نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

فلسفة تشريع الخمس في الإسلام‏

الشيخ حسن الهادي‏

 



مما لا شك فيه أن الإسلام يملك نظاماً متكاملاً لتنظيم الحياة الاقتصادية في المجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية، ويظهر ذلك للمتتبِّع للفقه المالي في الإسلام بوضوح، حيث نجد الأحكام الخاصة بالموارد المالية العامة، وواجبات الناس تجاه النظام الاقتصادي ودعم خزينة الدولة ببعض أموالهم وممتلكاتهم، هذا في ظل رصيد فكري يتألف من أفكار الإسلام الأخلاقية والأفكار العلمية والاقتصادية أو التاريخية التي تتصل بمسائل الاقتصاد وحركة التعامل مع المال العام وفق الرؤية الإسلامية.

* نظرة تاريخية:
ويظهر من كلمات بعض اللغويين أن فكرة الخمس كانت ثابتة قبل الإسلام لكن بشكل آخر، فينقل التاريخ أنه متى ما حدثت حرب بين طائفتين أخذ الرئيس ربع الغنيمة، ويصطلح على ذلك الربع بالربّاع. ومنه حديث عدي بن حاتم: ربّعت في الجاهلية وخمّست في الإسلام(1). وقد ورد في بعض الروايات عن الإمام الصادق عليه السلام إن أصل تشريع الخمس كان في عهد شيخ الأنبياء إبراهيم، فقد روي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام "وأول من أخرج الخمس إبراهيم"(2).

* تشريع الخمس:
لقد شرّع الإسلام الخمس باعتباره واجباً مالياً، وضريبة عامة على كل من تتوفّر فيه مجموعة الشرائط، وليس الخمس منحصراً بمورد محدّدٍ كالغنائم الحربية، بل تعداه إلى أمور متعدّدة أخرى مستفادة من قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ (الأنفال: 41). فذهب مشهور الفقهاء إلى أنّ المعنى اللغوي للغنيمة يشمل كل ربح وفائدة وإلى عدم اختصاص الخمس في الآية الكريمة بغنائم الحرب، وهذا ما تؤيده كلمات اللغويين، والنصوص الشريفة. فكتب اللغة تفسِّر الغنيمة بالفوز بالشي‏ء من دون مشقة، وما يحصل عليه الإنسان من دون مشقة فهو غنيمة، وإن لم يكن ذلك بواسطة الحرب، بتقريب أن مادة غنَم هي عبارة عن مطلق الفوز بالشي‏ء، كما عليه كلمات أعلام أهل اللغة العربية، الغنم الفوز بالشي‏ء من غير مشقة(3). ولعلَّ بعض استعمالاتنا العرفية تؤيّد ذلك فيقال: حصلت اليوم على غنيمة، فلا يقصد من ذلك حصول حرب أعقبتها غنيمة، بل الحصول على شي‏ء من دون تعب. وورد ما يؤيّد ذلك في القرآن الكريم قال الله تعالى: ﴿تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ (النساء: 94). فلا يقصد أن عند الله في الجنة غنيمة حرب، بل المقصود هو الحور والولدان... وأما ما ورد في النصوص ففيه تصريح بتوسيع الحكم بالخمس على كل فائدة وربح، جاء في الحديث: "سألت أبا الحسن عن الخمس؟ فقال: في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير"(4). هذا إلى جانب مجموعة من النصوص تصرِّح بتعلّق الخمس بأرباح المكاسب، والمعادن، والكنز، والمال المختلط بالحرام، والجواهر المستخرجة بالغوص والأرض التي يشتريها الكافر الذمي من المسلم.

* فلسفة تشريع الخمس:
إن فلسفة تشريع الخمس وغيره من الأحكام والأنظمة المالية في الشريعة الإسلامية يهدف إلى تلبية الحاجات الاقتصادية وسدّها فيما يرضي الله تعالى، ويكون سبباً لنشر المعارف الدينية وحفظ الدين ونشره ودعم كلّ ما يساهم في إعلاء كلمة الله. وهذا هو المستفاد من مطلع آية الخمس عند قوله تعالى:﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي.... فليس من المعقول أن يكون لله التصرف المباشر في ملكه الإعتباري بأن يأخذ الخمس ويصرفه في أموره الخاصة، ولهذا لا بد من دفع هذا الخمس إلى خليفة الله تعالى القائم مقامه في تدبير أموره على وجه الأرض، وهو خليفة الله في الأرض، فيأخذ سهم الله ليصرفه في سبيل الله. وكذا فيما نسب للرسول صلى الله عليه وآله في آية الخمس فالظاهر أنه خاص بالرسول بما هو رسول أي بما هو متّصف بالرسالة(5)، وهذا أيضاً يلزم صرفه فيما يرجع لنشر الدين وحفظه وتقويته، وتبليغه والتعريف به بسائر أبعاده المختلفة، هذا مع الموافقة على صرف بعض الموارد لشخص الرسول صلى الله عليه وآله أو الإمام عليه السلام. وخلاصة القول أن المستفاد من آية الخمس أن مصارف الخمس في سبيل دين الله ورسالة الرسول وذوي قرباه لناحية ولايتهم، إلى جانب تلبية حاجات المجتمع الإسلامي المالية والاقتصادية، وتهدف التشريعات المالية إلى تحقيق التوازن الاقتصادي في المجتمع. فقد ورد التأكيد القرآني على أن لا يكون المال دولة بين الأغنياء، فالفي‏ء والخمس وأمثالهما إنما شرِّعت لحفظ التوازن والتعادل في النظام المالي، قال تعالى في سورة الحشر ﴿وَمَا أَفَاء اللهُ عَلَى رَسُولِهِ...... (الحشر: 7). وفي آية أخرى يأمر بدفع الفي‏ء إلى المهاجرين، قال تعالى: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُون (الحشر: 7). فهذا الفي‏ء بالأصل هو للنبي صلى الله عليه وآله ومع ذلك نجد بأن القرآن يصرّح بصرفه للفقراء والمهاجرين، فهي خالصة لهم، والهدف من ذلك هو حفظ نوع من التعادل بنحو من الأنحاء بحيث لا يبقى المهاجرون الذين أخرجوا من ديارهم يمدّون يد الحاجة إلى الأنصار أو غيرهم.

وفي كل هذه الحالات لا بد أن يكون الأمر في ذلك لولي الأمر ليعمل على حسب علمه وإطّلاعه لإيجاد هذا التوازن والتعادل. وبناءً على أن الخمس لمن له الولاية والحكم سواء أكان المعصوم أو نائبه في عصر الغيبة فلا بد من التعامل مع هذه الثروة المالية وفق القوانين والأنظمة الشرعية التي يمكن اختصارها اعتماداً على ما ورد في آية الخمس بأمور:
أ- وجوب إيصال سهم الله تعالى إلى خليفته في أرضه رسول الله صلى الله عليه وآله زمن حياته، وإلى خليفته الإمام عليه السلام بعد ارتحاله فيصرفه في المصرف المتيقن من صدق وصول مال الله تعالى إليه أو فيما يراه.
ب- وكذا الحال في سهم الرسول، وذوي القربى من آله صلى الله عليه وآله، فالإمام المعصوم عليه السلام أو نائبه في حال غيابه، هو الذي يتصرّف بهذه الأموال في المصالح وإن تملّكها بعنوان ولاية الله وخلافة رسول الله وإمامته.

وبهذا تتّضح الأسس النظرية لكيفية التعامل مع المال العام، والمعبّر عنه بالأموال الشرعية، فما يصل إلى نائب الإمام يصرف في شؤون الدولة الإسلامية وحفظ ونشر وتقوية دعائم الدين على المستويات كافة، وهذا هو القدر المتيقن الذي يرتضيه الإمام المعصوم عجل الله فرجه، وتحفظ حقوق الطبقات الاجتماعية الفقيرة أو المعدمة بالدفع المباشر إليهم، أو بواسطة مؤسّسات مختصة بإشراف ورعاية الولي الفقيه ولا بد من الاشارة إلى أننا عندما نتحدث عن نائب الإمام نقصد به النيابة العامة للفقهاء العظام للإمام عليه السلام في حال غيبته، وأنّ لهم ما للإمام، وعلى الأمة الرجوع إليهم في الحوادث الواقعة والتحاكم عندهم، وقبول أحكامهم وإطاعة أوامرهم.


(1) نهاية اللغة، ج‏2، ص‏62.
(2) بحار الأنوار، ج‏12، كتاب النبوة.
(3) راجع القاموس المحيط ولسان العرب مادة غنم وكتاب العين، ج‏4.
(4) وسائل الشيعة 9، باب 8، ما يجب فيه الخمس.
(5) آية الله اليزدي، مجلة أهل البيت، العدد2.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع