم السلام؛ فلم يتركوا وسيلةً تخدم هذا الهدف إلّا وكانوا يقومون بها؛ لذا نراهم يضعونهم تحت الإقامة الجبريّة، ويحاولون الحطّ من شأنهم بين الناس، ومع ذلك ينتصر الإمام عليه السلام.

ويذكر الإمام الخامنئيّ دام ظله تلك الحادثة المعروفة، والتي دعـــــا فيها المتوكّل العبّاسيّ الإمامَ الهاديَ عليه السلام إلى مجلس الخمر والسكر، بغية القضاء على قدسيّته بين الناس في سامرّاء، فإنّه عندما ينتشر الخبر بأنّ الإمام الهادي عليه السلام كان نديم المتوكّل في مجلس كهذا، فلا شكّ في تزعزع مكانة الإمام عليه السلام في أعين الناس وقلوبهم، فماذا كان ردّ فعل الإمام عليه السلام؟

يرى الإمام الخامنئيّ دام ظله أنّ التصرّف المتوقَّع من أيّ شخص منّا في قِبال هذه الحرب من المتوكّل هو الانفعال والغضب ورمي كؤوس الشراب أرضاً... ولكنّ الإمام عليه السلام تصرّف بطريقة أخرى تضمن النصر، وتؤتي ثمارها، فتشخيص الوضعيّة وحيثيّات المكان والزمان لها بعدٌ مهمٌّ جدّاً في القضيّة؛ لذا انتهج الإمام عليه السلام سبيلاً استطاع من خلاله تحويل مجلس السكر والخمر إلى مجلس عابقٍ بالمعنويّات، بتلك الأبيات التي بيّن فيها عليه السلام ما يجري عند الموت وبعده، وخرج من بلاط المتوكّل منتصراً، بل وأجبر المتوكّل على النهوض من مكانه وتشييعه بكلّ أدبٍ واحترام.

•الإمام الهادي عليه السلام والتشكيلات الشيعيّة الكبرى
إنّ من الأمور المهمّة التي يسلّط الإمام الخامنئيّ دام ظله الضوء عليها في سيرة الإمام الهادي عليه السلام، بل وفي المرحلة من عهد الإمام الجواد إلى الإمام العسكريّ عليهما السلام، هي غربتهم التامّة وبعدهم عن المدينة.

على الرغم من هذه الغربة وهذا البعد، يجد الإمام الخامنئيّ دام ظله، مقارناً بين زمانهم وزمان الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام، أنّ دائرة نفوذ الأئمّة وسعَة دائرة الشيعة تضاعفت أضعاف ما كانت عليه.

ويرى الإمام الخامنئيّ دام ظله أنّ السبب في ذلك يرجع إلى أنّ الشيعة كانوا منتشرين في الأمصار، ولكن لم يكونوا على اتّصال ببعضهم بعضاً، ولم يكن لديهم أيّ تطلّع للمستقبل، لكنّ مجيء الإمام الرضا عليه السلام إلى خراسان ورؤية الناس له عن قرب، وكأنّ المرء ينظر إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، في تلك الهيبة والعظمة المعنويّة والعزّة والأخلاق والتّقوى والنّورانيّة والعلم الوسيع؛ هذه الأمور كلّها أحدثت هزّة، فمهما سُئل وأيّ شيءٍ طُلب منه كان الأمر بيده، وهو الشيء الذي ما كان النّاس ليروه من قبل.

وهنا يبيّن الإمام الخامنئيّ دام ظله أنّ الأئمّة الثلاثة (الجواد، الهادي، العسكريّ) عليهم السلام استطاعوا الاستفادة من حركة الإمام الرضا عليه السلام وفيما بعد شهادته مظلوماً، فقد قاموا بالتواصل السرّيّ والخفيّ وبطرقٍ غير عاديّة مع قاعدتهم الشعبيّة، وهذا كان له فضلٌ كبير في حفظ الشيعة والمحبّين، فتشكّلت شبكات إعلاميّة وتعليميّة يقودها هؤلاء الأئمّة العظام الثلاثة.

•نجاحات كبرى رغم التشديد
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله إنّ الإمام الهادي عليه السلام -وبعده الإمام العسكريّ عليه السلام- استطاع أن ينظّم الروابط بين أقطار العالم الإسلاميّ جميعها، ولم تكن القضيّة منحصرة فقط في الفتاوى التي كان للأئمّة عليهم السلام يُجيبون بها عن أسئلة النّاس حول الصّلاة والصّوم والطّهارة والنّجاسة، بل كان الوكلاء والنوّاب ينطلقون من موقعيّة الإمام بذلك المعنى الإسلاميّ الخاصّ لكلمة "إمام"، ويتحدّثون وَفقه مع الناس.

وما قَتْلُ الإمامِ الهادي عليه السلام في سنّ الشباب عن عمرٍ يناهز الـ42 -وفق رؤية الإمام الخامنئيّ دام ظله- إلّا دليل على حركته العظيمة، وقدرته على تحقيق النجاحات الكبرى على الرغم من النظام البوليسيّ المتشدّد للجهاز الحاكم آنذاك.

•يومٌ مقابل سنوات
ختاماً، يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله: "إنّ يوماً من جهاد هؤلاء العظماء (الأئمّة عليهم السلام) يؤثّر بمقدار سنوات. ويومٌ واحدٌ من حياتهم المباركة يساوي سنواتٍ من حياة جماعةٍ تعمل ليلاً ونهاراً على مستوى التّأثير في المجتمع"(4).

فسلامٌ عليهم يوم وُلِدوا، ويوم استشهدوا، ويوم يُبعثُون أحياء.


1.راجع: إنسان بعمر 250 سنة، ص439.
2.(م.ن)، ص438.
3.(م.ن)، ص 441.
4.من كلامٍ له دام ظله بتاريخ 20/08/2004م.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع