نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أعمدة النصر الإلهيّ (لقاء مع رئيس المجلس السياسيّ في حزب الله سماحة السيّد إبراهيم أمين السيّد)


حوار: الشيخ موسى منصور


ما انجلت غبرة "معركة الله" في تموز، إلّا عن مشهديّة، كانت ريشة السماء فيها هي العليا، في قالب جماليّ يحاكي جماليّة كربلاء.
وبعد نيّف وعشرٍ من السنين، لا زالت هذه المشهديّة غضّة، يرشح من جنباتها مسكٌ بلون الدم، ويتناثر من مكوّناتها ريش لا يشبه ريش أهل الأرض، فتزخر بالإعجاز، وتنقش رموزاً تحتاج إلى تفكيك وتحليل.
ولهذه الغاية، قصدنا (في مجلة بقيّة الله) رئيس المجلس السياسيّ في حزب الله سماحة السيّد إبراهيم أمين السيّد، فاستقبلنا في مكتبه بابتسامته المعهودة وحسن ضيافته، وكان لنا هذا الحوار عن أيّام النصر:


•كان انتصار آب 2006م "النصر الإلهيّ الكبير"، على حدّ وصف سماحة السيد حسن نصر الله (حفظه الله). ما هي مقتضيات هذه التسمية، وكيف ظهرت عمليّاً؟
أوّلاً: من زاوية عقائديّة، لا يكون النصر إلّا من عند الله تعالى. وفي القوانين التي وضعها الله تعالى، يصبح النصر ما يشبه الاستحقاق، يمنحه الله لبعض المجموعات البشريّة وفق شروط معيّنة، إذا استوفوها، وهنا يجب أن نتحدّث عن الشروط التي على أساسها مُنحت المقاومة وسام النصر هذا.

ثانياً: ثمّة شيء يُسمّى النصر القانونيّ وَفق القانون الإلهيّ الذي وضعه الله تعالى لحركة البشر في الهزيمة والانتصار: ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ (محمد: 7).

ثالثاً: في الصراع بين القلّة والكثرة، يصبح انتصار القلة على الكثرة أمراً غير اعتيادي، ليس له سياق طبيعيّ. ولكن القرآن الكريم يقول: ﴿كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (البقرة: 249). لا مجال للمقارنة ما بين الإمكانيّات الماديّة للمقاومة وإمكانيّات العدوّ، مع ذلك، استطاعت القلّة أن تهزم الكثرة.

رابعاً: لقد كانت معركة إيمان ويقين بالوعد الإلهيّ بالنصر، وبالصبر والثبات، وبما يسمّى في المصطلحات السياسيّة "حرب الإرادات"، إذ ليس كلّ متفوّق عسكريّاً يمتلك تفوّقاً إيمانيّاً، بالثبات والصبر، والإرادة، والاطمئنان.

خامساً: يقول الله تعالى: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ﴾ (التوبة: 14)، وفي آية أخرى: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى﴾ (الأنفال: 17)؛ فمعركة المؤمنين مع الشياطين هي معركة الله، والإنسان في هذه المعركة ليس أكثر من وسيلة ﴿يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ﴾. هو وسيلة إلهيّة. من أجمل الكرامات في حرب تمّوز، أنّ المجاهدين استحقّوا أن يكونوا الجنود الذين اختارهم الله في معركته وحربه، وكانوا جديرين بأن يكونوا المُختارين، حينئذ يكون النصر نصراً إلهيّاً بامتياز.

وإذا أردنا تطبيق هذه القواعد القرآنيّة كلّها على ما جرى في حرب تمّوز، بكلّ بساطة نستطيع القول إنّ هذا النصر نصرٌ إلهيٌّ.

•لا شكّ في أنّ لصمود الناس دوراً كبيراً في هذا النصر. كيف تجلّى هذا الدور؟ وكيف ساهم في الانتصار؟
هذا الموضوع يشكّل العمود الثاني من أعمدة الانتصار، ولا يمكننا فصله عن الانتصار العسكريّ والأمنيّ، وهذا أمر غير مسبوق. هذه الحرب كانت وحشيّة، ومن أهمّ ما تطلّبته أن يتحمّل الناس أعباءها وخسائرها. ما حصل يشبه المعجزة؛ فالمشهد الذي قدّمه الناس كان مذهلاً، يُعبّر عن مستوى من الإيمان والوعي الباطنيّ، وعن مظلوميّة هذه الحرب، والتحدّي لهذا العدوّ: إنّك عاجز أمامنا.

حينها، لو ضجر الناس وتأفّفوا، لما استغربنا ذلك؛ لأنّ الألم سياق طبيعيّ أمام حرب كهذه، ولكنّ هذا لم يحدث. لم نشاهد أناساً أحرجونا في عدم تحمّلهم أعباء هذه الحرب، بل على العكس، كانوا أمامنا. الأمر العظيم في هذا الجانب أنّ الحرب كشفت حقيقة الناس، ومكوّناتهم القيمية ومستويات تحمّلهم. هل نحتاج إلى حرب قد تقع لاحقاً لنختبر فيها هؤلاء الناس؟ فحرب تمّوز كانت أعتى الحروب. وما جرى فيها أسقط النظرة إلى الناس، على أنّهم جَهَلة بسطاء، كما كان يصوّرهم الإعلام المعادي. هذه نظرة ضبابيّة تحجب المنطقة المضيئة في الناس التي رآها الرُسُل عليهم السلام. كما ثبّتت حرب تمّوز نظرة أنّ الخير وافرٌ عندهم، ومساحته واسعة، وهو ما ركّز عليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأولياء دائماً. وهنا أذكر الإمام الخمينيّ قدس سره عندما التقينا به أوّل مرّة في حزب الله، كان من جملة ما أوصانا به: "الناس".

أمّا المشهد الأخير الذي أذهل العالم، فهو أنّ الناس وبمجرّد توقّف إطلاق النار، توجّهوا إلى مدنهم وقراهم في الجنوب، فلم ينتظروا أحداً، أو توجيهاً من المقاومة، وأبطلوا بذلك مفاعيل رهان العدوّ على عدم رجوعهم إلّا بإذنه وشروطه المسبَّقة. إنّ عودة الناس إلى بيوتهم كسرت ظهر العدوّ، وحرمته من لملمة فتات المعركة، ليُعتبر ذلك نصراً آخر.

•أظهرت رسالة المجاهدين من أرض المعركة إلى سماحة الأمين العام (حفظه الله) صمودهم، كيف تقرأون هذه العلاقة ما بين الطرفين؟
هذا الموضوع يمكن مقاربته من خلال الامتزاج؛ فقد امتزجت عَظَمَتان في واحد: عظَمة القائد وعظَمة المجاهدين، وحينما تريد تعظيم الطرف الأوّل، ستقوم بتعظيم الطرف الثاني بشكلٍ تلقائيّ، وهو ما حقّق هذا التحوّل الهائل. ففي كربلاء مثلاً، عندما يقول الإمام الحسين عليه السلام: "فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي"(1)، فهذا نوع من الامتزاج.

لقد كان لوجود قائدٍ مثل سماحة السيّد (حفظه الله) في إدارة حرب تمّوز، عَظَمة لا تضاهيها عَظَمة، ولكن ما فائدة هذه العَظَمة دون وجود المجاهدين إلى جانبه؟

لو جلنا في التاريخ، فإنّنا لا نرى هذا المشهد إلّا نادراً؛ لم يحصل ذلك -حسب اعتقادي- إلّا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام. وهذا الامتزاج مع سماحة السيّد، هو مع شخص غير معصوم، فكيف إذا كان معصوماً؟ إنّهم يستحقّون وساماً وكأنّهم كانوا مع الأئمة عليهم السلام، وإنّ من يكن وفيّاً مع شخص غير معصوم في سبيل الحقّ بطريق أولى سيكن أكثر وفاءً مع شخص معصوم!

نحن أمام مشهد من الحرب التطوعيّة، أماط اللثام عن نوع من المجاهدين، أعطَوا قيمةً حقيقيّةً للحرب دون مقابل أو شروط أو أطماع أو التزام. وهم العمود الثالث من أعمدة النصر.

•كيف مهّدت شخصيّة سماحة السيّد القياديّة لهذا الانتصار حتّى أصبحت جزءاً منه؟
عندما كنّا نرى سماحة السيّد، كنّا نرى فيه شجاعة المجاهدين وبأسهم، وصبرهم، ويقينهم، مضافاً إلى حكمته العالية. كانت درجة استهداف سماحة السيّد عالية جدّاً، مع ذلك كان موجوداً في الإدارة والمواجهة على أحسن ما يرام، ولو تمّ الوصول إلى سماحته -لا قدّر الله- لكانت المعركة حُسمت بحسب رأي العدو.

لم تكن حرب تمّوز حرباً أهليّة أو حرب شوارع، بل كانت حرباً تدميريّة. مواكبته الدائمة لمجريات المعركة وتفاصيلها، مع إطلالاته بكامل الاطمئنان والشجاعة، كانت بمثابة رسالة للعدوّ: "أنتم واهمون".

إنّ شخصيّة سماحة السيّد (حفظه الله) كانت العمود الرابع من أعمدة الانتصار بعد قانون ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ﴾ وشعب المقاومة والمجاهدين.

•لتلفزيون المنار وإذاعة النور حصّة في نقل صوت المقاومة إلى الشعوب العربيّة والإسلاميّة. إلى أي مدى ساهم الإعلام المقاوم في إنجاز النصر؟
الإخوة في إذاعة النور وتلفزيون المنار كانوا وسط المعركة، وعملهم لم يكن إعلاماً، بل كان حرباً؛ وكان لافتاً فيهم هذا الإيمان، والثبات، والإصرار على أن يبقى صوت المقاومة وصورتها. ثمّ إنّ قناة المنار وإذاعة النور قد بذلتا جهداً كبيراً، وقدّمتا تجربةً عاليةً فريدة جدّاً على مستوى التقنيّة والأداء، وكانتا المصدر الأساس لوسائل الإعلام الأخرى. وهذا الجهد لا يُنسى لهاتين الوسيلتين. وعليه، فإنّ الإعلام المقاوم الصادق، هو العمود الخامس من أعمدة النصر.

•هل أدّت صورة المقاومة في الخارج دوراً إيجابيّاً على صعيد تحطيم صورة العدو جماهيريّاً؟
لا شكّ في أنّ الانتصار في حرب تمّوز هو انتصار على عدوّ الأمّة، وتحطيم لصورته على أنّه "القوّة التي لا تُقهر"، وأن تستطيع مجموعة من الشباب إلحاق الهزيمة بهذا العدوّ هو أمر ليس له سابقة مع أيّة دولة عربيّة، وأن يصمد لبنان، وتنتهي الحرب بدون أيّ مكاسب أساسيّة للعدوّ الصهيونيّ، فهذا مشهد عظيم على المستوى الدوليّ، جاءت حرب تمّوز لتقلب هذه الموازين. فإنّ خَيار المقاومة، وشعور هذا الجيل في العالم العربيّ والإسلاميّ بالشجاعة والقدرة على الانتصار، وحصوله على جرعة شجاعة، كانا بسبب المقاومة.

•في الختام، لماذا "ما قبل حرب تمّوز ليس كما بعدها"؟
حرب تمّوز كانت مدخلاً -بحسب حسابات الصهاينة- إلى صياغة منطقة جديدة، قائمة على أنّ "إسرائيل" منتصرة. لكنّ مخطّطهم فشل فشلاً هائلاً؛ لأنّه لحق بأخطر المشاريع الأمريكيّة الإسرائيليّة التي كانت تستهدفنا. وهذا ما جعلهم يختارون سيناريو آخر؛ سوريا؛ لاعتقادهم أنّها الحلقة الأضعف. فلو انتصروا على لبنان خلال حرب تمّوز، لانتهت سوريا والمقاومة الفلسطينيّة. ولو انتصروا في سوريا، لانتهى دور المقاومة في لبنان؛ لأنّ أهمّ سند استراتيجيّ للبنان في العمق الأمنيّ هو سوريا. كانوا يريدون تغيير وجه المنطقة، لذلك قمنا بواجبنا، ومنعْنا أن يكون لبنان معبراً لمنطقة جديدة اسمها "الشرق الأوسط الجديد". نحن قاتلنا في سوريا وكأنّنا في حرب تمّوز، ودافعنا عن لبنان ومنعنا تحقيق هذا المشروع ضدّ المقاومة، وسنبقى نواجه أيّ سيناريو آخر في مخطّط العدوّ، مع نصرٍ إلهيّ قادم.


1.الإرشاد، المفيد، ج2، ص92.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع