نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

حصاد الحاج/شذرات من خطبة "حجّة الوداع"


آية الله جوادي الآملي


كما أن الله تعالى هو الأول الذي لا أول له، والآخر الذي لا آخر له، لأن أوليته بذاته، وكذا آخريته، حيث قال تعالى: ﴿هُوَ الأَوَّلُ وَالآخَرُ﴾(الحديد؛ 3) وكذلك يكون تعالى، مبدء صدور الأشياء ومرجع عودها، ﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، كذلك يلزم أن يكون ابتداء كل أمر بالتوجه إليه تعالى، وختام كل أمر جميل بالثناء عليه تعالى، حيث لا يفتتح بأمر بدون الاعتصام به والاتكال عليه والتوجه إليه، ولا يختتم بدون حمده وشكره، لأن الموحد كما يعرف الله تعالى بأنه الأول والآخر، ويعرف أن بدء جميع الموجودات منه تعالى وختمها إليه تعالى، كذلك لا يدخل في أمر ولا يخرج منه إلا بالتوجه إليه تعالى، كما أدّب الله نبيه(صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قال تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (الإسراء؛ 80).

ومقتضى توحيده، أن يكون محياه ومماته لله رب العالمين، فلا يدخل في الدنيا ولا يخرج منها إلا صادقاً، ولا يدخل في البرزخ ولا يخرج منه إلا صادقاً، ولا يدخل في المعاد الذي لا خروج منه، ولا يبقى ولا يدوم فيه إلا صادقاً، لأن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم قدم صدق عند ربهم، ولهم لسان صدق، وكذا يكونون في ﴿مقعد صدق عند مليك مقتدر﴾ ومن أهم تلك الشؤون هو الحج، فله بدء يبتدأ منه الحاج صادقاً، وله ختم يختتم إليه الحاج صادقاً. فلذا ودّع مولانا علي بن موسى الرضا عليه السلام البيت الحرام، بأن خَرَّ ساجداً، ثم قام، فاستقبل الكعبة، فقال: "اللهم إني انقلب على لا إله إلا أنت"(1). يعني على التوحيد المحض وطرد أي شرك كان. وهذا هو الحاج الذي لا يزال عليه نور الحج –"الوافي؛ باب فضل الحج". ومن أدب الوداع أن يدعو، كما عن مولاه الصادق عليه السلام: "اللهم اقبلني مُفلحاً منجحاً مُستجاباً لي، بأفضل ما يرجع به أحد من وفدك، من المغفرة والبركة والرضوان والعافية مما يسعني أن أطلب.."(2). وأن يكون آخر عهده بالبيت أن يضع يده على الباب ويقول: "المسكين على بابك فتصدق عليه بالجنة"(3).

وليكن آخر عهدنا خطبة خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم، الذي أوتي جوامع الكلم، والذي ما كلّم العباد بكُنه عقله قط، حيث لم يكن مَن يعادله حتى يكلمه بكُنه عقله إلا هو نفسه، ﴿وَأَنْفُسنَا وَأَنْفُسكُمْ (آل عمران)، وكيف لا يكون كلامه صلى الله عليه وآله وسلم الجنة كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: "أنا مدينة الحكمة وهي الجنة وأنت يا علي بابها". وكما أنه صلى الله عليه وآله وسلم قد صلى، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "صلّوا كما رأيتموني أصليّ، وحج وقال صلى الله عليه وآله وسلم "خذوا عني مناسككم"، كذلك أدّب الناس وعلّمهم نظام الحج وأسراره في خطبته المباركة في حجة الوداع. ولنشر إلى نزر من شَذَراتها فيما يلي:

*تزكية النفس
أحدها: تهذيب النفس بالتوحيد الخالص، وتزكيتها بتولي أولياء الله، وتطهيرها عن النفاق والخلاف، حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم، حثّاً على الوعي: " نصر الله عبداً (وفي نسخة نضّر الله عبداً-أي جعل وجهه من الوجوه الناضرة يوم القيامة) سمع مقالتي فوعاها وبلّغها من لم يبلغها؛ رُبّ حامل فقه ليس بفقيه، ورُبّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه؛ ثلاث لا يغفل عليهن قلبُ امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة لأئمة المسلمين، واللزوم لجماعتهم..." فالحاج يعبد الله مخلصاً له الدين، وينصح لأئمته، ويلازم المجتمع الإسلامي، كما قال علي عليه السلام: "وليس رجل أحرص على جماعة أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأُلفتها منّي، أبتغي بذلك حسن الثواب وكرم المآب"(4).

*تأدية الأمانة
ثانيها: تأمين الناس على الدماء والأموال حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: "..إن الله حرّم عليكم دماءكم وأموالكم.. ولا تعثوا في الأرض مفسدين فمن كانت عنده أمانة فليُؤدّها.. فالحاج أمين لأعراض الناس وأسرارهم، لأن قلوب الأحرار خزائن الأسرار".

*المساواة بين الناس
ثالثها: تسوية الناس بآحادهم وقبائلهم حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: "..الناس في الإسلام سواء.. لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي إلا بتقوى الله.. فالحاج يستوي ويُساوي.. ولا يرى لنفسه فضلاً على غيره، ولا لقومه تقدماً على قومٍ آخرين، ويرى الآحاد والشعوب سواسية".

*البعد عن السنن الجاهلية
ورابعها: تطهير المجتمع الإسلامي من السنن الجاهلية الجهلاء في الأموال والدماء والبغضاء والشحناء حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: "كلُّ دمٍ كان في الجاهلية موضوع تحت قدمي.. وكلّ ربا كان في الجاهلية موضوع تحت قدمي. وأوّل ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب.." فالحاج لا يَجْرِمنّهُ شنآن قوم أن يعتدي، ولا يجرّه حب الدنيا إلى أن يأذن بحرب من الله". ويقول: "إنما البيع مثل الربا"، لأنه يعلم أن الله تعالى يمحق الربا ويُربي الصدقات.

*تكريم النساء
خامسها: تكريم النساء كالرجال، وتعديل الحقوق التي لهن عليهم ولهم عليهن.حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: "...أُوصيكم بالنساء خيراً.. ولكم عليهن حق ولهن عليكم حق، وكسوتهن ورزقهن بالمعروف". فالحاج يرى قوله تعالى ﴿...وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً، ويشاهد قوله تعالى: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ، ويراعي قوله تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ (البقرة؛ 228).

*عدم الإستعلاء على الخدمة
سادسها: تحبيب العمال وتفقّد الخَدَمة حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: "..أوصيكم بمن ملكت أيمانكم، فأطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون..."، فالحاج يتحبب إلى من يخدمه ولا يستعلي عليه، بل يجتمع معه على مائدة، ويلبسه ما يتلبّس به، ولا يتفوه بقوله: أنا أحسن منك أثاثا ورئياً.

*التآخي مع المسلم
سابعها: تنسيق المجتمع الإسلامي على نسق العدل والأمانة حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: "...إن المسلم أخ المسلم لا يغشه ولا يخونه ولا يغتابه ولا يحل له دمه ولا شيء من ماله إلا بطيب نفسه.."، فالحاج مع أي مسلم آخر أخٌ له في الدين، أبوه النور وأمه الرحمة، وهو طيّب لا يحنّ إلاّ نحو الطيّب.

*التبليغ
ثامنها: تكليف المجتمع الإسلامي برسالة التبليغ والاهتمام بالمسؤولية حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: "إنكم مسؤولون، فليبلغ الشاهد منكم الغائب.."، فالحاج فقيه يحمل الفقه إلى أي مسلم آخر لم يوفق للحضور في المواقف ولم يدرك الحرمين ومجامعهما.

*الإعتصام بالثقلين
تاسعها: تعليم الناس أهم فرائض الإسلام وهي الاعتصام بالثقلين اللذين تركهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أمته حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: "..إني خلّفت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي.." فالحاج يعتصم بحبل الله، ومن اعتصم بالله فقد هُدي إلى صراط مستقيم.

*موالاة أمير المؤمنين عليه السلام
وعاشرها: تولية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وجعله ولياً للمسلمين حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: "..من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه"، وبذلك يكمل الدين ويتم النعمة. إن هذا كان جرعة من ماء زمزم الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستهديه وهو صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة ولعله يصير شراباً طهوراً لمن أتى الله ولبّاه بقلب سليم. دعواهم فيها سبحانك اللهم، وتحيَّتهم فيها سلام. وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.


1- وسائل الشيعة؛ ج: 10؛ ص: 232.
2- وسائل الشيعة؛ ج: 10؛ ص: 231.
3- وسائل الشيعة؛ ج: 10؛ ص: 233.
4- نهج البلاغة؛ كتاب: 78.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع