أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

قرآنيات‏: شغف علماء الشرق والغرب بالقرآن الكريم‏

الشيخ حسين كوراني

 



ورد في الحديث الشريف أن: "القرآن ربيع القلوب"، وورد في حديث شريف آخر: "شهر رمضان ربيع القرآن". كان القرآن الكريم منذ أن نطق به اللسان الشريف للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله مهوى قلوب أهل اللغة والبيان، ورواد البلاغة والفصاحة. ولم يقتصر تأثيره على هؤلاء، ولا من هذه الجهة فقط، إنما غرس القرآن الكريم في قلوب كل المتدبرين من قارئيه مضامين قيمية وإنسانية طلب اللَّه سبحانه حصولها كنتائج للمتدبرين، وكأهداف للتنزيل. ولم يكن هذا الأثر قاصراً على علماء العربية، ولا على المستعربين فقط، إنما شمل كل من اطلع عليه من أصحاب الألسنة المختلفة. وأكثر من هذا شغل هذا الكتاب العزيز الكثيرين من أساطين العلماء في الشرق والغرب. وباعتبار أن ربيع القرآن شهر رمضان، نقدم لقرائنا الأعزاء عيّنات من بعض علماء الشرق والغرب ممن كان لهم تأثر بيّن بهذا الكتاب الشريف:

* غوته والتأمل في كتاب الله‏
بدأ اهتمام غوته الحقيقي بالاسلام على أثر التقائه بالمفكر "هردر"، حينما كان غوته قد تجاوز العشرين من العمر، وقد عكف على قراءة القرآن الكريم، حيث ترجم آيات منه، هي الآيات من‏74 الى‏79 من سورة الانعام. وبحث غوته‏عن الانسان المثالي، النموذج، في التأريخ فوجد مثله الاعلى لهذا الانسان في شخصية النبي محمد صلى الله عليه وآله، وقد درس سيرته دراسة عميقة وواجه كلَّ من كان يروج عن النبي محمد صلى الله عليه وآله الأكاذيب والتخرصات. وعلى العموم، تأمل غوته القرآن وكان تأمله طويلاً وأدخل منه في ديوانه الشي‏ء الكثير، حيث يقول في إحدى قصائده: "لقد جعل الله لكم النجوم زينة تتمتعون بها عندما تنظرون فوقكم الى السماء". ومن الواضح ان وراء هذه الأبيات المغزى الذي تحمله الآية الكريمة ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُون (الانعام: 97). وفي قصيدة أخرى تحت عنوان (طلاسم) يقول غوته:
 

لله المشرق‏

ولله المغرب‏

هو الواحد الأحد العادل‏

يأمر بالعدل‏

فتهجدوا بهذا الاسم من أسمائه الحسنى‏

وارفعوه مكاناً عالياً آمين‏

يريد الغبي أن يضلني‏

ولكنك يا ربي تهديني‏

فأسألك لي سواء السبيل‏

فأحمد الله في العسر

وأحمد الله عندما

يجعل بعد العسر اليسر.


يحاول غوته‏في هذه الأبيات أن يستشف الألفاظ القرآنية التي لم يطلع عليها في لغتها الاصلية ولكنها تجول في خاطره من خلال الترجمات، ويتضح أيضاً من خلال هذه الأبيات أنها متأثرة بالآية الكريمة: ﴿ُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. ومن اللافت للنظر أن معرفة غوته‏بالقرآن وصلت إلى الحد الذي جعله يدخل فيما يشبه الحوار مع المسلمين حول القرآن ونزوله، فصاغ ذلك في قصائد، فهو يقول في قصيدة أخرى. كان الناس عندما يتلون القرآن‏ يذكرون السورة والآية وكان كل مسلم يحس‏ بما ينبغي له أن يحس به‏ من السكينة والمهابة في ضميره‏ ومن الواضح أن غوته‏كان مطلعاً على القرآن الكريم والثقافة الإسلامية ومتأثراً بها لذلك قال عبارته في الديوان المسمى بالديوان الشرقي للشاعر الغربي: "إذا كان الإسلام يعني الاستسلام لله فإننا جميعاً نعيش ونموت على الإسلام".

* بوشكين والاقتباس من الآيات القرآنية
يعد الكسندر بوشكين من أكبر شعراء روسيا ومن أكثر أدبائها حباً للشرق الإسلامي وتأثراً به حضارياً وروحياً، وقد درس القرآن الكريم في ترجمته الروسية الصادرة سنة1790م، وصدرت بعد ذلك قصيدته الطويلة "قبسات من القرآن" المكونة من 174 شطراً في عام 1824م. قام بوشكين بنقل بعض المواضيع الإنسانية العظيمة التي يزخر بها القرآن، ليطرحها شعراً. يستهل بوشكين القصيدة الأولى باقتباس القسم القرآني المميز للعديد من الآيات القرآنية الكريمة ﴿وَالشَّفْعِ،وَالنَّجْمِ ثم يلي هذا القسم مقطع يستلهم من سورة الضحى وصف معاناة الرسول صلى الله عليه وآله حين فتر الوحي وأحزنه ذلك، كما في الآيات ﴿وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى(4):
 

"لا أقسم بالشفع والوتر

وأقسم بالسيف وبمعركة الحق‏

وأقسم بالنجم والصباح

 وأقسم بصلاة العشاء، لا لم أودعك"


وتعكس القصيدة الثانية تأثر بوشكين بالآيات القرآنية التي تدعو إلى آداب الحجاب ونبذ التبرج، والتي تعلي من عفة زوجات الرسول صلى الله عليه وآله ونزولهن عن الرغبة في التزين والحياة الدنيا مقابل البقاء مع الرسول.. وبخاصة الآيتين الكريمتين(32 - 33) من سورة الأحزاب، وكذلك الآية (53) من سورة الاحزاب. بحيث يقتبس بوشكين هذا المضمون في صورته الشعرية على النحو التالي:
 

"ايه يا زوجات الرسول الطاهرات‏

إنكن تختلفن عن كل الزوجات‏

فحتى طيف الرذيلة مفزع لكنّ‏

في الظل العذب للسكينة

عشن في عفاف فقد علق بكن‏

حجاب الشابة العذراء

حافظن على قلوب وفية

من أجل هناء الشرعيين والخجلى،

ونظرة الكفار الماكرة

لا تجعلنها تبصر وجوهكن‏

أما أنتم يا ضيوف محمد

وأنتم تتقاطرون إلى أمسياته‏

احذروا فبهرجة الدنيا

تكدر رسولنا

فهو لا يحب الثرثارين‏

وانحنوا في أدب‏

لزوجاته الشابات المحكومات بالعفة".


ويبدو استلهام بوشكين لمعاني هذه الآيات من سورة الأحزاب متجاوباً مع نفوره الشخصي من بهرجة النساء في الطبقة الارستقراطية وخروجهن عن الاحتشام، وافتقاد البعض منهن لمعنى الوفاء والاخلاق للزوج والأسرة، كما تعكس انجذاب بوشكين للنموذج الإسلامي في العفة والوفاء. وتعكس القصيدة الثالثة تأثر بوشكين بمعاني الآيات القرآنية التي تدعو الى التواضع واحترام كرامة الإنسان بصرف النظر عن مكانته الاجتماعية، وكذلك الآيات التي تقرن الدعوة بالموعظة الحسنة، وأيضاً الآيات التي تحض على التفكير بدلائل القدرة الإلهية وزوال متع الحياة الدنيا والتذكرة بأهوال القيامة. وفي القصيدة الرابعة تستوقف بوشكين الآية (30) من سورة النور: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ فيكتب:
 

لقد أضاءت الشمس في الكون‏

وأضاءت أيضاً السماء والأرض‏

مثل نبتة كتان تمتلئ بالزيت‏

تضي‏ء في مصباح بلوري‏

صلِّ للخالق فهو القادر

فهو يحكم الريح في يوم قائظ

ويرسل السحب إلى السماء

ويهب الأرض ظل الأشجار

إنه الرحيم، قد كشف‏

لمحمد القرآن الساطع‏

فلنَنْسَبْ نحن أيضاً نحو النور

ولتسقط الغشاوة عن الأعين‏


ولو تصفحنا مجموعة مؤلفات بوشكين الشعرية لوجدنا أنه يشير إلى الإسلام والمسلمين باحترام في العديد من قصائده، بالإضافة إلى احترامه وتبجيله للقرآن الكريم والنبي محمد صلى الله عليه وآله.

* آنا ماري شيميل والتعلق بالقرآن‏
أما المفكرة المعاصرة (آنا ماري شيميل) فقد تعلقت بالقرآن ومفاهيمه تعلقاً شديداً، فهي تقول: "إن أثر القرآن يظهر في المجتمع الإسلامي ليس من النواحي الدينية والاجتماعية فحسب بل أيضاً في العلوم والفنون واللغة العربية نفسها. وإن من مظاهر قوة اللغة العربية أن المشتغلين بعلوم الدين من المسلمين من الأجناس كافة من غير العرب إنما يتفاهمون فيما بينهم عن علوم الدين باللغة العربية".

وفي وصفها لصحة البيان عن القرآن الكريم تقول:
إن القرآن الكريم هو المعجزة الكبرى للنبي محمد صلى الله عليه وآله والدليل القاطع على نبوته وأنه رسالة الله إلى الناس كافة وأن القرآن هو المهيمن على ما سلفه من الكتب المنزلة من الله على الأنبياء والرسل وأنه يخاطب العقل والضمير والوجدان.

* موريس بوكاي: مسلَّمات العلم والقرآن‏
قليل من الناس مطلع على أفكار العالم الفرنسي موريس بوكاي الذي قدم إلى الإنسانية قاطبة تجربته الرائعة في المقارنة بين الكتب السماوية الثلاثة: التوراة والانجيل والقرآن على ضوء العلم. فما قام به موريس بوكاي من مقارنة بين الكتب الثلاثة إنجاز كبير حيث أثبت بها أن مسلمات العلم وبديهياته ليس فيها ما يصادم النصوص القرآنية، وهي دليل صحتها ونقائها، وأن تلك المسلمات والبديهيات تناقضها معظم نصوص الكتابين الآخرين، بسبب ما أصاب العهدين القديم والحديث من عبث ودس وتحريف مقصود أملته أهواء الحاخامات واليهود والقساوسة والرهبان والنصارى.


(1) مستشرقون ألمان أنصفوا الاسلام، رجاء الصعبي، السعودية.
(2) أعمال بوشكين، دار التقدم، موسكو 1994م.
(3) الكلاسيكيون الروس والادب العربي، د. محمد يونس، دار آفاق عربية.
(4) مؤثرات عربية واسلامية في الادب الروسي، د. مكارم الغمري، عالم المعرفة، الكويت.
(5) مدخل الى الادب الروسي، د. حياة شرارة، بيروت.
(6) أثر القرآن والسيرة في شعر بوشكين، حسين علاوي، مجلة المجتمع، العدد 1443.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع