نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

نور روح الله: مهجورية القرآن


﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا (الفرقان: 30).  إن مهجورية القرآن لها مراتب كثيرة ومنازل لا تحصى، ولعلنا متصفون بالجملة منها. أترى أننا إذا جلّدنا هذه الصحيفة بجلد نظيف وقيّم، وعند قراءتها أو الاستخارة بها، قبّلناها ووضعناها على أعيننا، أنكون ما اتخذناه مهجوراً؟ أترى إذا صرفنا غالب عمرنا في تجويده، وجهاته اللغوية والبيانية والبديعية، أنكون قد أخرجنا هذا الكتاب الشريف عن المهجورية؟ هل إننا إذا تعلمنا وجوه إعجاز القرآن وفنون محسّناته، أنكون بذلك قد تخلّصنا من شكوى رسول الله؟ هيهات.. فإنه ليس شيء من هذه الأمور مورداً لنظر القرآن ومنزله العظيم الشأن. إن القرآن كتاب إلهي. القرآن هو الحبل المتصل بين الخالق والمخلوق. ولا بد أن يوجد الربط المعنوي بتعليماته. ولا بد أن تحصّل من القرآن العلوم الإلهية والمعارف اللدنيّة. إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال حسب ما رواه الكافي "إنما العلم ثلاثة: آية محكمة وفريضة عادلة وسنّة قائمة"، فالقرآن الشريف حامل لهذه العلوم، فإن تعلمنا من القرآن هذه العلوم، نكون حينها ما اتخذناه مهجوراً.

يجب تزكية النفوس وتطهيرها من جميع الأدران، وأعظم الأدران هو النفس الإنسانية والأهواء النفسية. ما دام الإنسان لم يخرج من حجاب نفسه المظلم جداً، وطالما أنه مبتلى بالأهواء النفسية، وطالما أنه مبتلى بالعجب، طالما أنه مبتلى بالأمور التي أوجدها في باطن نفسه، وتلك الظلمات التي ﴿بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ (النور: 40)، فإنه لا يكون مؤهلاً لانعكاس هذا النور الإلهي في قلبه.  اللازم على المتعلم والمستفيد من كتاب الله أن يجري أدباً من الآداب المهمة حتى تحصل الاستفادة، وهو رفع موانع الاستفادة. ونحن نعبّر عنها بالحجب بين المستفيد والقرآن. وهذه الحجب كثيرة، نشير إلى بعضها:

1- من الحجب العظيمة حجاب رؤية النفس، فيرى المتعلم نفسه بواسطة هذا الحجاب مستغنية أو غير محتاجة للاستفادة. وهذا من المكائد المهمة للشيطان. مثلاً يقنع أهل التجويد بذاك العلم الجزئي، ويزيّنه في أعينهم إلى حد كبير، ويسقط سائر العلوم عن أعينهم، ويطبّق في نظرهم حملة القرآن عليهم، ويحرمهم من فهم الكتاب النوراني الإلهي والاستفادة منه. ويشغل أهل التفاسير المتعارفة بوجوه القراءات والآراء المختلفة لأرباب اللغة، ووقت النزول، وشأن النزول وكون الآيات مكية أو مدنية، وتعدادها، وتعداد الحروف وأمثال تلك الأمور. ويقنع أهل العلوم أيضاً بعلم فنون الدلالات فقط، ووجوه الاحتجاجات وأمثالها، حتى أنه يحبس الفيلسوف والحكيم والعارف الاصطلاحي في الحجاب الغليظ للاصطلاحات والمفاهيم وأمثال ذلك.

2- ومن الحجب: حجاب الآراء الفاسدة، والمسالك والمذاهب الباطلة. وهذا يكون من سوء استعداد الشخص أحياناً، والأغلب أنه يوجد من التبعية والتقليد. وهذا من الحجب التي حجبتنا بالأخص عن معارف القرآن. مثلاً إذا رسخ في قلوبنا اعتقاد فاسد بمجرّد الاستماع من الأب أو الأم أو من البعض، تكون هذه العقيدة حاجبة بيننا وبين الآيات الشريفة الإلهية. فإن وردت آلاف من الآيات والروايات تخالف تلك العقيدة، فإما أن نصرفها عن ظاهرها، أو أن لا ننظر فيها نظر الفهم.

3- ومن الحجب المانعة من الاستفادة من هذه الصحيفة النورانية أيضاً: الاعتقاد بأنه ليس لأحد حق الاستفادة من القرآن الشريف إلاّ بما كتبه المفسرون أو فهموه. وقد اشتبه على الناس التفكر والتدبّر في الآيات الشريفة بالتفسير بالرأي الممنوع. وبواسطة هذا الرأي الفاسد والعقيدة الباطلة جعلوا القرآن عارياً في جميع فنون الاستفادة، واتخذوه مهجوراً بالكلية، في حال أن الاستفادة الأخلاقية والإيمانية والعرفانية لا ربط لها بالتفسير أصلاً لتكون تفسيراً بالرأي. فمثلاً إذا استفاد أحد من كيفية محادثة موسى مع الخضر وكيفية معاشرتهما، وشدّ موسى رحاله إليه مع ما له من عظمة مقام النبوة لأخذ العلم الذي ليس موجوداً عنده، وكيفية عرض حاجته على الخضر كما ذكرت في الآيات الشريفة ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا وكيفية جواب الخضر، والاعتذارات التي وقعت من موسى، فإذا استفاد أحد من ذلك عظمة مقام العلم، وآداب سلوك المتعلم مع المعلّم، ولعلها تبلغ من الآيات المذكورة إلى عشرين أدباً؛ فأي ربط لهذه الاستفادات بالتفسير، فضلاً عن أن تكون تفسيراً بالرأي؟

4- ومن الحجب أيضاً المانعة من فهم القرآن الشريف، ومن الاستفادة من معارف هذا الكتاب السماوي ومواعظه: حجاب المعاصي والكدورات الحاصلة من الطغيان والعصيان بالنسبة إلى ساحة رب العالمين المقدسة، الذي يحجب القلب عن إدراك الحقائق، ويحرم من التفكر في الآيات والبيّنات، وتذكر الحق والأسماء والصفات، كما قال الله تعالى ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (الأعراف: 179)، فيكون نظرهم إلى العالم كنظر الأنعام والحيوانات الخالية عن الاعتبار والتدبّر، وقلوبهم كقلوب الحيوانات لا نصيب لها من التفكر والتذكر، بل تكون حالة الغفلة والاستكبار تزداد فيهم يوماً فيوماً من النظر في الآيات، واستماع المواعظ والمعارف، فهم أرذل وأضل من الحيوان.

5 - ومن الحجب الغليظة التي هي ساتر غليظ بيننا وبين معارف القرآن ومواعظه: حجاب حبّ الدنيا، فيصرف القلب بواسطته تمام همته في الدنيا، وتكون وجهة القلب تماماً إلى الدنيا، ويغفل القلب بواسطة هذه المحبة عن ذكر الله، ويعرض عن الذكر والمذكور. وكلما ازدادت العلاقة بالدنيا وأوضاعها، ازداد حجاب القلب وساتره ضخامة. وربما تغلب هذه العلاقة على القلب، ويتسلط سلطان حب الجاه والشرف على القلب، بحيث يطفئ نور فطرة الله بالكلية، وتغلق أبواب السعادة على الإنسان. ولعل المراد من أقفال القلوب المذكورة في الآية الشريفة ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (محمد: 24) هذه الأقفال وأغلال العلائق الدنيوية. ومن أراد أن يستفيد من معارف القرآن، ويأخذ نصيبه من المواعظ الإلهية، لا بدّ وأن يطهر القلب من هذه الأرجاس، ويزيل لوث المعاصي القلبية، وهي الاشتغال بالغير عن القلب، لأن غير المطهّر ليس مَحرماً لهذه الأسرار، قال تعال ﴿إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (الواقعة: 77-79). فكما أن غير المطهر الظاهري ممنوع عن ظاهر هذا الكتاب، ومسّه في العالم الظاهر تشريعاً وتكليفاً، كذلك ممنوع من معارفه ومواعظه وباطنه وسرّه من كان قلبه متلوثاً بأرجاس التعلّقات الدنيوية، وقال تعالى ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (البقرة: 2) إلى آخر الآية. فغير المتقي وغير المؤمن محروم من الأنوار الصورية لمواعظه وعقائده الحقة. نختتم بذكر آية شريفة إلهية تكفي لأهل اليقظة بشرط التدبّر فيها، قال تبارك وتعالى ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (المائدة: 15-16).  فعلى المستفيد أن يخرق جميع هذه الحجب، وينظر إلى القرآن من ورائها، ولا يتوقف في شيء من هذه الحجب، فيتأخر عن قافلة السالكين إلى الله، ويحرم من الدعوات الحلوة الإلهية، ويستفاد عدم الوقوف وعدم القناعة بحد معين من نفس القرآن.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع