نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

من القلب إلى كل القلوب: مثلي لا يبايع مثله


سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله)(*)


في مثل هذه الأيّام والليالي من سنة 61 للهجرة، حدثت مواجهةٌ بين معسكريْن: معسكر الإمام الحسين عليه السلام ومعه تلك الثلّة القليلة، ومعسكر يزيد ومعه جيش كبير. في هذه المواجهة كان للإمام الحسين عليه السلام أهداف، وكان ليزيد أهدافٌ أيضاً.

وهنا يمكننا فتح حسابيْن: حساب الدنيا وحساب الآخرة، لنعرف من خلالهما من هو الفائز والمنتصر. عندها يمكن التحدّث عن النصر ومعرفة المنتصر، وعن الهزيمة التي مُنِيَ بها المنهزم. نعم، يمكن لمن استشهد أن ينتصر، إذا تحقّقت أهدافه وأُنجزت، أو إذا مَنَعَ الجبهة المقابلة من تحقيق أهدافها.

* أهداف يزيد
إذا أردنا أن نبدأ من حساب الدنيا، وما كانت أهداف يزيد، فيمكن تلخيصها بما يلي:

1- السلطان والملك:
عندما توفّي معاوية بن أبي سفيان، انتقلت السلطة والخلافة إلى يزيد بن معاوية الذي أراد أخذ البيعة من كل الأُمّة ولو بالقوّة، حتّى من بعض كبار الشخصيّات ممّن لم يبايع، وفي مقدّمهم الإمام الحسين عليه السلام. كان هدف يزيد، بالحدّ الأدنى، تثبيت مُلكه وسلطانه. وهذا غير ممكن من دون بيعة هؤلاء الكبار من صحابة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، أو أهل بيته عليهم السلام، لذا، أراد الحصول على الشرعيّة لحكمه من الحسين عليه السلام لأنّه عليه السلام بقيّة أهل البيت عليهم السلام، وبقيّة أصحاب الكساء عليهم السلام.

2- ترسيخ حكمٍ أمويٍّ سفيانيٍّ:
كان من أهدافه أيضاً أن يُثبِّت حُكماً أمويّاً سفيانيّاً يبقى بعده في آل أبي سفيان، وأحفاد أبي سفيان.

3- النيل من الإسلام:
إذا أردنا أن نحدّد بشكل أدقّ أو نترقّى أكثر عندما نتكلّم عن أهداف يزيد، نجد أنّ هدف يزيد ونواياه كانت تتجاوز الأهداف السابقة، إلى الإسلام كدين، حيث أراد يزيد إخراج هذا الدين من ثقافة الأمّة ووجدانها، وإعادة الأمّة إلى جاهلية يحكمها مُلكٌ عضوض من البيت السفيانيّ.

* الوقائع ترجمت أهداف يزيد
الوقائع طبعاً، هي التي أكّدت هذا الهدف الذي عمل يزيد على تحقيقه سواء مع الحسين عليه السلام وأهل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، أو من خلال ما فعله في المدينة مع صحابة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من المهاجرين والأنصار وأبنائهم وبناتهم، كذلك عندما أعطى القرار والأمر بمحاصرة مكّة وضربها بالمنجنيق لتستسلم، بعد أن تحصّن فيها عبد الله بن الزبير.

مجمل سلوك يزيد بن معاوية كان يؤكّد أنّ هدفه هو النيل من الإسلام، وليس تسلّم السلطة والحكم فحسب. أضف إلى ذلك، أنّ من أهداف يزيد الثأر من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن أهل بيته، ومن صحابته. وهذا الهدف كان حاضراً في كربلاء، وفي المدينة، وفي مكّة أيضاً.

* "حركة" الحسين عليه السلام كانت المواجَهة
نستطيع القول: إنّ أهداف الحسين عليه السلام كانت في منع يزيد من تحقيق أهدافه، وكان من أهدافه عليه السلام:

1- بقاء الإسلام:
إنّ تحصين الإسلام والحفاظ عليه، واستمراره كان أرقى أهداف الإمام الحسين عليه السلام. وهذا الهدف لا يتحقّق إلّا من خلال إسقاط المُتآمر على الإسلام، وهو يزيد بن معاوية. وإذا اتّبعنا السياق التصاعديّ لأهداف الإمام الحسين عليه السلام من خلال الوقائع في حركته، نجد أنّها تُرجمت في حركته من المدينة، إلى مكّة، إلى كربلاء، إلى الحصار، إلى العطش... فبقاء الإسلام والحفاظ عليه كانا هدفاً، وضعه الحسين عليه السلام، وأخلص له حتّى اللحظات الأخيرة.

2- عدم تمكين يزيد بن معاوية من السلطة:
تمثّل ذلك برفض مبايعته؛ لأنّ ذلك يعني عدم إعطاء الشرعيّة لحكمه، وإسقاط هذا الطاغية الذي يستهدف الإسلام وكرامة الأمّة، وأهل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً.

3- كشف حقيقة يزيد:
من أهداف الحسين عليه السلام في هذا السياق، كشف حقيقة يزيد. ففي ذاك الزمن لم تكن وسائل الإعلام موجودة، وكان كثير من الناس يعتقدون ويصدّقون بأنّ يزيد رجل مؤمن، عالم، عابد، زاهد... وهم قد بايعوه على هذا الأساس. وقد أراد الحسين عليه السلام من خلال مواجهته أن يكشف حقيقة هذا الطاغية وزيْفه للمسلمين وللأمّة جميعاً. وهذا كان عنصراً أساسيّاً في مَنع تثبيت هذا السلطان، وتحقّق أهداف هذا المشروع.

4- استنهاض الأمّة:
إذ إنّ أولئك الناس الذين عايشوا -خلال عشرين عاماً- حكم معاوية بن أبي سفيان أصبحوا خانعين وخاضعين، وتمّ تزوير الكثير من الحقائق لهم، وفقدوا العزم والإرادة والحماسة، الكلام وحده لم يكن ليستنهضهم، فكانت المواجهة الدامية والشهادة المظلومة الحقّة هي الأقدر على استنهاضهم.

هذه أهداف الحسين عليه السلام، وتلك كانت أهداف يزيد، لنذهب إلى الوقائع التي امتدّت إلى ما بعد المواجهة الميدانية، ونَخلُص منها إلى النتائج.

* وقائع المواجهة
في الوقائع، طلب يزيد البيعة، لكنّ الحسين عليه السلام رفض وأبى، بدايةً من المدينة، وصولاً إلى العراق، إلى كربلاء، فحصلت المواجهة الدامية في كربلاء، استُشهد الحسين عليه السلام ومن معه، وسُبيت بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الكوفة إلى المدن العراقية، إلى المدن الشامية، وصولاً إلى دمشق ومنها عوداً إلى المدينة، وانتشر هذا الخبر واهتزّت الأمّة، كيف أنّ هذا الخليفة يقتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ بدأ التململ في الأمّة، والسؤال والاستفسار، والحراك الذي ولَّد مجموعة من الثورات، وأيضاً هذه الفضيحة وصلت بعد ذهاب وفد من المدينة المنوّرة إلى الشام واكتشفوا حقيقة يزيد، وأنّه كما وصفه الحسين عليه السلام: رجلٌ فاسقٌ، فاجرٌ، قاتلٌ للنفس المحترمة... إلى آخره، ذهبوا إلى الشام ورأوا أنّ يزيد لا يتحلّى بأيّ صفة من صفات المسلم، فرجعوا إلى المدينة، وأخبروا أهلها بما رأوا؛ عندها خلعت المدينة بيعة يزيد.

* استباحة مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
في شهر ذي الحجّة، من عام 63 للهجرة، أرسل يزيد جيشاً إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، حيث كان فيها بقيّة المهاجرين والأنصار وعائلاتهم، وصحابة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وبقيّة أهل البيت عليهم السلام، وفيها ضريح النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأضرحة الصحابة. نصّب يزيد على الجيش قائداً (مسرف بن عقبة) فحاصر المدينة التي أبَتْ أن تستسلم وقاتلت، ولكن سرعان ما سقطت، وبأوامر من يزيد بن معاوية استباحها الجنود ثلاثة أيام.

لقد نقلت كتب التاريخ أنّ عدد القتلى في المدينة المنوّرة كان خلال 3 أيام سبعمائة من وجوه الناس المهاجرين والأنصار، وعشرة آلاف من عامّة الناس. فالعدد الأقل هو الذي قُتل في المواجهة، لكن عامّة الناس سِيقوا إلى القتل، وقُطعت الرؤوس، حتّى تكاثرت الجثث وأريق الدم...

بعدها، أخذ مسرف بن عقبة البيعة عنوةً من البقيّة. وكان شرطه أن يبايعوا على أنّ أولادهم وأموالهم مُلكٌ وعبيدٌ ليزيد بن معاوية. ومَن أبى كان يُقتل ويقطع رأسه ويُذبح.

* حصار مكّة بأمر يزيد
كذلك أمر يزيد قائد جيشه بالذهاب إلى مكّة ومحاصرتها وضربها بالمنجنيق لتُحرق حتّى تستسلم وتبايع كما بايعت المدينة. كان المطلوب أيضاً من أهل مكّة أن يبايعوا على أنّهم عبيد ومُلك ليزيد بن معاوية. فهل هذا كله له علاقة بالإسلام والإنسانية؟!
ولكن هذا السفّاح (قائد الجيش) أصابه المرض، قبل تنفيذ مهمّة الذهاب إلى مكة، وسلّم الراية لمن هو أسوأ منه، فاقتحم بجيشه مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم [ببغاله وبدوابه]، وهتك حرمة مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وحرمة قبره صلى الله عليه وآله وسلم. فقُتل أُناس وسُفكت دماؤهم داخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ثم ذهب بجيشه إلى مكّة وبدأ حصارها. أثناء ذلك، في ربيع الأول من عام 64 للهجرة، مات يزيد بن معاوية، دون أن يعرف أحد كيف مات، بعضهم قال بأنّه قُتل وبعضٌ آخر قال حادثة، خاصة أنّ يزيدَ لا جثّة له.

كان وليّ عهد يزيد ابنه "معاوية"، الذي خلع نفسه من الخلافة بعد أيام قليلة، وما لبث أن توفّي بعد أربعين يوماً أو عدّة أسابيع، كما يكتنف قصة وفاته الغموض أيضاً. فسقط البيت السفيانيّ، وانتهى حكم آل أبي سفيان في ربيع الثاني من عام 64 للهجرة، أي بعد مرور أقلّ من أربع سنوات على معركة كربلاء.

هذه الوقائع باختصار، وسنتحدّث عن النتائج في العدد القادم، بإذنه تعالى.


(*) كلمة السيد حسن نصر الله (حفظه الله)، ليلة الأول من شهر محرم من عام 1438هـ/ 2016م.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع