نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مناسبة: بداية رحلة النور


الشيخ إسماعيل حريري(*)


قد جعل الله في السنة اثنيْ عشر شهراً
﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ (التوبة: 36). ومن هذه الشهور الاثني عشر ثلاثة منها تُعرف بأشهر العبادة وأشهر النور، لما تحويه من خصوصيّات عباديّة لا توجد في غيرها من الشهور، وهي أشهر: رجب الأصبّ، شعبان المعظّم، ورمضان المبارك.

* مبدأ كلّ البركات
يقول الإمام روح الله الخميني قدس سره في بركات الأشهر الثلاثة: "توجد في هذه الأشهر الثلاثة (رجب وشعبان ورمضان المبارك) العديد من البركات التي أعدّها الله للإنسان، وهو يتمكّن من الاستفادة منها على أحسن وجه. بالطبع، إنّ مبدأ كلّ تلك البركات "المبعث النبوي الشريف"، وما بقي يكون تابعاً له...، ومن المعلوم أنّ الألسن والعقول والأفكار لا تتمكّن من سَبر أغوار شرف ومكانة هذه الشهور الثلاثة"(1).

وقد جُمعت الأشهر الثلاثة في روايات عدّة، يتبيّن فيها الربط الأكيد -المُقدّمي والغائيّ- في ما بينها، كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "رجب شهر الله الأصبّ، وشهر شعبان تتشعّب فيه الخيرات، وفي أوّل يوم من شهر رمضان تُغلّ المردة من الشياطين، ويُغفر في كلّ ليلة لسبعين ألفاً، فإذا كان ليلة القدر غفر الله لمثل ما غفر في رجب وشعبان وشهر رمضان إلى ذلك اليوم..."(2).

وروى العلاّمة الحلّي قدس سره في إجازته لبني زهرة بإسنادٍ ذكره قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمّتي..."(3).

* أوّل أشهر العبادة
إنّ أوّل هذه الأشهر وباكورتها هو شهر رجب، الذي يصحّ فيه القول: إنّ شهر رجب هو أوّل أشهر العبادة في السنة القمريّة، ولا أقلّ من أنّه باكورة أشهر العبادة الثلاثة، بل العبادة فيه مقدِّمة للشهرين التاليين بعده.

قال الشيخ الطوسي في "مصباح المتهجّد": "وهو -أيْ شهر رجب- شهر عظيم البركة شريف. كانت الجاهليّة تعظّمه، وجاء الإسلام بتعظيمه، وهو الشهر الأصمّ، سُمّي بذلك لأنّ العرب لم تكن تُغير فيه ولا ترى الحرب وسفك الدماء، فكان لا يُسمع فيه حركة السلاح، ولا صهيل الخيل، ويسمّى أيضاً الشهر الأصبّ؛ لأنه يصبّ الله فيه الرحمة على عباده، ويُستحبّ صومه"(4).

فكأنّ المؤمن يبدأ رحلته العباديّة إلى شهر رمضان بشهر صبّت الرحمة الإلهية فيه صبّاً على العباد، حتى إذا عاش أجواء هذا الشهر العباديّ بتمام العبادة والطاعة والقرب من الغفور الرحيم، ونال نصيباً من رحمة الله الواسعة، ومرّ بشهر شعبان الذي له ميزاته وخصائصه العباديّة، وصل الى شهر رمضان بهمّة معنويّة عالية، وقابليّة روحيّة متميّزة، لتلقّي فيوضات وبركات شهر الله الذي يستضيف فيه عباده على موائد فضله وكرمه وجوده اللامحدود.

ولذلك، كانت الأعمال في شهر رجب الأصبّ لها خصوصيّة مقدميّة وهي: أنّ الاستعداد لضيافة الله تعالى في شهر رمضان يبدأ منه، وتختم هذه الضيافة بفرحة الصائمين بعيدهم المبارك، فمن أراد أن يحظى بتلك الضيافة، ويفرح بعطاء الله تعالى في ذلك العيد، فهذا هو المدخل الطبيعي لنيل الألطاف الإلهية الخاصة، وإن كانت رحمة الله تعالى أوسع من ذلك: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ (الأعراف: 156).

* تميُّز شهر رجب بمناسباته
- البعثة الشريفة:
ذكرنا كلاماً للإمام الخميني قدس سره قال فيه: "إنّ مبدأ كلّ تلك البركات المبعث النبوي الشريف، وما بقي يكون تابعاً له، ففي شهر رجب المرجب تمرّ ذكرى المبعث العظيم، وولادة مولانا علي بن أبي طالب عليه السلام وبعض الأئمّة عليهم السلام..."(5).

فمن خصوصيّات هذا الشهر وما يميّزه، مناسبة بعثة خاتم الأنبياء والرسل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم في اليوم السابع والعشرين منه، وهو يومٌ فصلٌ بين ما قبل البعثة الشريفة وما بعدها. فقد غيّرت هذه البعثة النبويّة مجرى تاريخ الأمم عموماً وأمّة العرب خصوصاً إذ جاء النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بدين الإسلام، الذي هو خاتم الأديان وشريعته خاتمة الشرائع، إلى يوم القيامة: "... حتى جاء محمد صلى الله عليه وآله وسلم فجاء بالقرآن، وشريعته، ومنهاجه، فحلاله حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة..." كما جاء عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام(6).

- ولادة الوصيّ عليه السلام وبعض الأئمّة عليهم السلام
كانت ولادة الامام الوصيّ عليه السلام في الثالث عشر من هذا الشهر، فارتبطت ولادته عليه السلام ببعثة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لتكتمل أركان الإسلام والإيمان: التوحيد والنبوة والامامة، حيث دعا صلى الله عليه وآله وسلم إلى موالاة وصيّه واتخاذه إماماً وخليفةً من بعده من الأيّام الأولى لبَعثته الشريفة، مذكّراً بها طوال سنيّ عمره الشريف، وختمها بكلام واضح وجليّ يوم غدير خمّ(7).

ثم إنّ الامام الخمينيّ قدس سره قد أشار إلى ولادات أئمة آخرين، وهم: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام في الأول من هذا الشهر، سنة 57 للهجرة، الإمام عليّ بن محمد الهادي عليه السلام في الثاني منه، سنة 212 للهجرة، الإمام محمد بن عليّ الجواد عليه السلام في العاشر منه، سنة 195 للهجرة.

* أهم العبادات في شهر رجب
لسنا بصدد ذكر الأعمال المستحبة في شهر رجب، وإنّما نذكر أهمّ الأعمال العباديّة الواردة في هذا الشهر العظيم وهي:

1- الصوم:
فإنّ ما ورد في فضل وثواب صوم أيّام من هذا الشهر، ابتداء من يومه الأول وانتهاء باليوم الأخير منه، شيء عظيم، فهي:
صوم أوّله ووسطه وآخره، صوم أوّل خميس وآخر خميس والأربعاء الأولى من العشر الثانية من الشهر، الأيام البيض وهي 13 و14 و15 من الشهر، وتُتوّج هذه الأيام بصوم يوم السابع والعشرين منه. وقد ورد في فضله الكثير(8)، فهو من الأيّام الأربعة الوارد استحباب الصوم فيها بالخصوص، كما في الرواية عن الإمام الهادي عليه السلام لمّا سئل عن الأيام الأربعة التي تصام في السنة فقال: "أولهنّ يوم السابع والعشرين من رجب، يوم بعث الله تعالى محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم إلى خلقه رحمة للعالمين..."(9).

2- صلاة ليلة الرغائب:
وليلة الرغائب هي ليلة أوّل جمعة من شهر رجب، وقد ورد في فضلها ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "والذي نفسي بيده، لا يصلّي عبد أو أمة هذه الصلاة إلّا غفر له جميع ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر، ويشفّع يوم القيامة في سبع مائة من أهل بيته ممّن استوجب النار"(10).
والرواية التي ورد فيها ذكر ليلة الرغائب وصلاتها، وإنْ كانت رواية ضعيفة السند إلّا أنّ هذا لا يمنع من الإتيان بها بنيّة رجاء المطلوبيّة وطلباً للثواب الوارد فيها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإنّ مَن بلغه ثوابٌ على عمل فعمِله رجاء هذا الثواب كان له ثوابه(11).

3- عمل أم داود:
وهو عمل علّمه الإمام الصادق عليه السلام امرأةً تدعى أم داود كان ابنها داود محبوساً في العراق، وفائدة هذا العمل إطلاق سراح المحبوس.

وأمّا ما هو المطلوب في هذا العمل، من صوم وقراءة قرآن ودعاء فهو موجود بالتفصيل في كتب الأعمال، كالإقبال(12)، ومفاتيح الجنان وكتب الحديث.

نختم بكلمات قيّمة للإمام الخامنئي دام ظله في شهر رجب: "يُعدُّ هو وشهر شعبان وشهر رمضان عيداً لأولياء اللّه وعباده الصالحين؛ لأنّ هذه الأشهر موسم المناجاة والتضرّع والتوجّه إلى ربِّ الأرباب.

الإنسان في أيّ بُرهة زمنيّة، وفي أيّ شأن من شؤونه الاجتماعيّة، بحاجة إلى الارتباط باللّه تعالى والدعاء والتوجّه والتضرّع إليه. وهذه حاجة أساسيّة؛ إذ إنّ الإنسان بدون الارتباط بالله، يبقى خاوياً لا جوهر له ولا مضمون. والتوجّه إلى الله والارتباط به بمثابة روح في جسم الإنسان الحقيقي، وهذا ما يُوجب اغتنام كلّ فرصة تعرض في سبيل توثيق الصلة بين العبد وربِّه، وفرصة حلول شهر رجب واحدة من هذه الفُرَص"(13).


(*) أستاذ في جامعة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم العالمية، فرع لبنان.
1.صحيفة الإمام الخميني، ج17، ص456.
2.وسائل الشيعة (الإسلامية)، الحرّ العاملي، ج7، ص228.
3.(م.ن)، ج5، ص232.
4.مصباح المتهجد، الطوسي، ص797.
5.صحيفة الإمام، (م.س).
6.المحاسن، البرقي، ص269، ح358 .
7.المراجعات، عبد الحسين شرف الدين، ص352.
8.فضائل الأشهر الثلاثة، الصدوق، ص11 و12؛ ح6 وح7.
9.تهذيب الأحكام، الطوسي ج4، ص305، ح4.
10.وسائل الشيعة (آل البيت)، (م.س)، ج5، ص233.
11.الكافي، الكليني، ج2، ص87، ح1 و2.
12.إقبال الأعمال، ابن طاووس، ج3، ص241.
13.همسات من شهر رجب الأصب من كلمات الإمام الخامنئي، الشيخ علي المسترشد، ص3.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع