أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

المراهقة ودور الأهل: نجاحات وإخفاقات

علي زلزلة*


إنَّ من أبرز التحديات التي تواجه الأسرة هي التي تكمن في المرحلة الانتقالية التي يواجهها الأبناء ما بين مرحلتي الطفولة والنضج، لكونها تعتبر من أصعب مراحل النموِّ الجسدي والنفسي والفكري، وهي مرحلة مليئة بالمخاطر كونها بداية تفتّح الغرائز والشهوات، وبداية الإحساس بالاستقلالية، والشعور بالذات، وهي أشبه بالسّيف ذي الحدّين؛ حدّ يقطع ويجرح، وحدّ يبلسم، وفق ما يتم استخدامه.

* دور الأهل في التعامل مع المراهق
ومن الطبيعي أنه في هذه المرحلة يجب توقّع نوعين من الصراع مع المراهق؛ صراع على مستوى الذات وصراع متعلِّق بالمحيط. فعلى المستوى الجسدي؛ هناك متغيرات واضحة على مستوى الشكل والبنية والصوت والبلوغ الجنسي. وعلى مستوى الذات؛ هناك تغيّر في مستوى التفكير والنضج العاطفي والبحث عن الهويّة واكتساب المعارف، والتغيير في العلاقات والالتزامات الاجتماعية. وليس من الإنصاف أن يتم التعامل مع المراهق على أنه أصبح مستقلاً بالكامل، وقادراً على إدارة نفسه وذاته بعيداً عن التوجيه والإرشاد، بل لا بدّ من الجمع بين تحمُّله للمسؤولية والعمل على تعزيز حضوره ودوره من خلال دور الأهل في عملية التوجيه والإرشاد. من هنا يأتي دور الوعي والإدراك عند الأهل من خلال الفهم العميق لتلك المرحلة. وعليهم أولاً الالتفات إلى أنَّ مرحلة المراهقة ليست ثابتة أو متشابهة عند الأبناء، فهي تختلف باختلاف الأفراد والعمر والجنس، وتختلف بأنماطها السلوكية. ومن هنا تكمن حساسيّة التعامل مع الأبناء، وفق أسلوب واحد، فلكل منهم نمط، ولكل أزمةٍ وحالةٍ خصوصيتها.

* المنظومة الذهبية
ولعلَّ حديثي الرسول صلى الله عليه و آله وحفيده الإمام الصادق عليه السلام يرسمان ويعبِّران عن حساسية هذه المرحلة، ومدى أهميتها، والسلوك الواجب على الأهل اتباعه بقولهما: "الولد سيد سبع سنين وعبد سبع سنين ووزير سبع سنين" (1) و"دع ابنك يلعب سبع سنين، ويؤدّب سبع سنين، وألزمه نفسك سبع سنين" (2).  وبالتأكيد هذه المراحل الثلاث هي منظومة ذهبية متكاملة وذات حلقات ثلاثية مترابطة ومتماسكة، ومخرجات كلّ حلقةٍ هي مدخلات طبيعية للحلقة التي تليها. وما يهمنا هنا أن نوضح أهميّة حلقة التأديب والتوجيه للوصول للحلقة الثالثة التي يعبّر عنها علماء النفس بالمراهقة وعبّر عنها نهج أهل البيت بالوزارة أو إلزام النفس، وفي حديث آخر بالمصاحبة. وعليه فإنَّ عملية التأديب، هي عملية تأسيسية فكرية وسلوكية للوزارة. وفيها يتم تعريف الولد إلى الحق والباطل، وتعريفه إلى الذات والقيم والعادات وبناء السلوك وتبيين المثل العليا ومعرفة الصواب والمنهج السليم، ليصل بعدها الأبناء سليمي التربية والقيم والمفاهيم إلى مرحلة المراهقة. وبقدر ما تمّ العمل عليه في الصغر، بقدر ما نجهزهم لمواجهة التحديات والأزمات التي قد يمرون بها فيما بعد.

لم يعودوا أطفالاً
أراد الرسول صلى الله عليه و آله وحفيده الإمام الصادق عليه السلام أن يبينا لنا أن أبناءنا لم يعودوا أطفالاً، ولم تعد تنفع معهم أساليب التربية السابقة، بل أصبحوا في عمر إثبات الذات والتفهم وتحمُّل المسؤولية، فلا بدّ للأهل من البدء بالتعاطي معهم ككائنات كاملة، مسؤولة، تحتاج إلى الرعاية والمصاحبة والنّصح والتعاطف والمشاركة، وحسن التواصل والإحساس بالوجود وإعطاء الثقة وبالتالي الابتعاد عن التسلّط وعن التعاطي معهم كأنهم كائنات ضعيفة بعيدة عن تحمل المسؤولية. وإذا ما عرفنا طبيعة الأزمات التي قد تحدث مع المراهقين، فهمنا أكثر أهميةَ نهج الوزارة وإلزام النفس الواجب أن نتبعه معهم.

* أزمات وحلول
نستطيع أن نقول إنَّ تحديد نوع هذه المعوقات وهذه الأزمات يبين لنا دقّة هذا النّهج. أهم هذه الأزمات النموُّ الجسدي، العاطفي،البلوغ، أزمة توكيد الذات وصنع الهوية الخاصة به، الاستقلال الذاتي، التفكير، وأزمة إثبات الوجود والتقاليد والعادات. وعليه إنّ آثار هذه الأزمات تظهر لدى المراهق عبر تصرفات سلوكية ومواقف قد تصل إلى العزلة أو الخشونة والتمرّد مما يؤدِّي إلى ردَّات فعل قاسية من الأهل ظناً منهم أنهم يحاولون إنقاذ ومساعدة ابنهم من خلال عملية تسلّط وقسوة تزيد من تفاقم الأمور وتعزِّز عمق الفجوة بين الآباء والأبناء. فهذا الشاب الذي التمس نموَّ جسده، وزيادة طوله، ويشعر بأنَّ لديه قدرة الكبار، أصبح توّاقاً للانطلاق في عالم الحياة وإثبات الوجود، ويحتاج إلى تعزيز وتمتين الثقة بنفسه. ومن هنا يأتي دور الأهل في لعب دور الرفيق، الصاحب، المؤنس، الأب لابنه، والأم لابنتها، مما يخلق مناخاً ملؤه الحب والعاطفة والتعاون والصراحة. والجدير ذكره أنَّ على الأهل أن لا ينسوا تلك المرحلة المراهقة التي مرّوا بها، فهذا يساعدهم في فهمٍ أعمق لحاجات وتصرفات أبنائهم.

* نقاش هادئ وبنّاء
إنَّ التعاطي وبعقل منفتح بعيداً عن التحجّر والانغلاق، وباستخدام لغة الحوار البنّاء، والتقارب العملي، ومشاركة الأبناء في النقاش، وتحميلهم المسؤولية المبنية على الثقة والاستماع المتبادل والتواصل الفعال، بالتأكيد، ستساعد المراهق وتحفّزه على بذل الجهد، ليثبت رجاحة عقله ورزانته، وأنه أهل للوزارة والثقة، وقادر على اتخاذ القرارات. فعملية الثقة هي عملية أساس ويجب أن تجمع بين التعاطي بمسؤولية والإحساس بالذات مع الرعاية الأبوية. وعلى الأهل أن يفكِّروا في الأساليب الجيدة للتواصل مع هؤلاء الشباب بشكل أعمق وأكثر جدّيّة وأن يتخذوا الأساليب العلمية لهذا الأمر، فالمراهقون يحتاجون إلى إيجاد علاقة تبنى على التفاهم مع أنفسهم ومع الآخرين، وإن نموذج التواصل مع المراهق المبني على القوة هو نموذج قد يؤدي إلى شرخٍ في العلاقة وابتعاد المراهق عنهم، وإنَّ القوة لا تخلق المحبة، بل إنَّ هذا الأمر سيؤدي إلى فراغ داخلي لديه، قد يلجأ إلى تعبئته بطرق شتى وخطرة ويقوده بالتالي إلى صراع ومواجهة وتباعد مع الأهل، بدلاً من التفاعل والسلام والتجاذب، فالمراهق يحتاج إلى النمو والتطور في ميادين الحياة. ونقل الأهل لهذه التجارب إليه هو في غاية من الأهمية، ولكن عندما يتعرض هذا التواصل إلى أزمة عندها لا يمكن نقل هذه التجارب، بل إن الأمر سيزداد سوءاً وبالتالي سيؤدي إلى مزيد من الإحباط والضعف عند المراهق. والآباء المتسلِّطون والمتسلِّحون بفرض القوَّة والقدرة، ظناً منهم أنّهم يؤدُّون عملية الإصلاح لأولادهم، عليهم أن يدركوا أن أبناءهم، ومن حيث لا يشعرون، سيمارسون هذه الأفعال في حياتهم مما سيؤدي إلى المزيد من الأزمات لديهم. وعليه، فإن نموذج القوة والقدرة سيؤدي إلى نتائج سلبية على المستوى النفسي والعاطفي والاجتماعي للمراهقين.

* أعطِه ثقتك
ولنأخذ أسلوباً آخر، الأسلوب المبني على الثقة، ولنرَ مدى الأثر الذي سيتركه هذا النوع من التواصل على المراهق. إنَّ هذه العملية ستساعد المراهق على تعزيز فهمه أكثر للذات وتساعده على صناعة تصور ذاتي مبني على تقوية شخصيته. والثقة أيضاً ستجعل من المراهق أكثر توازناً واستقراراً على المستوى العاطفي. فعملية الثقة تمنحه الأمان، وتجعل من الأهل الحضن والملجأ وكهف الأسرار لأبنائهم، وبالتالي تمنح هذه الثقة وتعزز روح وقوة الحياة لديه وتجعله مقاوماً صلباً في ميدان الصراع القوي ذا أهداف جلية وواضحة، وذا نظرة إيجابية نشطة إلى المستقبل. وكل خطوة يخطوها بنجاح ستشكل استعداداً ونجاحاً للخطوات التالية.

إن التعاطي بالثقة يعزّز روح الأمل ويحفّز المراهق ويطوّر نظرته الايجابية للأمور، مما يجعله يحسن التعاطي في علاقاته الإنسانية ويشجعه على التّقدم في عمليّة بناء الذات وصقل الهوية الذاتية وهو ما يعتبر خطوة سليمة في طريق الكمال الإنساني. وأخيراً للأهل الدور الأساس، إيجابياً كان أم سلبياً، وليعلموا كما قال الإمام الخميني قدس سره "أنَّ أرواح الشبان رقيقة شفافة سهلة القياد، وليس لدى الشبان من حبّ النفس وحبّ الدنيا بقدر ما لدى الشيوخ، فالشاب يستطيع بسهولة أن يتخلَّص من شرّ النفس الأمارة بالسوء ويتوجه نحو المعنويات". وهو مصداق لكلام أمير المؤمنين علي عليه السلام: "وإنَّما قلب الحدث كالأرض الخالية ما أُلقي فيها من شيء قِبلَته" (3).


( *) مدير عام المركز الإسلامي للتوجيه والتعليم العالي.
(1) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 1، ص 95.
(2) وسائل الشيعة (آل البيت)، الحر العاملي، ج 21، ص 475، ح 4.
(3) نهج البلاغة، الشريف الرضي، ج3، ص 40.

أضيف في: | عدد المشاهدات: