نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الإمام الحسين عليه السلام وارث الأنبياء عليهم السلام


الشيخ أبو صالح عبّاس


عرّفنا معاً معنى وراثة الإمام الحسين عليه السلام للأنبياء السابقين، ومعنى وراثته عليه السلام لنبيَّي الله آدم ونوح عليهما السلام، في العدد السابق. في هذا المقال، تتعرّف معنا أيّها العزيز، معنى أنّ الحسين عليه السلام قد ورث إبراهيم الخليل وموسى وعيسى، وخاتم النبيّين عليهم السلام.

* "السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ إِبْراهِيمَ"
1- الخليليّة:
ورث الإمام الحسين عليه السلام من إبراهيم الخليليّة، وصلابة الموقف. فكما واجه نبيّ الله إبراهيم عليه السلام الناس الذين ركنوا إلى نمرود، واتّبعوا الكواكب الآفلة، واجه الإمام الحسين عليه السلام الذين اتّبعوا نمرود عصرهم، وعبدوا كواكب الدنيا الزائلة، وتلك الكلمة التي قالها إبراهيم لقومه: ﴿إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً...﴾ (العنكبوت: 17)، ردَّد معناها الحسين عليه السلام حينما وصف واقع الناس: "الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم"(1).

2- النصر رغم كيدهم:

كما ورث من إبراهيم عليه السلام المحاججة، التي حينما وصلت إلى حائط مسدود، كادَ أصنامهم، فعمدوا إلى إحراقه بنار كانت برداً وسلاماً عليه، وكذلك الإمام الحسين عليه السلام، عندما وصل إلى المواجهة حطّم صنميّة النفوس بفأس الشهادة، فعمدوا إلى قتله وأهل بيته بنار القتل والسبي، فاستحالت برداً وسلاماً على الإسلام وحماته، وعلى زينب وموكب الإباء الخالد، وحلّت حقيقة: "يا نار كوني برداً وسلاماً" على العترة، والإسلام.

3- الهجرة الإبراهيميّة:

وورث منه الهجرة الإبراهيميّة، التي ذابت في الله تعالى حتّى بلغت مقام: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (الأنعام: 162)، ووصلت إلى الوادي القاحل، الذي صار مهوى الأفئدة والنفوس الموحّدة ﴿رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾ (إبراهيم: 37)؛ حيث انطلق الحسين عليه السلام بهجرة الجهاد والشهادة، من مكّة إلى المدينة فكربلاء، التي استحال واديها مهوى للأفئدة، والنفوس الوالهة بحبّ الحسين عليه السلام.

4- الفداء:

كما ورث منه فداء الذبح، حيث يقول تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ (الصافات: 102)، وفي ذلك لحن مقالة الحسين عليه السلام للقاسم بن الحسن، حينما سأله: "يا بنيّ كيف الموت عندك؟" وإيقاع جواب القاسم حينما قال: "يا عم أحلى من العسل"(2). وقد تحقّق الفناء الإبراهيميّ–الإسماعيليّ لحظة حلول حقيقة ﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ (الصافات: 103)، وتحقّق الفداء، بقوله تعالى: ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ (الصافات: 107). أمّا فناء الحسين وأهله وأصحابه في الله، فقد تحقّق حينما استعدّ الجميع للشهادة ودخلوا في المعركة الأخيرة. أمّا الفداء فكان ذبح الحسين عليه السلام، ولم يكن المفدّى سوى الإسلام العظيم.

* "السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ مُوسى... السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ عِيسى"
1- نجّني من القوم الظالمين:
ورث الإمام الحسين عليه السلام من موسى النبيّ عليه السلام الخروج الحذر؛ ﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ (القصص: 21)، حينما خرج من المدينة، وهو يتلو هذه الآية الكريمة(3).

2- المبادرة في المواجهة:

وورث منه الذهاب إلى أبعد الحدود لمواجهة الطغيان والمبادرة ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾ (طه: 43). وكما قاد موسى عليه السلام قومه من براثن الظلم والمهانة، أخرج الحسين قومه، من ظلمات الفسق، والطغيان، وفلق بحر "الأمر الواقع" الذي عاكس حركة الهداية، بعصا الشهادة التي عبّدت الطريق للعبور الآمن.

4- البقاء بعد غياب الجسد:

وورث عليه السلام من عيسى النبيّ عليه السلام البيّنات والتأييد ﴿وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾ (البقرة: 87)، فورث منه البقاء بعد غياب الجسد. وكما توهّم قتلة عيسى عليه السلام أنّهم قضوا عليه
﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ﴾ (النساء: 157)، كذلك ظنَّ يزيد أنّه قتل الحسين عليه السلام، وتمكّن من القضاء على مشروعه، إلّا أنّ الله سبحانه أبى إلّا أن تبقى قضيّته حيّة لا تموت، وأبطل مزاعمهم.

5- إحياء الناس وشفاؤهم:

وكما أحيا عيسى الموتى، وشفى الأبرص، أحيا الحسين قومه من موتهم الاجتماعيّ، وأيقظهم من رقادهم المقيت، وشفى قلوبهم المرضى.

* "السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ مُحَمَّدٍ"

ورث الإمام الحسين من النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم الدين الحيّ، والعلم، وجسّد الآيات التي نقلت للعالمين أخلاق النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، مثل قوله تعالى: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ (الفتح: 29)، وقوله تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ (التوبة: 128)، وأثار بدمائه دفائن العقول، وأوذي كما أوذي النبي، وبذل كل ما يملك في سبيل هداية الناس أجمعين، وحطم الأغلال الطبقيّة، وحرر النفوس من الركون إلى الظالمين، وأعاد الحياة إلى الإسلام، فاستمرّت شعلة الإيمان وقّادة بدمائه وأهل بيته وأصحابه، الدماء التي استحالت الزيت الحيّ، الذي كلما احتجنا إليه، وجدناه جاهزاً لتغذية الشعلة، وضخّ القوّة فيها من جديد.
وبهذه الوراثة، غدا الحسين عليه السلام مصباحاً للهدى وسفينة للنجاة، سفينة لا يقوى على ركوبها إلّا أولئك الذين رأوا الحسين امتداداً لتاريخ النبوّة، ومنهج الأولياء، ففتحوا قلوبهم ووطّنوا نفوسهم لاستلهام العِبَر والقيم المتصلة بعراقة التوحيد، وأصالة الفداء، على مذبح الدعوة إلى الإله الواحد.

وبالثقل الحسينيّ الموروث، تمهّد الأجيال الحرّة لإمام العدل المنتظر الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وسيعيد إحياء الموروثات النبويّة، وتجسيد القيامة الحسينيّة الخالدة.


1- بحار الأنوار، (م. س)، ج44، ص383.
2- مدينة المعاجز، هاشم البحراني، ج4، ص315.
3- كربلاء الثورة والمأساة، أحمد حسين يعقوب، ص215.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع