نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

العمل سيرة الأنبياء والرسل

السيد جعفر مكي‏

 



قال اللَّه تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا(النساء: 124).

* معنى العمل:
قال ابن منظور في تعريفه للعمل: "العمل المهنة والفعل والجمع أعمال..."(1). واتفق أهل اللغة أن العمل هو الفعل الصادر عن القصد والعلم، وما كان صادراً سهواً وبدون تفكر وعلم لا يكون عملاً بل يطلق عليه (فعل)(2). والعمل في اصطلاح علماء الاجتماع هو ما يقوم به الإنسان من نشاط إنتاجي سواء كان في شكل مهنة أو وظيفة أو حرفة(3)، فلا بد أن يكون العمل بنظرهم له قيمة اجتماعية وهذه القيمة تحصل نتيجة العمل في النشاط الاجتماعي الذي ينعكس ايجابياً على حياة المجتمع. وأما معنى العمل في اصطلاح علماء الاقتصاد فقد عرّفوه بأنه المجهود الإنساني الذي يؤدي إلى خلق المنفعة أو زيادتها(4)، وأيضاً يمكن تعريفه أنه مجهود إرادي عقلي أو بدني، يتضمن التأثير على الأشياء المادية، وغير المادية، لتحقيق هدف اقتصادي مفيد(5).

* العمل في القرآن الكريم:
وردت في القرآن الكريم آيات عديدة تتحدث عن العمل أو مفرداته، وقد وردت في القرآن الكريم مئة وثمانية آيات تتحدث عن الفعل(6)، ووردت مادة كسب سبعة وستين مرة بصيغ مختلفة(7) ووردت مادة عمل ثلاثمائة وستين مرة في القرآن الكريم وأيضاً بصيغ مختلفة(8) وهي تتضمن أحكاماً شاملة للعمل والعامل وتقديره لمسؤولياته وما هناك من ثواب وعقاب وأجر ومغفرة، ومن هذه الآيات المباركات التي حثّت على العمل الصالح وما يترتب عليه من بركات اللَّه تعالى وغفرانه: قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين (فصلت: 33). وقوله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (النحل: 97).  وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (النساء: 57). إلى غيرها من الآيات الكريمة التي دعا اللَّه فيها الناس إلى العمل وحثهم على أن يكونوا مجتهدين في حياتهم يتمتعون بالجد والنشاط مبتعدين عن الحياة السلبية والانكماش والانزواء والكسل والتخلف.

* العمل في الأحاديث الشريفة:
استفاضت كتب الأحاديث وحفلت بالروايات الداعية إلى العمل المعيشي ومطلق العمل. نذكر مقتطفات منها: فقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: "ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي اللَّه داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده"(9). فهنا دعوة صريحة منه صلى الله عليه وآله إلى كسب العيش بجهد وعمل الإنسان الشخصي وأن طعامه هذا هو خير الطعام وأفضله. وروي أيضاً عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: "لئن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه"(10). فإن العمل شرف للإنسان، وكرامة وخير له من أن يسأل الناس ويعيش عالة عليهم، فبالعمل يحتفظ الإنسان بكرامته وهو خير له من تحمل منّة الناس. وهذه النصيحة غالية يجدر بنا جميعاً العمل بها ولا نتكاسل عن أي عمل أنفة منه أو حياءً "وذكر أن الأصمعي اجتاز سكافاً يصلح للناس أحذيتهم وهو ينشد:

وأكرم نفسي إنني إن أهنتها
وحقك لم تكرم على أحد بعدي‏



فقال له الأصمعي: كيف أكرمتها وهذا عملك؟!  فجاوبه السكاف جواباً بليغاً وقال له: لقد أكرمتها حين أغنيتها عن سؤال لئيم مثلك". فالإسلام لا يرضى أن نعيش عالة على الغير أو أن نتكل على الدعاء ليرزقنا اللَّه تعالى من غير عمل. فقد جاء في الحديث الشريف: "إن اللَّه يكره العبد فاغراً فاه يقول: يا رب ارزقني" فإن اللَّه تعالى خلق الأشياء وربطها بأسبابها الطبيعية وليس للإنسان أن يترك ذلك لأنه يلزم منه الإخلال بالنظام وعدم استقامة الحياة. والإسلام يعتبر العامل أعظم أجراً في بعض الحالات من المجاهدين وقد قدَّم اللَّه تعالى ذِكرهم في القرآن الكريم على المجاهدين بقوله تعالى: ﴿مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآَخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (المزمل: 20) وعن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال: "الذي يطلب فضل اللَّه ما يكف به عياله أعظم أجراً من المجاهد في سبيل اللَّه" فما أجمل هذه المعاني التي يكرم فيها اللَّه تعالى العامل ويخصه بالتبجيل والاحترام وتقديس عمله.

* العمل من سيرة الأنبياء والرسل:
ويعد العمل من سيرة الأنبياء والرسل والمصلحين، ويكفي العامل شرفاً أن اللَّه تعالى ما بعث نبياً إلا كان عاملاً كادحاً وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "إن اللَّه أوحى إلى داود عليه السلام يا داود إنك لنعم العبد لولا أنك تأكل من بيت المال، ولا تعمل بيدك شيئاً، قال: فبكى داود أربعين صباحاً فأوحى اللَّه إلى الحديد أن ألن لعبدي داود فلان له الحديد، فكان يعمل في كل يوم درعاً". لقد كره اللَّه لعبده ونبيه داود عليه السلام أن يكون عاطلاً عن العمل ويأكل من بيت المال من دون أن يكدح ويأكل من ثمرة تعبه، وأيضاً كان سيد الرسل والبشرية الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله قبل البعثة يرعى الأغنام لأهله ويتجر في أموال السيدة خديجة، وبعد البعثة كان صلى الله عليه وآله يعمل مع أصحابه ويشاركهم في أتعابهم وأعمالهم ولم يكن له صلى الله عليه وآله تفوق عليهم أو تميز بل كان إلى جانبهم يعمل معهم بيديه الشريفتين. وكذلك حرّض أئمة أهل البيت عليهم السلام المسلمين على العمل وكانوا سلام اللَّه عليهم يعملون بأنفسهم ليقتدي بهم الآخرون وروي أن الإمام الصادق عليه السلام كان يعمل في بعض بساتينه ومرّ أحد أصحابه وقال: رأيت أبا عبد اللَّه عليه السلام وبيده مسحاة وعليه إزار غليظ والعرق يتصاب منه، فقلت له: جعلت فداك أعطني أكفك. فقال عليه السلام له:" إني أحب أن يتأذى الرجل بحر الشمس في طلب المعيشة". نعم لقد حث الإسلام على العمل، ونعت العمال بأنهم أحباء اللَّه وأودّاؤه وحث على الابتعاد عن الكسل وحرّم البطالة ومقتها لأنها تؤدي إلى الفقر وذهاب المروءة وإلى الاستخفاف بالناس. والسلف الصالح كانوا لا يألفون الراحة ولا يخلدون إلى السكون والبطالة، اقبلوا على العمل والتجارة ومعاركة الحياة وكانوا مثالاً لقول ووصية الإمام الصادق عليه السلام: "لا تكسلوا في طلب معائشكم فإن آباءنا كانوا يركضون فيها ويطلبونها".


(1) لسان العرب: ج‏4، ص‏3108 3107.
(2) معجم مفردات ألفاظ القرآن: ص‏360، مادة (عمل).
(3) علم الاجتماع المهني أو اجتماعيات العمل، ص‏38.
(4) الاقتصاد السياسي الحديث: ج‏1، ص‏199.
(5) الصحاح: ج‏4، ص‏2516، مادة (نما).
(6) المعجم الاحصائي: م‏1، ص‏513.
(7) المصدر نفسه، م‏1، ص‏529.
(8) المصدر نفسه، م‏1، ص‏499.
(9) صحيح البخاري، ج‏3، ص‏74.
(10) المصدر نفسه، ج‏3، ص‏75.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع