أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

مشاركات القراء: يا من كنتم أحبَّتي..

مريم رمّال



تجده قابعاً في زوايا الأرجاء يتصارع وغبار الوحدة, توسَّم بالفقر رغم كل ما يكتنزه من غنى, نُبذ عدواً مع أنَّه أوفى الأصدقاء, أرسلته أيادي العصر الحديث نحو معشر الجماد, أمَّا أرواح العصور السابقة فقد رفعت بأياديها عالياً ملبية دعواته الحكيمة, معتلياً عرش الإنسانية, محتضناً كلَّ ما هو جامد ومتحرك.

هو ذاك الكتاب الغريب بين أبناء أمّته, أمّة إقرأ, يناجي الزمان معاتباً علّه يُعطف عليه بالقليل.. يناجيه: اكبح جماح عقربك اللاذع فقد أفرغ السم الزعاف في كيان أحبتي, أو من كانوا يوماً أحبتي, حتى نسوا أني كنت خير الجلساء في أنامهم. بتُّ مجرّد زينة يعلِّقونها فوق الرفوف خوفاً من فراغ هو في الحقيقة يسيطر على عقولهم وقلوبهم دوني! أيها الزمان، قف هنيهة! ودعني أبكِ على أطلال مجدي في الأيام الغابرة, أيام نحتت في صفحات ذاكرتي, وكيف أنسى كلمات دوى صوتها في نفوس أظلمها الجهل والقمع فنثرت على أرصفة ثناياها قناديل شقّت عتمتها, وإذ بالحكمة تسري في أوصال الناس وتحقن إبراً توقظ عقول الكثير ممن دفنهم سباتهم في أسِرَّة الخنوع.

نعم..أنا من حررت شعوباً حين رحّبت أحضاني بحروف سقيت بعرق الجبين دمع العين ودم القلب, جُعلت أمانة في عنقي, فحافظت عليها بكلِّ ما أملك من قدرات وهي كثيرة, ولكن أنت أيها الزمان تحالفت والخيانة عليّ. كنت مزهوّاً بعربية مضموني, شامخاً وسط مكتبات بغدادية ومصرية حتى جاءت شياطين الليل على غرة لتهلكني, بعضي سُرق وبات موقَّعاً باسم الغرب, وبعضي الآخر كُبَّ في ألسنة النار. قاومت وما زلت, ولكن إلى متى وحتى متى؟!..وأنت أيها الزمان تستبدلني ببضع أزرار وشاشات تبعد عني من كانوا أحبتي, وما أقساكم من أحبة!


ها أنا أسخّر نفسي اليوم لتضميد جراح ألحقتها كلماتكم بي, فما أمرّ الحديث حين يخاطبني واحدكم مستهزئاً: "وإن قرأنا فلا نقرأ العربية منكّ", هذا كلامكم يا ضائعي الهوية, يا من تتظاهرون بالانتماء مع أنَّكم طلقتموه ثلاثاً. فأنا لست بأي كتاب, أنا الكتاب العربي الذي يتقلّد عناوين البطولة في كلِّ حرف نُقش بين أضلع صفحاتي, ما لكم تبتعدون عني؟ لن أحزن إذا اطَّلعتم على ما هو أجنبي عني، لكن فليكن ذا فائدة بدلاً عن الأفكار التي تتسلل إلى أدمغتكم عنوة فتسيّركم كيفما شاءت ! 

أصبحتم تتكلَّمون بألسنةِ غيركم، ولا تملكون أدوات التحليل. فقد ولّت أيام كنتم فيها عاشقين لي, تغوصون في أعماقي لتنتشلوا الدرر التي طالما زينت عقولكم, ويستوقفني كلام أحد أحبائي المخلصين الشهيد مرتضى المطهري حين قال: "لماذا فقد شعبنا منطقه؟ لماذا لا يمتلك شبابنا وخريجونا هذه الأيام القدرة على التحليل؟ لماذا عندما تكون بين أيديهم جوهرة ويقول لهم سكان النصف الآخر من العالم إن هذه جوزة يصدقون كلامهم ويرمون الجوهرة..". كالعادة أنا من يمتلك الإجابة, أبناء يومنا هذا رموني بسهام التجاهل بعد أن اجتاحتهم نوبات الكسل المزمن, وها هم يدفعون أبهظ من ذلك ثمناً. أراقب وقتكم على شاشة زمانكم هذا فما أجد سوى الضياع والتشرد, لحظاتكم وساعاتكم تذهب سدىً, مشغولين بتجرع أفيونات العصر التي تحاول جاهدة أن تذهب بكم بعيداً عن تكاليفكم وواجباتكم عوضاً عن هزيمة الوقت الراكض أبداً بسيوف كلماتي. تتجاهلون أولى الوصايا التي نزلت على نبي الإنسانية محمد صلى الله عليه وآله أن ﴿إقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (العلق: 1) إضافة إلى كثرة الآيات الشريفة في القرآن الكريم التي تدعو إليّ ﴿أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ, ﴿أَفَلاَ يَعْقِلُونَ, كلها باسم الكمال تدعوكم إليّ وأنتم ما زلتم سائرين في قافلة النكران.

كلمة أخيرة أرميها على مسامعكم رافضاً أحاديث الطرشان المسيطرة عليكم اليوم.. نحن نشهد اليوم حرباً ثقافية شرسة تديرها أيادي العدو بأسلحة التكنولوجيا التي تبهر عيون الناشئة, يريدون دفع الكتاب العربي نحو الحضيض, يريدونكم أعداءً للمواقف الثابتة جذورها في تربة الحق, وللكلمة المرفرفة أجنحتها في سماء الحرية, وللفكرة المتوهجة أنوارها في ساحات العلم, يريدون ذلك كله هدفاً للوصول إلى قيادة العالم ليكونوا هم الملوك ونحن الصعاليك!

أستحلفكم يا من كنتم وما زلتم أحبتي بحق العقيدة التي تنادي: "ما الملك إلا لله", العقيدة التي عليكم أن ترتدُوا أكفان الدنيا كلها في سبيلها: عودوا إلى الكتاب, واسمعوا نداء قائدكم الخامنئي "دام ظله" القائل: "أوصي جميع الإخوة ومهما كانت خطورة الوظيفة التي ينهضون بأعبائها بألا ينأوا بأنفسهم بعيداً عن المطالعة", فخير الناس هم من جعلوا الكتاب والعلم وجهة لحياتهم. ومهما ابتعدتم فلتعلموا أني لدعوتكم حاضر, فليس هناك أحب إليّ من علم تستخرجونه من قلبي لتوقظوا به قلوباً أماتها الزمان, علّ النفع يعود عليكم حتى وإن كانت أرواحكم قد قبضت إلى بارئها.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع