نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أسرة وطفل‏: الطفل كيف يُعاقب ويُثاب؟

علي أرسلان‏

 




النظام في الحياة أمرٌ طبيعيٌّ لا بدّ منه، كونه يشكّل الضابطة الفعليّة لإيقاع الإنسان وسيره منذ ولادته، فهو يأخذ بادئ الأمر شكل "الانتظام" في مواعيد النوم والطعام واللعب،  ليتكرّس عنصراً أساسيّاً من عناصر طبيعة الأمور الاجتماعيّة. ويقوم النظام على عنصرين "العقاب والثواب" والهدف منهما واحد: "تعديل السلوك نحو الأفضل"، فالجنّة  ثواب للمؤمن والنار عقاب للعاصي(1)...

أمّا في التربية، فلا بدّ للنظام من أن يكون متناسباً مع طبيعة الطفل الجسديّة والنفسيّة والعقليّة، مستنداً إلى مصلحته وتطوّره. إنّ تدهور العلاقة بين الراشدين والأطفال من ناحية المعاملة والجزاء، سواء في المدرسة أم في البيت، يجعل من الضروريّ الالتفات إلى مبادئ العقاب والثواب، لما لهما من  آثار حسّاسة تنعكس على سلوك الطفل الراشد في المستقبل. وقد تؤدّي إشارة استحسانٍ أو انزعاجٍ إلى نتائج أفعل وأبقى من موعظة أو صفعَة(2). فالتربية النموذجية تقوم  على التوازن بين العقاب والثواب باعتبار هدفهما واحد، فقد يولّد العقاب مشاكل للأطفال أبرزها العصيان الإنفعالي والعناد والكبت والعنف المماثل أو الكذب والكراهية  والخوف من الإذلال والألم، والثواب قد يدفع إلى رفض التقدّم دون مقابل، والغرور واحتقار الآخرين(3).

* مبادئ في العقاب:
إنّ أوّل ما يتبادر إلينا حين نفكر بالعقاب هو الصراخ والضرب(4)، في حين يفضي هكذا عقاب ببساطة إلى تكريس السلوك السيّئ، ويوقف حدوثه أمام الأهل فقط، ليتسلّح  الولد بالكذب ويصبح خبيراً في إخفاء سلوكه السلبيّ لا بل إنّ الأهل يقولون له "لا تدعني أراك تفعل ذلك ثانية"(5). إننا نهدف من صفع الولد إيقاف سلوكه السيّئ، لكنّنا لا نعلم أننا نجعله يفكّر كيف يتفادى العقاب، وليس في فعل ما هو صحيح وإيجابيّ. ويمكن اعتبار الضرب نموذجاً أوليّاً  لتجربة الطفل مع العنف، فالطفل يتعلّم بالملاحظة من الراشدين، وبعدها لن تنفع توجيهاتنا "لا تضرب... لا تؤذِ..!"، فالضرب يولّد ضرباً، والأهمّ أنّه يعطّل الاتصال السليم بين  الأهل وأولادهم(6)، لقد أوصى أهل البيت عليهم السلام في مدرستهم التربوية بعدم التعرّض للأطفال بالضرب، واللجوء إلى أساليب أخرى تترك تأثيراً بالغاً في نفس الطفل،  كالإعراض عنه وهجره بعض الوقت، كما أوصى الإمام الكاظم عليه السلام أحد أصحابه بعد أن اشتكى ولده، قائلاً: "لا تضربه واهجر ولا تطل"(7)، والهجر هنا بمعنى إظهار عدم  الرضا بأفعاله وعدم الاعتناء به(8). وقد يتدرّج العقاب في خطوات أبرزها:

- التركيز على هيبة الأب والأم واحترامهما.
- من لَعِبَ وقت الدرس، يدرس وقت اللعب.
- الثناء واللوم في آنٍ معاً (أنت مهذّب، كيف فعلت هذا!؟).
- التنبيه والتأنيب بهدوء ودون استهزاء.
- التحذير من العقوبات.
- الحرمان من المكافآت والثواب (نشاطات رياضية، ترفيهيّة...)(9).
- إيقاف المصروف اليومي مؤقتاً، أو دفع مقطوعة منه (غرامة).

لكنّ العقاب يغدو دون جدوى إذا لم يدرك الطفل سبب عقوبته، وإذا لم يتعلّم سلوكاً أو مهارة بديلة للسلوك غير المرغوب به. وفي الإطار نفسه، يقول علماء المدرسة السلوكية بوجوب تعرّف الطفل على حدوده، ليكون لديه نظام، يتطوّر ضمنه، وينمّي معارفه وسلوكه ومهاراته، ومن الأمثلة التي  يضربها السلوكيون، أنّه إذا كسر الطفل شيئاً، فعليه شخصيّاً إصلاح الوضع، فتطلب الأم إليه، جمع ما كسره بنفسه، ودفع ثمنه من مصروفه، وهنا يتعلّم الطفل نتيجة تصرّفاته  في الحياة(10). إذاً، للعقاب صورٌ مختلفة لا تنحصر بالضرب فقط، وما ينبغي التركيز عليه حال المعاقبة عدّة أمور:
- السيطرة على الانفعالات ومشاعر الغضب بالنسبة للمُعاقِب.
- الاكتفاء بأقل حدّ ممكن من العقوبة، فالهدف هو الإصلاح لا الإضرار والانتقام.
- أن يشعر الطفل أثناء العقاب بحرص الأهل وخوفهم على مصلحته.
- الالتفات إلى الحدِّ الشرعي، فاحمرار الجلد مثلاً، يوجب الدية، هذا ولا يجوز ضرب الطفل دون السبع سنين، والأحوط لثلاث عشرة سنة(11).
مع التأكيد أنه علينا تجنّب استعمال العقاب ما أمكن، فالعقاب لن يعلّم الطفل كيف يتصرّف بل كيف يتجنّب المربين، وقد يعلّمه السلوك السلبي كالغشّ مثلاً، خوفاً من تدنّي  العلامة، هذا بالإضافة إلى تحوّل الآباء إلى نماذج للعدوانية في نظر الطفل(12).

* مبادئ في الثواب:
إذا كان الآباء يهتمّون لأمر أبنائهم فعلاً، فيعاقبون لتصحيح الخطأ، فلا بدَّ أن يكافئوهم عند احترامهم للنظام وتحقيقهم للتقدّم المطلوب، بهدف ترغيبهم وتحفيزهم وتعزيز سلوكهم  الإيجابي وتعميمه. فالثواب هنا ضروريٌّ لتشجيع تكرار السلوك الهادف، وتعزيز ثقة الإنسان بنفسه، وتنمية ميوله نحو الأفعال الحميدة التي قام بها وأُثيب عليها. ويكون الثواب عبر اعتماد الحوافز المعنوية كالمديح، والشكر، التنويه، التشجيع، العلامات الجيدة، الاحتضان والتقبيل، وعبر الحوافز الماديّة كالألعاب، الأوسمة، الصور،  الكتب، الجوائز، زيادة المصروف، والأنشطة الترفيهيّة الملاهي...، وهذه جميعاً تضفي الحماسة والرغبة العالية في نفوس الصغار. يروى عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه عندما أمر الحسن عليه السلام بارتقاء المنبر، ففعل وألقى خطبته، صعد إليه علي عليه السلام وقبّله بين عينيه(13). إنّ اعتماد هذا الأسلوب يعزّز ثقة الأولاد بأنفسهم، ويساعدهم على إزالة اليأس، وتحمّل الصعاب والاستمرار نحو الهدف المنشود، فكلّ ترغيب وتحفيز يجدّد النشاط والعزيمة  والهمّة(14)، ولا يخفى ما للثواب من أثرٍ في توطيد أواصر المحبّة والودّ والاحترام بين الأهل وأبنائهم أو بين المعلم وتلاميذه، ما يدفع الطفل لخوض المنافسة الشريفة  لتحقيق الأفضل... وما ينبغي الالتفات إليه، أن لا نثيب الطفل إذا تفوّق فقط، بل عندما يتقدّم، أو يحسّن أخلاقه ويتخلّى عن بعض العادات السيئة. كذلك، يجب عدم نثر المكافآت كي لا يستخفّ الولد بقيمتها، فالجوائز تقدّم فقط عندما يستحقُّ الإنجاز والتقدّم ذلك. واستخدام أسلوب الترغيب والثواب بشكل غير مدروس، يؤدي إلى نتائج سلبيّة، كزرع روح التنازع والحسد والبغضاء والتحامل(15)، وهنا تبرز أهمية وعي المربّي في  التربية على التنافس الأخويّ اللطيف، والتكيف مع المجتمع المحيط، والعمل بما يرضي اللَّه (عزَّ وجلَّ). ختاماً، لا مانع أبداً، من عقد اتفاقيّة ضمنيّة بين المربّي والطفل، ترسم الحدود الأساسيّة، وكذلك جدول المحفّزات والمعزّزات، وبناءً عليه تُسحب أو تُمنح، ويُعاقب الطفل أو  يُثاب، متقبّلاً الجزاء كنتيجة طبيعيّة لسلوكه سلبياً كان أو إيجابياً. وننهي بقول الرسول صلى الله عليه وآله: "قال: رحم اللَّه من أعان ولده على برّه.. قيل: وكيف يعينه على برّه؟ قال: يتقبَّل ميسوره، ويتجاوز عن معسوره، ولا يرهقه، ولا يخرق به أي يتعبه "(16).
 


 (1) و(9) كشافة الإمام المهدي عجل الله فرجه، مطالب دورة الشارة التحضيريّة، لا ط، بيروت، لا ناشر، 2002، ص‏25.
(2) و(3) أوبير (رونيه)، التربية العامية، ط5، بيروت، دار العلم للملايين، 1982، ص‏706 705.
(4) و(15) و(16) جماعة من أساتذة التربية، المعلّم والتربية، لا ط، بيروت، الشركة العالمية للكتاب، ص‏134 127.
(5)و(6) وايكوف جيري، يونل باربارة، التأديب من دون صراخ أو صفع، ط1، بيروت، الدار العربية للعلوم، 1999، ص‏16.
(7) و(11) و(13) و(14) الطبسي (محمد جواد)، حقوق الأولاد في مدرسة أهل البيت عليهم السلام، لا ط، بيروت، دار الرسول الأكرم، دار المحجة البيضاء،
1414هـ، ص‏90 - 92 - 98 - 100.
(8) فلسفي (محمد تقي)، مختصر الطفل بين الوراثة والتربية، ط1، بيروت، مؤسسة الوفاء، 1984 - 1404، ص‏150.
(10) و(12) الزيود (نادر فهمي)، علم النفس المدرسي، ط1، عمّان، لا ناشر، 1989، ص‏127.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع