نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

في رحاب بقية اللَّه‏: اعرف إمامك‏

الشيخ نعيم قاسم‏


قال تعالى: "يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً * وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيل" (الإسراء: 71- 72). تُبيِّن الآية الكريمة دور أئمة وقادة المجموعات البشرية، حيث يكون الاستدعاء للحساب في يوم القيامة مقترناً بالموجِّه، الذي أعطى التعليمات، وربَّى، وثقَّف، وقادَ، وحدَّد المنهج الذي تسير عليه جماعته، وهذا ما يُبرز دور إمام كل مجموعة بشرية في تصويب مسارها أو حرفها، ومسؤولية كل واحد من البشر في اختياره لإمامه، لما يترتب على هذا الاختيار من صلاح أو فساد، وثواب أو عقاب.

* لكل زمان إمام‏
ذكر العلامة السيد الطباطبائي في تفسير الميزان تفصيلاً لهذه الآية فقال: "عن الفضيل قال:
سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله: "يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ"، قال: يجي‏ء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قومه، وعلي عليه السلام في قومه، والحسن في قومه، والحسين في قومه، وكل من مات بين ظهراني إمامٍ جاء معه. وفى تفسير البرهان، عن ابن شهر آشوب، عن الصادق عليه السلام: ألا تحمدون الله؟ إنَّه إذا كان يوم القيامة، يُدعى كلُّ قوم إلى من يتولونه، وفزعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفزعتم أنتم إلينا. أقول: ورواه في المجمع، عنه عليه السلام، وفيه دلالة على أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إمامُ الأئمة، كما أنَّه شهيد الشهداء، وأنَّ حكم الدعوة بالإمام جارٍ بين الأئمة أنفسهم. وفي مجمع البيان، روى الخاص والعام، عن علي بن موسى الرضا عليه السلام، بالأسانيد الصحيحة، أنه روى عن آبائه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال فيه: يُدعى كلّ أناس بإمام زمانهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم. أقول: ورواه في تفسير البرهان، عن ابن شهر آشوب، عنه، عن آبائه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلفظه، وقد أسنده أيضاً إلى رواية الخاص والعام. وفي الدر المنثور، أخرج ابن مردويه، عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ" قال: يُدعى كل قوم بإمام زمانهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم. وفي تفسير العياشي، عن عمار الساباطي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا تترك الأرض بغير إمام، يحل حلال الله ويحرم حرامه، وهو قول الله: "يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ"، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية. الحديث. أقول: ووجه الاحتجاج بالآية، عموم الدعوة فيها لجميع الناس"(1).

إنَّ دور الإمام القائد أساسي في حياة الناس، وقد اختار الله تعالى أئمة الهدى المعصومين، "إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِير" (الأحزاب: 33)، ليكون التوجيه سليماً بالكامل، ويحقق الطمأنينة بنتيجة الأعمال، ذلك أن الارتباط بأفراد يجتهدون بآرائهم وتجاربهم الشخصية، ويعانون من نقص في الرؤية المتكاملة، ويكثرون من الأخطاء بسبب جهلهم، يضيِّعون من معهم، ويشتِّتون إمكاناتهم، ويحمِّلونهم تبعات الانحراف.

* معرفة إمام الزمان‏
من هنا حثُّ المؤمن على أن يبحث عن إمام زمانه، ليعرف طريق الخلاص الحقيقي، ويستقيم مساره في الدنيا، وإلاَّ مات ميتة جاهلية، لأنَّ أي خيار لا يوصل إلى المعصوم خيارٌ ناقصٌ وخاطئ، وبالتالي فإنَّ الانحراف يتراكم بسبب العجز والجهل، فيؤدي إلى خيار مختلف عن الإسلام، وهو خيار الجاهلية.
عن الفضيل بن يسار، قال: ابتدأنا أبو عبد الله عليه السلام يوماً وقال عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مات وليس عليه إمام، فميتته ميتة جاهلية.
فقلتُ: فكل من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية؟
قال صلى الله عليه وآله وسلم: نعم"(2).
وعن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية"(3).
وعن الإمام الصادق عليه السلام، عن آبائه عليه السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أنكر القائم من ولدي في زمان غيبته(ف) مات (فقد مات) ميتة جاهلية"(4).
سُئل الإمام العسكري عليه السلام عن الخبر المروي عن آبائه عليه السلام: "أنَّ الأرض لا تخلو من حجةٍ لله على خلقه إلى يوم القيامة، وأنَّ من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية.
فقال عليه السلام: إنَّ هذا حقٌ كما النهار حق.
فقيل له: يا ابن رسول الله فمن الحجة والإمام بعدك؟
فقال عليه السلام: ابني محمد، هو الإمام والحجة بعدي، من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية. أما أنَّ له غيبة يحار فيها الجاهلون، ويهلك فيها المبطلون، ويكذب فيها الوقَّاتون"(5).
لم يترك الله جلَّ وعلا الدنيا بغير إمام منذ آدم عليه السلام، فعن الإمام الكاظم عليه السلام: "ما ترك الله عزَّ وجل الأرض بغير إمام قط، منذ آدم عليه السلام، يُهتدى به إلى الله تعالى عزَّ وجل، وهو الحجة على العباد، فمن تركه ضل، ومن لزمه نجا، حقاً على الله عزَّ وجل"(6).
ولو بقيت الأرض بغير إمام، لساخت واختلَّ التوازن البشري فيها، وحصل نقصٌ كبير بعدم توفير مقوم أساس من مقومات الهداية الإلهية. فعن أبي حمزة الثمالي يسأل الإمام الصادق عليه السلام: أتبقى الأرض بغير إمام؟ فأجاب عليه السلام: "لو بقيت الأرض بغير إمام ساعة لساخت"(7).

إنَّ معرفة الإمام تؤدي إلى حسم المنهج والخيار، سواءً اتصل المؤمن بإمامه مباشرة، أو اتصل بمن يحملون رايته ومنهجه ويوصلونه إلى الاقتداء به وبتوجيهاته ومواقفه، أي أنَّ الارتباط بالإمام الذي يُنقذ من الجاهلية يتحقق بمعرفته والاقتداء به، وبالتالي عندما نكون في زمن الغيبة الكبرى للإمام المهدي(عج) كما هو حالنا اليوم، فإنَّ معرفتنا بإمامته، وسيرنا على منهجه، يرسم لنا طريق النجاة، ولا يضرنا إذا تقدم الظهور وكان سريعاً وعاجلاً، أو تأخر عن زماننا وكان مؤجلاً، لأنَّ بركاته ونتائج الإيمان به تكون قد تحققت في حياتنا وأدائنا، وهذا هو الهدف الحقيقي من تحديد الإمام القدوة لإتِّباعه. عن الإمام الباقر عليه السلام: "من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية، ومن مات وهو عارف لإمامه لم يضره تقدَّم هذا الأمر أو تأخر، ومن مات وهو عارف لإمامه كان كمن هو مع القائم في فسطاطه"(8).


(1) السيد الطباطبائي، تفسير الميزان، ج‏13، ص‏170 171.
(2) الشيخ الكليني، الكافي، ج‏1، ص‏376.
(3) مسند أحمد، ج‏4، ص‏96.
(4) الشيخ الصدوق، كمال الدين، ص‏413.
(5) المصدر نفسه، ص‏409.
(6) المصدر نفسه، ص‏221.
(7) المصدر نفسه، ص‏201.
(8) الشيخ الكليني، الكافي، ج‏1، ص‏371.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع