صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

احذر عدوك: إذاعة السرّ وكتمانه


تناولنا في العدد السابق القسمين الأولين من الأسرار (الأسرار الشخصية، الأسرار بين العبد والله)، وكيفية التعامل مع هذه الأسرار.
فيما يتناول هذا المقال، القسم الثالث وهو: أسرار العلاقة مع الناس والمجتمع.


* احفظ أسرار مجتمعك
يغفر الله سبحانه ذنوب الإنسان الخاصّة به بينه وبين ربّه بمجرّد أن يتوب، لكنّ ذنوبه المرتبطة بالناس أيّاً كانوا لا تُغفر إلّا أن يغفرها صاحبها. ورد عن الإمام عليّ عليه السلام: "إنّ الذنوب ثلاثة: فذنبٌ مغفورٌ، وذنبٌ غير مغفورٍ، وذنبٌ نرجو ونخاف عليه"(1). أمّا الذنب المغفور، فعبدٌ عوقب في الدنيا، فالله أحلم وأكرم من أن يعاقب عبده مرّتين، وأمّا الذي لا يُغفر فمظالم العباد بعضهم لبعض... وأمّا الذنب الذي نرجو ونخاف عليه فذنبٌ ستره الله على عبده ورزقه التوبة، فأصبح خاشعاً من ذنبه راجياً لربّه(2).

قال الله عزّ وجلّ: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (آل عمران: 110).
1- بعضهم أولياء بعض: يتميّز المجتمع الإسلاميّ بالإيمان بالله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويشكّل على هذا الأساس خير أمّة ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾. والإيمان يعني الإقرار بولاية الله عزَّ وجلَّ الذي له الولاية على الخلق. قال تعالى: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ﴾ (الشورى: 9). والله يؤتي الولاية لمن يشاء: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا﴾ (المائدة: 55). وقد جعل الله ولايته لرسوله وللمؤمنين بعضهم على بعض: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ (التوبة: 71)، فمن قطع هذه الولاية وخان وغدر بها أخرجه الله من ولايته.

وكشف سرّ المؤمن، قطعٌ لهذه الولاية، كما عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "يا أبا ذرّ، المجالس بالأمانة وإفشاء سرّ أخيك خيانة"(3)، وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "من أقبح الغدر إذاعة السرّ"(4). ومن كان كذلك أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشيطان؛ لذلك يقول الإمام الصادق عليه السلام: "من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه وهدم مروّته ليسقط من أعين الناس، أخرجه الله عزَّ وجلَّ من ولايته إلى ولاية الشيطان"(5).

2- ولا تجسَّسوا: قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾ (الحجرات: 12).
ينهى الله تعالى عن التجسّس؛ وهو السعي في اكتشاف أسرار الآخرين وما خفي من أمورهم، فالإسلام لا يبيح أبداً كشف أسرار الآخرين(6)؛ لأنّ أسرارهم ملكٌ وحقٌّ لهم، أفراداً كانوا كالزوجة والابن والأقارب والأصدقاء، أم جماعاتٍ، كالعائلة والقرية والبلدة. وما يراه الإنسان دون غيره من هذه الأسرار لا يجوز كشفها وإن كانت من السيّئات والمعاصي؛ لأنّه يدخل ضمن أحكام الغيبة أو النميمة اللّتين هما من كبائر المحرّمات، أو في الإضرار إذا كان فيها ضرر، أو إشاعة الفحشاء ونشرها.

3- إشاعة الفاحشة: لأنّ ذكر الفحشاء يجعلها عادية عند الناس تدريجيّاً، حرَّم الله سبحانه كلّ ما يُعتبر إشاعة للفحشاء، وهذا معنى قوله عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ (النور: 19)، وبهذا المعنى فسّره الإمام الصادق عليه السلام فيما روي عنه: "من قال في مؤمن ما رأته عيناه وسمعته أذناه، فهو من الذين قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ﴾"(7). وقد سمّى عليه السلام الأسرار عورات. والعورة يجب سترها لا كشفها، كما في الكافي عن عبد الله بن سنان قال: "قلت له: عورة المؤمن على المؤمن حرام؟ قال: نعم، قلت: تعني سفلَيه؟ قال: ليس حيث تذهب إنّما هو إذاعة سرّه"(8).
إنّ بعض المحرَّمات يُعاقَب عليه الإنسان في الدنيا قبل الآخرة. فعن الإمام أبي عبد الله عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا معشر من أسلم بلسانه ولم يخلص الإيمان إلى قلبه، لا تذمّوا المسلمين ولا تتّبعوا عوراتهم، فإنّه من تتبّع عوراتهم تتبّع الله عورته، ومن تتبّع الله تعالى عورته يفضحه ولو في بيته"(9).

* أمورٌ يحسن إخفاؤها
كذلك يحسن إخفاء بعض الأمور في علاقة الناس بعضهم ببعض، منها:
1- الإحسان إلى الناس: عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام: "يَا عَمَّارُ الصَّدَقَةُ واللَّهِ فِي السِّرِّ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ فِي الْعَلانِيَةِ، وكَذَلِكَ واللَّهِ الْعِبَادَةُ فِي السِّرِّ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي الْعَلَانِيَةِ"(10). وفي الحديث: "وعليك بصدقة السّر، فإنّها تطفئ غضب الربّ، وتدفع ميتة السّوء"(11).
2- أسرار المنزل: فعلى الزوج والزوجة عدم كشف أسرارهما وأسرار منزلهما للآخرين.

وهناك أمور لا يجوز كتمانها، منها:
3- العلم: في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله وتعليم الناس أحكام الله.
4- الشهادة: في الدعاوى يجب الشهادة بالحقّ، ولا يجوز كتمانها. قال تعالى: ﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ﴾ (البقرة: 283).
فعلى المؤمنٌ الذي يرجو الله تعالى، ويسعى للقرب منه، أن ينتبه إلى ما لديه من أسرار الناس، ويحافظ عليها، ولا يكشف أيّاً منها إلّا بإذنهم، ومع عدم الإذن فليتقِّ الله ربّه، وليحذر عقابه وطرده من قربه ورحمته.


1- الكافي، الكليني، ج 2، ص 443.
2- مستدرك سفينة البحار، النمازي الشاهروديّ، ج 3، ص 454.
3- بحار الأنوار، المجلسي، ج 74، ص 89.
4- غرر الحكم، الآمدي، ص 223.
5- ميزان الحكمة، الريشهري، ج 3، ص 2331.
6- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ناصر مكارم الشيرازي، ج 16، ص 550.
7- ميزان الحكمة، (م.س)، ج 3، ص 2330.
8- بحار الأنوار، (م.س)، ج 72، ص 169.
9- (م.ن).

10- الكافي، (م.س)، ج 4، ص 8.
11- المقنع، الصدوق، ص 295-296.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع