نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مسؤولية الأهل اْتجاه أبنائهم المراهقين‏

هنادي سلمان‏

 



لكل مرحلة من مراحل نمو الإنسان مميزات خاصة ومن المهم أن يعيش الفرد تفاصيل أي مرحلة من حياته لأنها ستكون ممهدة للمراحل اللاحقة. هذا وتُعد المراهقة من أخطر وأهم المراحل الحياتية. لأن المراهق يشعر أنه في عالم جديد في أحاسيسه ومتطلباته لذلك نجده يشكو دائماً من عدم تفهم الآخرين له، ومن عدم فهمه هو لنفسه. ونجد عائلته تشكو من تمرده وعدم تنفيذه للأوامر التي تطلبها منه، فهو ما زال في نظرهم طفلاً صغيراً يريد أن يتمثل بالكبار وهذا سترفضه العائلة. فينشأ الصراع الذي قد يزيد المراهق ضياعاً وتمرداً، لذلك لا بد لكل عائلة أن تعرف بدقة أحاسيس وحاجات المراهقين، لتعرف كيفية التعامل مع هذه المرحلة من حياة أولادها.

* تعريف المراهقة ومميزاتها:
يُستخدَم مصطلح المراهقة في علم النفس للتعبير عن "مرحلة الانتقال من الطفولة إلى مرحلة النضج والرشد. فالمراهقة مرحلة تأهب لمرحلة الرشد. وتمتد في العقد الثاني من حياة الفرد من الثالثة عشرة إلى التاسعة عشرة تقريباً"(1). على أن هذه الفترة ليست ثابتة لدى كل شخص "فمن السهل تحديد بداية المراهقة ولكن من الصعب تحديد نهايتها، ويرجع ذلك إلى أن بداية المراهقة تتحدد بالبلوغ، بينما تتحدد نهايتها بالوصول إلى النضج في مظاهر النمو المختلفة"(2). وتتميز هذه المرحلة بتغير سريع ومفاجئ في الجسد يتمثل زيادةً في الطول والوزن بالإضافة إلى تغيرات في بعض المظاهر الجسدية التي تميز الذكور عن الإناث. وكما أن التغير يحصل في الجسد، فهو يصيب الحالة النفسية والمزاجية للمراهق الذي يميل نحو النضج والتطبع الاجتماعيين ونحو اكتساب المعايير السلوكية وتكوين علاقات وصداقات متينة. هذا فضلاً عن الاستقلال الذي ينشده المراهق على الصعد كافة. كذلك يحاول المراهق التعرف إلى إمكاناته وقدراته فينطلق إلى التفكير لاتخاذ القرارات لنفسه، وبنفسه. وينطلق المراهقون للبحث عن أسرار واقعهم الجديد بما اقتضاه من حاجات جديدة غير واضحة بالنسبة لهم، ليكون القلق هو العامل الأساسي الذي يستعدون لاستقباله، وبالتالي فإن أي تأثير خارجي قد يزيد حدة هذا القلق ويؤججه.

* أهم العوامل المؤثرة في شخصية المراهقين:
هناك الكثير من العوامل التي تؤثر في أي مراهق، سلباً أو إيجاباً. وأهمها يتصل بجو منزله وعائلته التي إما أن تساعده وتنقذه من مطباته، وإما أن تدخله في مطبات ومتاهات هو غني عنها. "فإذا كان البيت من النوع الذي يسود فيه الشجار المتصل فتظهر آثار ذلك واضحة على شخصية وسعادة المراهق لأن هذا الجو المضطرب يمنعه من الحصول على الحنان اللازم من والديه. وبالتالي إذا كنا نبغي للمراهق أو الطفل نمواً عادياً، وجب أن يعيش في جو من الاطمئنان والعطف بين عالم الكبار المحيط به"(3). ثم هناك بالإضافة إلى ما سبق عوامل أخرى تلعب دوراً هاماً في النمو مثل "ترتيب ووضع المراهق في العائلة وكذلك العلاقات والاختلافات في الجنس وتغيير الموطن"(4) ومن ثم المركز الاجتماعي والاقتصادي للأسرة.

* حاجات المراهقين الأساسية:
يصاحب التغيرات التي تحدث مع سن البلوغ تغيرات في حاجات المراهقين، وهذه الحاجات تتوزع ما بين الجسم والنفس والعقل. ولعل أهم هذه الحاجات:

أ- الحاجة إلى المكانة والتقدير: على أبواب المراهقة يشعر الولد بمكانته وقيمته، ويطمح إلى أن يكون موضع الثقة والاحترام. "إنه يتوق إلى أن تتكوّن له في النفوس مكانة الراشدين، ويتخلى عن موضعه كطفل لا مكان له بين الكبار. وحتى يؤكد ذلك نراه يقلد الكبار في بعض أفعالهم. فالمراهق قد يلجأ إلى التدخين، والمراهقة قد تعمد إلى وضع أحمر الشفاه ولبس الحذاء ذي الكعب العالي"(5). ويلحق ذلك الحاجة إلى الحب والحنان من الآخرين، والحاجة إلى القبول والتقبل الاجتماعي.

ب- الحاجة إلى الاستقلال وإلى تكوين الصداقات: إن ما يكافح المراهق في سبيل تحقيقه، هو إثبات شخصيته أمام الجميع. وخاصة أمام عائلته التي سوف يبدأ بالانزعاج من كل ما تفرضه عليه. إنه بكل بساطة يريد أن يكون حراً في كل ما يقوله وما يفعله. ومن أجل تحقيق هذا الاستقلال يلجأ إلى ايجاد صداقات وإلى زيادة هذه الصداقات لأنها المكان الوحيد الذي يستطيع فيه إثبات شخصيته بوضوح وارتياح مع مَن هم في مثل سنه. وهنا يردد دائماً "أريد أن أكون مثل الآخرين" لأن هذا يشعره بالثقة والاطمئنان. وقد يتضايق الأهل حين يصر ولدهم على أن يلبس ويتحدث ويتصرف بطريقة معينة ترضي رفاقه وتجعلهم يشعرون بأنه واحدٌ منهم، أما الأهل فسيعدون ذلك تمرداً على مطالبهم مما قد يؤدي إلى نشوء المشاكل بين المراهق وعائلته.

ج- الحاجة إلى عقيدة فكرية: مع المراهقة، تتفتح قدرات المراهق العقلية وتتنوع خبراته، وينتقل بتفكيره من التعلق بالمحسوس إلى المجرد ويرافق ذلك كله ثقة بالنفس، سعة في الأفق، وقدرة على الفهم... فينطلق ليبحث عن فلسفة تقنع عقله وترضي وجدانه وتستجيب لميوله... فيظهر اهتماماً بسرّ الكون والحياة، ويطرح أسئلة عن اللَّه والدين والموت والسياسة والاجتماع وغيرها(6).

* المخاطر المتوقعة:
أثناء بحث المراهق عن عقيدة تؤكد ذاته وتمايزه عن غيره، نرى البعض ممن لم تتوفر له رعاية ثقافية وروحية مسؤولة، يمر بحالة صراع يتأرجح فيها بين الإيمان والكفر والشك واليقين... هذا الواقع هو ما تستغله مختلف الأحزاب العقائدية، فتكثف حضورها عند المراهقين المتعطشين إلى المبادئ والقيم. فتستخدم أساليب ووسائل مدروسة لكي تستطيع الدخول إلى عالمهم والنفاذ إلى أعماقهم من خلال دغدغة غرائزهم وحاجاتهم(7). كما إن ما نعيشه اليوم من غزو ثقافي يطال عقائدنا وقيمنا وأفكارنا هو من أكبر المخاطر التي تعترض سبيل المراهقين فتتسلل إلى داخلهم، وهم في طور نموهم الاجتماعي والسلوكي، لتصبح جزءاً لا يتجزأ من حياتهم وتصرفاتهم. من هنا فمسؤوليتنا كبيرة جداً تجاه هؤلاء المراهقين لمحاولة إنقاذهم من أخطبوط الثقافة الغربية والعقائد المنحرفة.

* كيف نتعامل مع المراهق:
"دع ابنك يلعب سبع سنين، ويؤدب سبع سنين، وألزمه نفسك سبع سنين" الإمام الصادق عليه السلام(8). إن هذا الحديث الشريف يلخص ببساطة الخطوات التي يجب على الوالدين اتباعها كأسلوب تربوي راقٍ. فمراحل التربية، من وجهة نظر أئمتنا عليهم السلام، هي ثلاث: فالحرية هي عنوان المرحلة الأولى، والتأديب والمراقبة والمحاسبة عنوان المرحلة الثانية، أما المرحلة الثالثة فينبغي فيها على الوالدين أن يشعرا ولدهما بنوع من الاستقلالية مع مراقبته من بعيد دون شعوره بذلك للتدخل عند الحاجة بطريقة لا تؤذي مشاعره وتمنعه من الخطأ. لذلك فأفضل وسيلة هي بأن يشعر الولد بأن أباه وأمه صديقان له لكي يتقبل منهما ما يريدان. ثم يستطيعان تحصينه من خلال عدة وسائل:

1- تقوية صلته باللَّه عزَّ وجلَّ: فتأصيل العمق الإيماني في نفسه يجعله يستجيب للقيود والضوابط التي شرعها الباري عزَّ وجلَّ من أجل حمايته وحماية كل إنسان من شرور الرذيلة. وفي هذا الإطار يجب الإجابة عن كل أسئلة المراهقين العقائدية بطريقة عقلية منطقية لأن السؤال الذي لن يجد له إجابة على ضوء الإسلام سيجد إجابته الخاطئة لدى الآخرين. ونحن متى قوّينا وأصّلنا العقيدة الصحيحة في نفسه سهّلنا عليه الالتزام بالأمور الشرعية الأخرى.

2- محاولة إرشاد المراهق إلى ملأ أوقات فراغه بأمور مفيدة: ويدخل في هذا الإطار حضور المحاضرات الثقافية والدينية وتشجيعه على ارتياد المساجد وممارسة الرياضة في النوادي الرياضية الملتزمة.

3- يجب أن ننتبه إلى أصدقاء المراهق "فالمرء على دين خليله" وقد ذكرنا كيف يتخذ المراهق أترابه نموذجاً له في اللباس والتصرفات. وخير ما يمكن أن نقوم به هو حثه على الانتساب إلى الكشاف الذي يحمل المبادئ الإسلامية السامية، وقبل أن نطلب منه ترك النموذج السي‏ء يجب أن نؤمن له البديل الحسن.

4- "تحصين المراهق مسبقاً بالثقافة الجنسية الضرورية التي تطلعه على بعض الأسرار التي ستواجهه وطبيعة التعامل معها، ومن المهم عدم إحاطة الحديث بالحاجات الجنسية بطبقة من التحريم بحيث لا يجوز الخوض في بعض تفاصيلها لأن ذلك قد يدفع المراهق إلى أن يستقيها من مصادر أخرى منحرفة"(9).


(2) (1) علم نفس النمو، حامد زهران، عالم الكتب.
(4) (3) سيكولوجية النمو، باسمة كيال، مؤسسة عز الدين.
(9) (7) (6) (5) المعلم والتربية، د. محمد رضا فضل اللَّه، دار أجيال المصطفى.
(8) وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج‏15، ص‏195.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع