الملحمة الحسينية، ملحمة فريدة بأصالتها، بقائدها، وأصحابه الميامين وأهل بيته الكرام، بوقائعها وأحداثها تلهج بالإشعاع والإيثار والفداء...
كيفما نظرت إلى هذه الملحمة تجد جوانب مضيئة بأصالة الهدف ونيل المقصد وأنّى تطلعت ترى صفحات مشرّفة تنبض بالحق والصدق والإيمان.
وقد كان لخطباء المنبر الحسيني ومقرئي مجالس العزاء عبر التاريخ، الدور الأساس في تسليط الأضواء على الأهداف والدوافع الأساسية لتلك النهضة المباركة من جهة، ومن جهة أخرى تذكير الناس بالوقائع والأحداث والمصائب التي حفلت بها الملحمة الحسينية بالإضافة إلى محاولة استحضار الشخصيات الكربلائية من عمق التاريخ وزرعها في وجدان وعقول الناس.
كمؤشرات للتضحية ملتهبة بالصدق والحماس، مجلة "بقية الله" جالت على عددٍ من مقرئي مجالس العزاء سائلةً إياهم في ما يشبه الاستفتاء عن المصيبة الكربلائية الأكثر وقعاً في الروع والشخصية الكربلائية، في ذواتهم وفي وجدان الناس من خلال مداومتهم على تلاوة هذه المجالس، قابضة بذلك على أكثر اللحظات حميميةً بين المُلقي والمتلقي من جهة والمُلقي من جهة أخرى.
ثمّ كان سؤالنا الأخير عن إحياء مراسم عاشوراء وتطوره مع الزمن.
في ردّه على سؤالنا عن الشخصية الكربلائية الأبلغ أثراً في نفسه اعتبر فضيلة الشيخ موسى الأسدي أن كلّ الشخصيات الكربلائية لها أثر كبير في نفسه غير أنّ شخصية الإمام الحسين عليه السلام هي الأبلغ والأكثر وقعاً في ذاته ويرد ذلك إلى تفاعله مع المقرئ الذي ما يزال يتذكر تلاوته منذ طفولته ومن بعده يأتي في التراتب كلّ من عبد الله الرضيع ومسلم بن عقيل ويليهما باقي الشخصيات الكربلائية.
ويشارك فضيلة الشيخ علي سليم الشيخ الأسدي في شعوره فيعتبر أنّ شخصية الإمام هي الأبلغ أثراً في نفسه غير أنّه يعتبر أن كلاً من علي الأكبر عليه السلام والعباس عليه السلام يليانه وقعاً في وجدانه.
أمّا فضيلة الشيخ إبراهيم بلوط فقد اعتبر أنّ الحوراء زينب هي الشخصية الأكثر أثراً والأقوى وقعاً ووميضاً ووهجاً في وجدانه.
ورداً على سؤالنا عن الشخصية التي تفاعل معها الناس أكثر من غيرها خلال تلاوته، قال الشيخ الأسدي: "يطلب الناس مني دائماً أن أقرأ لهم عنا لطفل الرضيع ومسلم بن عقيل والإمام الحسين عليه السلام كما أنّ هناك من يطلب قراءة مصيبة السيدة رقية في الشام".
أمّا الشيخ سليم فقد لاحظ عبر تلاوته للسيرة الحسينية أنّ الناس تتأثر بالعباس (من الهاشميين) وبحبيب بن مظاهر من غير الهاشميين.
ويلاحظ الشيخ إبراهيم بلوط أنّ تفاعل الناس يبلغ ذروته مع شخصية الحوراء زينب عليها السلام.
وأضاف رداً على سؤال ما هي أكثر مصيبة تفاعلت معها شخصياً؟
إنّ مصيبة الإمام الحسين عليه السلام تختصر كلّ المصائب، لذلك تفاعلت معها وجدانياً أكثر من كلّ المصائب، وهذا ما أعتقد أنّني ألتقي مع الناس الذين أتلو عليهم "السيرة الحسينية".
أما الشيخ موسى الأسدي فقد اعتبر أنّ حوادث كربلاء كلها مؤلمة ومحرقة للقلب، لكنّ حادثة الهجوم على الخيام وحرقها وخروج الأطفال من الخيام وخاصة عندما خرجت طفلة من أطفال الحسين عليه السلام والنيران مشتعلة في أطراف ثيابها فأتى حميد بن مسلم ليطفئ النار فهربت منه، فقال لها يا أمة الله النار النار...
قالت له: أأنت لنا أم علينا؟
فقال لها: لا لكم ولا عليكم,
قالت: يا شيخ أقرأت القرآن؟
قال: بلى.
قالت: أقرأت قوله تعالى ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ﴾ ؟
قالت: أما علمت أنّني يتيمة.
هذه الحادثة وما يدور حولها لها أثر عظيم في النفوس، أما أنا، يضيف الشيخ الأسدي: "فلا أستطيع أن أتمالك نفسي مع كلّ مصيبة أقرأها".
"مصيْبَتي الطفل الرضيع والسبي لهما أبلغ الأثر في نفسي"، يقول الشيخ علي سليم ويضيف: "أما عند الناس فكل مصائب عاشوراء عظيمة".
وفيما يتعلّق بسؤالنا الأخير عن إحياء مراسم عاشوراء عبر التاريخ، قال الشيخ سليم إنّ هذا الإحياء لم يختلف في المضمون، لكنّه تغير في الأسلوب ولاحظ "أنّ إحياء ذكرى عاشوراء في لبنان يزداد مع تقدم الزمن خصوصاً مع وجود وسائل إعلامية تعمل على تغطية الاحتفالات بذكرى عاشوراء".
أمّا الشيخ إبراهيم بلوط فقد اعتبر في ردّه على سؤالنا الآنف الذكر أنّ إحياء مراسم عاشوراء يزداد وهجاً وتألقاً مع السنين في لبنان والعالم الإسلامي، لكن مدى استجابة الناس لإحياء هذه المراسم يرتبط بشكل أساسي بالمضمون الذي يقدمه الخطباء والمقرؤون".
الشيخ موسى الأسدي قال مجيباً عن السؤال نفسه: "لا يستطيع أحد القول إنّ إحياء مراسم عاشوراء خفت بريقه مع السنين لأنّ الأرقام تثبت عكس ذلك، وأردف قائلاً: من كان يتصور قبل خمسين سنة أن تقام مجالس العزاء في أستراليا وأمريكا وبريطانيا وأفريقيا السوداء".
وقال الشيخ الأسدي "إنّ بركات الجمهورية الإسلامية عمّت وساعدت ولا عجب فالإمام الخميني قدس سره قال: "كلّ ما عندنا هو من عاشوراء".