نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

من القلب إلى كل القلوب: معركة الوعي الكبرى

سماحة السيد حسن نصر الله



أُبارك لكم جميعاً هذه الأيام العزيزة، أيام النصر التي صنعت لأمتنا مجداً جديداً ووعياً كبيراً وأوجدت حادثةً تاريخيةً لا يمكن أن تنسى من ذاكرة هذه الأمة. لست بحاجة للتأكيد أو للاستدلال على أهمية عامل الوعي في المقاومة وانتصارها، ولكن بكلمات مختصرة أقول إن الوعي هو شرط وجود المقاومة، هو شرط وجودٍ ودوامٍ وكمالٍ، لأن الغفلة في أي مرحلةٍ من مراحل المقاومة والجهاد قد تؤدي إلى الانحراف, لأنه بمقدار ما يتعمق هذا الوعي، ويتجذر، ويقوى، ويشتد نوعاً وكماً، سيساعد ويُسرع في الوصول إلى الغاية والهدف.

والوعي هنا نحتاجه في قوام المقاومة بمجاهديها، ونحتاجه على المستوى الشعبي لاحتضان المقاومة، ونحتاجه على مستوى الأمة، لأن طبيعة الصراع القائم لا يمكن أن تحسمه مقاومة في بلد، وإنما تحسمه الأمة من خلال تكامل مقاوماتها وتضافر جهودها وتوحيد طاقاتها وإمكانياتها في خدمة هذه المعركة.  مما يجب أن أُسجله أيضاً كإنجازٍ لحركات المقاومة أن المقاومة في معركة الوعي انتقلت من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم. دائماً، الإسرائيلي كان في موضع الهجوم، هو الذي يشن الحرب النفسية والحرب الإعلامية، هو الذي يفرض علينا أنماط تفكير معينة أو استنتاجات معينة. لكن، لأول مرة تدخل المقاومة بفعلها الجهادي والإعلامي والسياسي وحربها النفسية لتقوم بِكَيِّ الوعي الإسرائيلي، كما اعترف قادة العدو ونخبة العدو بأنفسهم أن من أهم نتائج انتصار عام 2000 و 2006 أنها أصابت الوعي الإسرائيلي في الصميم.  في معركة الوعي التي نخوضها، لدينا عناصر القوة التي يجب أن نركز عليها ونستفيد منها في صنع الوعي وتطويره.

1 قوة الحق
نحن نملك قوة الحق في القضية التي تقاتل من أجلها المقاومة, فهي قضية عادلة ومشروعة ولا غبار عليها، بكل المعايير: الدينية, والسماوية والشرعية, والقانونية والأخلاقية والإنسانية؛ في مقابل قضية مصطنعة كالقضية الصهيونية المبنية على باطل. إن سر هذا الثبات الأسطوري لمجاهدي المقاومة في لبنان وفلسطين, وتحملهم للتضحيات الجسام دون أن تهتز لهم إرادة, هو في خلفية الحق والعدل, التي ينطلقون منها.

2 المصداقية
مصداقية الخط الذي تدعو إليه المقاومة بخيارها المتمثل بالمقاومة العسكرية الجهادية الميدانية إلى جنب الفكر والمعرفة والعلم والسياسة والتعبئة الإعلامية.... الخ.  قد لا يكون صعباً علينا، في حركات المقاومة, أن نقنع شعوب أمتنا العربية والإسلامية بعدالة قضيتنا. المسألة الرئيسية في معركة الوعي هي انتخاب الخيار الصحيح والموصل للهدف، لأنه، إذا لم ننتخب الخيار الصحيح سنضيع في الطريق ولن نصل إلى الهدف على الإطلاق وسيزداد عدونا قوة وعُلوّاً ومنعة واقتداراً وتجذراً وتثبيتاً لقواعد مشروعه. ثم إن المرحلة الأصعب في معركة الوعي هي مرحلة الإقناع بالخيار الذي يخدم هذه القضية. نحن استطعنا أن نصنع وعياً على مستوى شعبنا وعلى مستوى أمتنا بصوابية وصدقية خيار المقاومة.  في وقت مبكر استطاعت المقاومة أن تثبت بفعلها الميداني صوابية وجدوائية هذا الخيار الذي بسببه تم إسقاط مجموعة كبيرة من المفاهيم الكاذبة التي صنعها الإسرائيليون وصدقوها، منها: الجيش الذي لا يقهر، وشعب الله المختار، والكيان الموعود بالنصر من الله سبحانه وتعالى. وهنا، أهمية معركة "كَيّ الوعي" التي خاضتها المقاومة, فهي لم تستند إلى الخطابات، وإنما إلى وقائع ميدانية وإنجازات ميدانية كبرى مرغت الوجوه الإسرائيلية في الوحول.

3- القدرة على التعبئة المتاحة أمام حركات المقاومة
إننا حركات مقاومة من أبناء هذه الأرض وننتمي إلى حضارتها وإلى دياناتها السماوية، ولدينا من الإرث ومن التراث والغنى الفكري والثقافي والعقائدي والنفسي ما يمكننا من خوض معركة وعي حقيقية، قائمة على أسس فكرية وثقافية وأخلاقية وعاطفية وأدبية وشاعرية بكل ما للكلمة من معنى، وهذه من أهم عناصر قوة المقاومة. لا شك أن الخطاب القرآني الذي دخل على معركة المقاومة في العقود الأخيرة كان له تأثير بالغ وكبير وخطير جداً في اندفاعة المقاومة، وفي احتضان المقاومة، وفي صبر الناس وتحملهم وصمودهم أمام الخسائر والتضحيات. لا أحد يقدر أن يجيء إلى قلب المعركة بكلمات مثل ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى (الأنفال: 17), ﴿إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُون (العنكبوت: 16 و17), ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ (آل عمران: 106), و ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (محمد: 74). لا أحد يقدر على أن يؤدي المعنى الذي تؤديه الآية الكريمة ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (آل عمران: 173). الخطاب القرآني الذي يتحدث عن الجهاد والإيمان والجنة والعزة والكرامة، وعن احتساب الألم والصبر في عين الله، وعما ينتظر المجاهدين، وعن الشهادة، وعن العون الإلهي الذي لم نقرأه آيات فقط وإنما شاهدناه بعيوننا وعقولنا وقلوبنا في ساحات المعركة ـ ومنها حرب تموز مما لا شك فيه عندما نملك ثروة بهذا الحجم، فهذه من عناصر القوة التي تساعدنا في المعركة التي نخوضها.

4- الذاكرة التاريخية
قوة المقاومة اليوم هي في استحضار مجريات الأحداث وفي تنشيط الذاكرة بشكل دائم، وهذه معركة أساسية. العدو دائماً رهانه على الوقت حتى ننسى. العدو يراهن دائماً على النسيان, يراهن على أن الوقت يُنسي الشعب الفلسطيني أرضه والذين يعيشون في المخيمات غداً يطعنون في السن, والذين كانوا في فلسطين يتوفاهم الله مع الوقت بعد أعمار طويلة، والأجيال الجديدة لم تعش في فلسطين ولم تشم رائحة زيتونها وزهرها ووردها, وبالتالي، جزء أساسي من المشروع الصهيوني والذي يساعد عليه عرب كثيرون هو النسيان. بالمقابل أنت تريد أن تخوض معركة تنشيط الذاكرة، لأنها الأساس في الوعي الذي نتكلم عنه.. أنا أتكلم مثلاً عن حزب الله والمقاومة الإسلامية, نحن نقر ونعترف ونجل كل التجارب التي سبقتنا، بمعزل عن خلفياتها الفكرية والأيديولوجية والعقائدية, نحترم هذه التجارب ونستفيد من أدائها وعملها, من سيرها ونقاط قوتها وضعفها، نبني عليها ونعتبرها دخيلة في كل الإنجازات التي حصلت، وأنتم تذكرون في 25 أيار 2000 عندما وقفت أنا في بنت جبيل، لم أقل هذا نصر لهذه الجهة أو تلك، بل بدأتُ بذكر أول يوم بدأتْ فيه المقاومة، منذ أول طلقة رصاصة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي والمشروع الصهيوني في المنطقة.

5- ثقافة الأولويات عند حركات المقاومة
وهذا جزء أساسي من الوعي وتكوين الوعي. نحن كنا دائماً من دعاة إعطاء الأولوية المطلقة وليس النسبية لمقاومة الاحتلال ومواجهة المشروع الصهيوني. وهذا الذي حكم أداءنا كل السنين وما زال. وهذا ما كنا ندعو إليه وندعو إليه دائماً، سواء داخل فلسطين أو خارجها.

* معركة الوعي الكبرى
بناءً على نقاط القوة هذه التي نمتلكها, يجب أن نواصل العمل. اليوم، التحدي الحقيقي في معركة الوعي هو المسألة التالية: اليوم، نحن نخوض معركة وعي كبرى وجديدة. المعركة الأخيرة التي يخوضها المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة هي معركة إحداث صراع عربي إيراني وسني شيعي, وإذا أفشلناه في إيجاد هذه المعركة وهذا الصراع, تكون قد انتهت أسلحة الشيطنة والآمر والعقل الإبليسي الأمريكي - الصهيوني في منطقتنا, وسوف نصبح أمام معركة واضحة في مواجهة هذا المشروع.معركة الوعي اليوم هي مواجهة مخطط الفتنة, ومخطط اصطناع عدو وهمي, وتجهيل الناس، وتضليل الناس عن العدو الحقيقي، ودفع الأمة إلى معركة وإلى مواجهة لا يستفيد منها إلا العدو الصهيوني. نحن يجب أن نخوض معركة الوعي هذه وعليها نواصل مقاومتنا وطريقنا إن شاء الله, وأنا من الذين يؤمنون بقوة بأن هذه الأمة تجاوزت مرحلة الوعي المؤسس للانتصار ودخلت في مرحلة الوعي الذي يصنع الانتصار الفعلي كما صنعته في العام 2000, والعام 2006، ونحن إن شاء الله كأمة, كما يقولون, نحن في حالة صعود في القوس الصعودي وعدونا في حالة هبوط في القوس النزولي, وما النصر إلا من عند الله العزيز الجبار.

* مقتطف من خطبة سماحة السيد حسن نصر الله والتي ألقاها في مؤتمر المقاومة بتاريخ 20/5/2009.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع