نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أمراء النصر: الجريح حسن منّاع‏

علي كريّم‏

 



بطاقة الهوية:
الاسم: حسن مناع.
اسم الأب: أحمد.
اسم الأم: فاطمة كنعان.
مكان وتاريخ الولادة: البرج الشمالي 1968.
الوضع العائلي: متأهل.
عدد الأولاد: 4.
نوع الإصابة: فقدان العين اليسرى وإصابة في الرأس.
مكان الإصابة: منطقة اللُّويزة جنوب لبنان.
تاريخ الإصابة: 21-11-1988.

على أوتار دمائهم عزفوا لحن الجرح، وعلى أنياط قلوبهم ارتسمت دروب النصر، وهي التي ما عرفت إلا اللَّه وما عرفها حقاً إلا هو وحده، إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً متناثراً من عالم التوحيد، ثم إذا رأيتهم حسبتهم آياتٍ للباري اختزنها بين ظهراني عباده، بركاتِ نورٍ في غياهب الظلمة، وسِماتٍ خلوص تستوجب لنا الرحمة... ترى أي سر من ذاك العالم يحملوه، إنهم لحق وعد اللَّه يوم لقائه إذ يكون المسك ريحهم، والزعفران لونهم، والشهادة طابعهم، بل ألف شهادة أجرهم ولو كان الفراش مماتهم... فما بالك، إذا كان الجرح جرحين، ومع كل يعود الجسد بإذن اللَّه سالماً معافىً ببركة الإخلاص في الدعاء والعبادة، كان يمسي جريحاً ويصبح وكأن شيئاً لم يكن... تلك هي قصة الجريح المجاهد حسن منَّاع، الذي أصيب مرتين وفي كل مرة تكون الإصابة بالغة، وكلاهما كانتا في الرأس، ولكن العهد مع اللَّه في المضي دوماً في دربه حتى الشهادة يُبرئ الجرح، تلك حقاً هي معجزات اللَّه في خلقه...

منذ أن التحق حسن بالعمل الجهادي، لم يعرف التعب يوماً سبيلاً إلى شموخه، ولم يضعف الوهن عزيمته وهو الحاضر على امتداد ساحات الجهاد بروحه وعقله وجسده، وما كان للَّه لا بد وأن تكتنفه الرعاية الإلهية، وتدفع عنه كلَّ سوء وضرر. ففي المرة الأولى، أصيب حسن إصابة بالغة في رأسه وعينه اليمنى، ولشدَّة الإصابة، كان الحديث عنه أنه بات أقرب ما يكون للشهادة، في حين أن حسن لم يكن يشعر سوى بذلك الإطمئنان المُودَعُ في قلبه، على الرغم من عدم الرؤية وعدم القدرة على تحريك الجسد، أليس هو ذلك القلب المخلص للَّه ورسوله صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام. ينقل والد الجريح بأنه عندما ذهب إليه لعيادته في المستشفى، أيقظه، فإذا به يقطع عليه الرؤيا التي كان يرى فيها أنه يؤدي فريضة الحج مع السيدة زينب عليها السلام والشهداء الأبرار. وعندما إستيقظ طلب من والده أن يزيلوا عن عينه اليمنى الضماد لأنه بات يرى بها مع أن الأطباء قد أكَّدوا أن عودة العين للرؤية بشكل سليم أمر شبه مستحيل، بل أنه أمر لا جدل فيه. لكن الطبيب فوجي‏ء بما حدث له: ذهب حسن للعلاج في الخارج ثم عاد مجدداً إلى محاور المقاومة، التي لم يفكر هو يوماً بمغادرتها مهما كانت الصعاب. في العام 1992، كانت الإصابة الثانية، جرّاء إغارة طيران العدو الإسرائيلي على عين بسوار، حيث أُصيب حسن من جديد في رأسه، وظن الأخوة أنه قد استشهد، تم نقله سريعاً إلى المستشفى، إذ أُجريت له عملية جراحية عاجلة، علَّها تُسعفه، خاصة مع حديث الأطباء بأن نسبة احتمال البقاء على قيد الحياة لا تتجاوز ال1%، ولكنهم لم يكونوا على دراية حقيقية بما تختزنه ال1%، تلك ال1% التي كانت تحمل معاني العشق الإلهي، تحمل رسالة محمد صلى الله عليه وآله، نهج علي عليه السلام ونور فاطمة عليها السلام وقد غلبت نسبة 99%...

شُفي حسن بعد شهر من العلاج، وأصر على العودة إلى محاور المقاومة على الرغم من تمني الأخوة عليه بأن يعود إلى البيت ليأخذ قسطاً من الراحة، لكنه كان واثقاً بأن حضوره في ساحات المقاومة سيعطيه أملاً أكبر بالشفاء الكامل والراحة والاستمرارية في العمل، لأنه قد عاهد اللَّه على المضي في هذا الدرب مهما كانت المصاعب حتى يرزقه اللَّه الشهادة. لقد عاش حسن في كنف أسري يعبق بالجهاد والشهادة، فمن والده الذي عمل مع المقاومة، إلى أخوه الشهيد إبراهيم منَّاع، إلى زوجته شقيقة الشهيد عباس خريباني (محراب). عند إصابته الأولى لم يكن حسن قد تزوج بعد، ولكن عند الثانية كان متزوجاً، وأباً لابنه البكر محمد، ومن ثم رزقه اللَّه من بعد ذلك ثلاثة أبناء، وذلك عاقبةً لصبره وعطاءً من الباري عزَّ وجلَّ لإخلاصه، وهذا ما تنقله زوجة حسن، إذ أنها تستحضر دائماً دوافع الصبر والتحمل إزاء أي صعوبة قد تواجهها، كيف لا وحسن بات مدرسة في الصبر والإخلاص. يدأب حسن عند عودته من العمل على الجلوس مع زوجته وأبنائه لرعاية متطلباتهم، كما ويحرص على الذهاب بهم إلى أكناف الطبيعة، وقبل ذلك إلى زيارة قبور الشهداء، لا سيما شقيقه، ويعمد دائماً إلى أخذ أبنائه إلى المسجد والإشراف على تربيتهم وتعليمهم للقرآن، وذلك لما لأهمية المسجد في بناء البعد الرسالي في حركة المقاومة، وأهمية القرآن في تبيان طاعة اللَّه كأساس في شخصية الإنسان المؤمن المجاهد...

ولم يكن ليقصر الاهتمام بهذه الجوانب تجاه أبنائه فحسب، بل هو شديد الاهتمام والحرص بمتابعة النشئ والفتيان، والمبادرة إلى تعليمهم وتذكيرهم باللَّه وأهل بيته عليهم السلام والعبادة والدعاء وتلاوة القرآن، وذلك بغية سلوك الجميع نفس الخط، وتأمين الرافد المستمر لهذه المسيرة، لذا كان شديد الاهتمام بالمطالعة والتعلم والمعرفة، لأنه يدرك تماماً أهمية العلم في بناء شخصية المؤمن، وأهمية العلم في المعركة مع العدو، وأهمية العلم كعنصر قوة للمقاومة وكسلاح حاضر على الدوام، واللَّه سبحانه وتعالى يبارك ويباهي بالمؤمن العالم وينير له الدرب. هذا ناهيك عن البعد الإنساني في شخصية حسن، والذي يتلمسه كل من يعاشره، فهاهو قد وطّن نفسه لخدمة صديق طفولته قاسم، المصاب بشلل نصفي، إذ دائماً يعوده ويعمد إلى الخروج معه وتلبية متطلباته وهو قاسم المقعد العاجز عن القيام بذلك بمفرده. لقد زرع حسن الأمل والحنان فيه. "واللَّه لئن قطعتم يميني، إني أحامي أبداً عن ديني، وعن إمامٍ صادقِ اليقين..." تلك كلمات مولانا أبي الفضل العباس سلام اللَّه عليه إنغرست في قلب حسن وإمتدت جذورها إلى عمق فؤاده، فأينعت إخلاصاً وحباً وتفانياً في الذود والدفاع والنصرة لبقية اللَّه في أرضه عجل الله فرجه فهنيئاً له إخلاصه ومباركة لنا جراحاته.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع