نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مجتمع‏: في مواجهة العدوان: مقاومون على جبهة الثقافة


ولاء إبراهيم حمود


عندما تتعرض أمتنا للعدوان، يمتشق المقاوم سلاحه، ويواجه، ويتأبط المسعف محفظة إسعافاته الأولية، ويعدو إثر المقاوم، يحنو على جراحه، يعالجها، فينقذه مشاركاً إياه شرف المواجهة والتحدي. ترى ماذا يفعل الأديب أو الشاعر "بالقرطاس والقلم" عندما تحتدم المعارك ويقع الجرحى ويرتفع الشهداء؟ سؤال طرحته منذ عشرين عاماً على أستاذي الجامعي الذي أجابني ساخراً: "يلقي فوق رأس الجريح قصيدةً تساهم في تعجيل أجله، فيرتاح من آلامه". ومنذ ذلك الحين عكست هذه الإجابة مساحة خالية من هم البحث في وجداننا عن المعرفة الحقيقية، لدور المثقف أثناء المواجهة. بَيْدَ أن ما حدث في عدوان تموز 2006، كان منعشاً، موقظاً لسؤالي من سباته، فطرحته مجدداً على مثقفين ساهموا سراً وعلانية في شرف المواجهة. والمجلة إذ تختار النماذج الواردة في التحقيق تحتفظ بالتقدير لكل الأدباء والشعراء والفنانين والرسامين والمنشدين والاعلاميين الذين كانت لهم مساهمات فعالة في المقاومة الثقافية.

- القلم المقاوم‏
بعد أن كان طيلة أيام العدوان رفيقي؛ ولأن "أهل مكة" أدرى بشعابها، بدأت مع أهل بيت المقاومة تحقيقي، ومن الجريدة الأسبوعية، التي رافقتها منذ لحظة الولادة الأولى وشاركتها جهادها، مع الكاتب حسن نعيم، مسؤول الصفحة الثقافية في جريدة "الانتقاد" الأسبوعية، "العهد" قديماً. يرى نعيم: "أن الصراع مع العدو الإسرائيلي لا يقتصر على البندقية، فعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن إرادة القتال والمقاومة، لا تأتي من فراغ، إنما من بيئة ثقافية، ترفدها الأقلام بنتاجاتها الأصيلة، التي تعلي البناء القيمي في النفس البشرية، وتحضّها على فعل الخير والجهاد في سبيل الله". من هذا الدور التأسيسي للثقافة في فعل المقاومة، يرى نعيم: أن الكاتب كغيره من البشر يكتوي بنار الحرب، لكنه يختلف عن سواه بقدرته على تحويل مادتها الأليمة، إلى مادة إبداعية لها خصوصيتها، التي لا تختلف جوهرياً عن المادة الخام الأولية إلا في الشكل. والخشية التي يراها نعيم هي من انسياق الكاتب وراء رغبات الجمهور، فيقدم أعمالاً خطابية شعاراتية تعكس الواقع كما هو وهنا مقتل العملية الإبداعية.

- الريشة المقاومة
أما عبد الحليم حمود الذي يرصد في الأسبوعية ذاتها الواقع برسوماته الكاريكاتيرية وبمقالاته الفنية، فقد استبدل أثناء العدوان "القرطاس والقلم" بشاشة الإنترنت فاتحاً معركة أخرى على مواقع العدو الصهيوني، "يقصفها عبر موقع المقاومة الإسلاميَّة" ودون انقطاع؛ رداً على المناشير التي ألقتها الطائرات المعادية وهي محمَّلة بكاريكاتورات ساذجة. لقد صاغ عبد الحليم حمود مائة رسم كاريكاتوري على وقع دويِّ الصواريخ "الغبية"، أصبحت بعد إنجلاء غبار المعارك، كتاباً يؤرِّخ للنصر بعنوان (أسطورة تهزم "أسطورة")، ويستشهد بآراء "إسرائيلية" تقرُّ وتعترف بالهزيمة.

- الكلمة المقاومة
أما الشاعر لامع الحر، الذي التمعت وبإلقائه المباشر فوق ركام المربع الأمني الشهير كلمات قصيدته "يا سيد البحر وسيد اليابسة" في عمق إحساسنا بالمشهد الناجع ولكن الذي ينبض مقاومةً، فقد رأى للشاعر في لحظات المواجهة دوراً ريادياً، يجعل منه: "وجوداً متوغلاً في كنه الوجود، لاكتشاف الذات والمحيط والسنابل التي تحدِّق في ثنايا المكان لاختلاس فرصة انبجاسها العظيم". لم يرَ لامع الحر للشاعر دوراً تحريضياً، ولا خطابياً أو سياسياً بالمعنى المباشر، في لحظات المواجهة، بل رآه: "متوغلاً في عمق الأرض، نَسغاً منزرعاً فيها يعطي التراب تلك الرعشة التي تفوح بيارق خصب وأهازيج جمال واستغراقاً رائعاً في فضاء الحكمة الإلهية". ومما رآه لامع الحر في إجابته الشعرية: "أن الشاعر يحكم على نفسه بالذبول والموت عندما يعزل نفسه عن حركة مجتمعه، بينما يستطيع في انصهاره في قضايا ذلك المجتمع أن يسهم في صنع الحياة، وفي تحديد سمات المستقبل الذي نريد وفي حشد المزيد من الضوء، الذي يتوهج في الأفق، كأنه العلامات الأولى لملامح العصر الجديد".

- الصوت المقاوم‏
رأى علي العطار، الذي كان نشيده صداحاً بين ركام الأرض "وغربان" الفضاء الحاقدة ( طائرة M.K) "سيوف النصر معلايي"، أن دوره كمنشد، "هو جزءٌ لا يتجزأ من عمل المقاومة وأن إنشاده لهذا النشيد فوق الركام، في عز احتدام المعارك، هو تعزيزٌ لهذا الدور، وتحد صارخٌ لهذا العدو، نابعٌ من مدرسة عاشوراء، صنو المقاومة الإسلامية، التي كان يغنيها وينشدها موقناً بالنصر، مؤمناً به. وقد كان يحضّر لهذا الوعد العظيم للنصر الآتي، أهازيجه وأناشيده، مواكباً طلقات المقاومين وصواريخهم شاعراً مع رفاقه في فرقة الولاية، بعزتهم ورجولتهم، وقد كانوا رُسُل المقاومة الذين أدّوا الأمانة التي حملوها من السيد حسن نصر اللَّه إلى عواصم العالم وهي إهداء النصر إلى كل حرٍّ، أبي شريف" ويكفي علي العطار فخراً أنه شريكٌ للمقاومين في جهادهم. وقد استُقبلوا في البحرين وسواها "بالمحبة والاعتزاز ذاته الذي يُستقبل به رجال اللَّه مقاومونا الأبطال في كل مكان".

- الشاشة المقاومة
لم تنزوِ المرأة المثقفة، أثناء مواجهة العدوان، في ملاجئ الخوف من القصف أو في ثياب الحزن على الشهداء. لقد أطلَّت من أشدِّ الأماكن خطورةً واستهدافاً، فعبر شاشة منار المقاومة، أطلت فاطمة بري بدير، يسبقها تاريخها الإعلامي "وحَمْلُها المقاوم"، تستقبل اتصالات المواطنين وتذيع الملاحق الإخبارية العاجلة. وعن هذا الدور الفذ، تحدَّثت فاطمة عن شعورها واقفةً في قلب الحدث: كانت بطريقةٍ ما استشهادية عاشت عن كثب شعور الاستشهاديين. كانت عيناً ثابتةً على الكاميرا يحدوها فرح المشاركة في معركة الوعد الإلهي، وأخرى "مختلسة"، على السقف الذي فوقها تنتظر هبوطه في أي لحظة تعثر عليها فيها طائرات الرصد الحاقدة، لتنال الشهادة بإرادة اللَّه. وقد اختلطت الأجساد مع عناصر الإضاءة والصَّوت والكاميرات.. فخرٌ لم تكن فاطمة بري بدير تحلم به. لكنه بعضٌ من "حسنات" حرب تموز التي ستروي لأولادها وأحفادها وبعد عشرات السنين تفاصيلها وحكاياتها.

- الأثير المقاوم‏
أما رباب الحسن رائدة العمل الإذاعي الإسلامي المقاوم، فقد تابعت عملها الإذاعي ليلاً ونهاراً "فقط"، وكأن الفضاء اللبناني كان خالياً من "غربان" الحقد الصهيوني ونعيق "البوم" الأميركي: كانت تصل المناطق عبر صوتها الممتد جسراً بالمناطق عبر الاتصالات الهاتفية التي تطمئن النازحين على أبنائهم المفقودين. كان نجاحها في مهمتها يشعرها أنها واحدةٌ من المجاهدين على الثغور. تتحدَّث رباب عن الشهادة التي كانت ترجوها لنفسها في كل لحظة، ومعتبرةً أن سوء حظها قد حال بينها وبين تلك اللحظة العظيمة التي لا ينالها إلا كلُّ ذي حظ عظيم، وشرحت رباب كيف كانت طائرات "M.K" تراقب رحلة العودة ليلاً من الإذاعة إلى المنزل في الزواريب المظلمة دون استعمال مصابيح الإضاءة تحدياً لقوانين السير "الإسرائيلية" في العتمة المضاءة بنور المقاومة. كان المهم أن يصل صوت "النور" سلاماً بين المقاومة وأهلها... حتى هدأةِ الفجر. إذاً تحت "مثار النقع" الصهيوني الحاقد وقبل أن يضع العدوان الأثيم أوزاره، وتحت وطأة صواريخهم الفراغية التي كانت تسوِّي المجمَّعات السَّكنية بالأرض فوق رؤوس ساكنيها الآمنين، حلقت نسور المقاومة الثقافية. لقد أثبتت مواجهة عدوان تموز 2006 الفعل الثقافي الذي يستطيع تجاوز الصدمة الكهربائية للحزن المروِّع أو للفرح المفاجئ هو فعلٌ ثوريٌ مقاومٌ، واع للمخاطر والتحديات، وأن النص المكتوب أو اللوحة المرسومة أو النشيد الصادح على وقع دوي الرصاص وأزيز الطائرات وحده المسؤول عن صياغة الوجدان المقاوم للأزمنة الآتية، وأنه النص الأكثر صدقاً وقدرة على حمل حرارة اللحظة الشجاعة المقاومة إلى أجيال الزمن القادم.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع