مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص مجتمع | "الأمّ بتلمّ" مناسبة | من رُزق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حُبّها أذكار | شهر رمضان المبارك آخر الكلام | الأوراق المغلّفة الافتتاحية | ما أفضل أعمال شهر رمضان؟ القرآنُ مشروع حياة

من القلب إلى كل القلوب: 25 أيّار: بوابة الانتصارات الآتية(*)


سماحة السيد حسن نصر الله (حفظه الله)


بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ (القصص: 4-6).

* هنا.. انتصر الدم على السيف
في يوم المقاومة والتحرير، في يوم الانتصار التاريخيّ العظيم والكبير، نلتقي لنؤكّد من جديد مقولة أبي عبد الله سيّد الشهداء الإمام الحسين بن علي عليهما السلام وخطّه؛ لنثبت من جديد أنّ الدم انتصر على السيف، وأنّ الدم هنا قهر السيف وهزمه، وأنّه حطّم كلّ قيد وأذلّ كلّ طاغية ومستكبر.

نلتقي لنحتفل بالنصر الذي صنعته الشهادة، وصنعته الدماء. عندما نتحدّث عن هذا النصر، عن تحرير الأرض وعن عزّة الأمة.. يجب أن نتذكر كل أولئك الذين ساهموا في صنع هذا النصر.

لكن قبل كل شيء وبعد كل شيء، نحن عباد الله نعلن أمام العالم كلّه أنّ هذا النصر من الله سبحانه وتعالى، هو الذي هدانا إلى طريق المقاومة، ودلّنا إلى سواء السبيل، وهو الذي ثبّت قلوبنا وملأها طمأنينة وعشقاً للشهادة، وهو الذي ألقى في قلوب أعدائنا الرعب، وهو الذي رمى وهو الذي أصاب ودمّر المواقع وهدّم الحصون وقتل الجبابرة، الله سبحانه وتعالى هو الذي صنع هذا النصر، نشكره ونحمده ونخضع له وندعوه أن يتمّ لنا نصرنا وأن يحرّر كلّ الأرض وكلّ هذه الأمّة المعذّبة والمظلومة.

* دماؤهم صنعت النصر

وعندما نأتي إلى شكر الخَلق، لا بدّ من أن نشكر أولاً الشهداء، كل الشهداء، منهم أخٌ عزيز، كان عاشقاً للشهادة، مجاهداً، جندياً مجهولاً، هو فضيلة الشيخ المقاوم أحمد يحيى، كان هذا الشيخ المجاهد والطاهر والعابد، يصرّ على أن يكون أول شيخ ينفّذ عملية استشهادية في تاريخ الصراع مع العدوّ الإسرائيليّ.. يجب أن نعترف لهؤلاء الاستشهاديين، من أحمد قصير إلى بلال فحص إلى عمار حمود: هذه الدماء الزكيّة صنعت النصر. ويجب أن نعترف للمجاهدين المضحّين الذين تركوا الديار وقضوا زهرة شبابهم وعمرهم في القتال والجهاد. يجب أن نذكر عوائل الشهداء، الأسرى، الجرحى وعوائل هؤلاء جميعاً.

* نحتفل بنصرين
نحن في 25 أيار، مع اللبنانيين جميعاً، نحتفل بنصرين وليس بنصرٍ واحد.

النصر الأول: تحرير جزء كبير من أرضنا، وجزء كبير من معتقلي سجون الاحتلال، وإلحاق الهزيمة بالعدوّ؛ بفضل الجهاد، والمقاومة، والصمود والتضحيات. نحن اليوم ننعم بالحرية والأمان ولا تجرؤ طائرات العدوّ على أن تأتي فوقكم، وهم أجبن من أن يأتوا في مثل هذا اليوم. اليوم نحن في أرضنا، بفضل دماء شهدائنا، بفضل شعبنا، بفضل الصمود والمقاومة. وهذا ليس منّة من أحد، فهذا الشعب، وهذه الأمة وهذه التضحيات هي التي أعادت للمرة الأولى، أرضاً عربيّة بالكامل بفعل القوّة والمقاومة، وألحقت أوّل هزيمة تاريخيّة بهذا العدوّ الصهيونيّ المتغطرس. هذا النصر الأوّل يؤسس لحقبة جديدة ويشطب خلفه حقبة تاريخيّة ماضية.

والنصر الثاني: هو كيفية فرض الانسحاب على العدوّ. لقد فرضتم عليه التوقيت.. وفرضتم عليه الكيفيّة... وأثبتّم، بعد الانسحاب، أنكم شعبٌ لائق بالنصر. لقد كان الإسرائيليّ يخطط ليكون انسحابه بعد عدّة أسابيع، ويسلّم تدريجياً مواقعه لميليشيا لحد، لكنكم فرضتم على العدوّ شكل الانسحاب ووقته، وانتهى الانسحاب بأذلّ صورة ممكنة للعملاء الذين شاهدنا صور إذلالهم عند بوابات فلسطين المحتلّة وكيف تخلّى العدوّ عنهم.

ثمّ بعد ذلك كان العالم وكان العدوّ الإسرائيلي نفسه يراهنان على أنّ هذه المنطقة لن تسعد بالنصر ويراهنان على أنّ هذه المنطقة سوف تدخل في ظلام دامس وفي فتن لا حدود لها، لكنكم أثبتّم والمقاومة، بالانسجام مع الدولة اللبنانية، أنّ شعب لبنان ودولته ومقاومته وكلّ الطوائف فيه هم جديرون بالنصر، وهم يحتفلون بالنصر.

لقد دخلت هذه المنطقة بعد الاحتلال في موسم النور وخرجت من عصر الظلام بعد 22 سنة من الاضطهاد واعتقال آلاف المواطنين، فبرغم تدمير البيوت والقمع والقهر، لم يُقتل رجلٌ واحد. عندما انهار الجيش النازي في فرنسا، أقدمت المقاومة الفرنسية "المتحضّرة" على إعدام عشرة آلاف عميل فرنسيّ من دون محاكمة. إنّ المقاومة في لبنان ولبنان أثبتا أنهما أكثر حضاريّة من فرنسا وكلّ هذا العالم! وهذا المشهد المثاليّ هو الذي أذهل العالم.. وهذا هو النصر الثاني الذي تحقّق.

* واجباتنا أمام النصرين
أمام هذين النصرين الكبيرين علينا واجبات:
أولاً: يجب الحفاظ على هذا الإنجاز وهذا الانتصار، ويجب تقويته وتحصينه، وهذا يحتاج إلى جهد وتضحية أكبر، وإلى تواضع كبير من الجميع.

ثانياً: علينا أن نثبت في هذه المنطقة أننا لائقون بالنصر، فلا تسمحوا لأحد في الأيام والأسابيع المقبلة بأن يدخل على الخطّ. أنا لا أتحدّث عن مخاوف، ولكننا في جوار عدوّ لا يمكنه أن يتحمّل كلّ هذه البهجة في وجوهكم، وهو الذي اعتاد أن يراها متألّمة حزينة.. لا يمكنه أن يرى الفرح في عيونكم، وهو الذي اعتاد أن يراها دامعة.. فهذه المنطقة بحاجة إلى تحصين بعد كلّ هذا التاريخ المظلم، مسؤوليّة رجال الدين المسلمين والمسيحيين، والقوى السياسية، والفاعليات والوجهاء والمثقفين وأهلنا جميعاً.. أن يعملوا على لمْلَمة الجراح في كلّ بلدة وقرية وبين العائلات جميعاً.

ثالثاً: العملاء هم عبرة للّبنانيين جميعاً، وهذه تجربة جديدة. لقد شاهدتم كيف أُذلّ هؤلاء العملاء، وكيف اتّهموا قائدهم بخيانتهم. العميل أنطوان لحد يقول: "لقد أخلصنا لـ"إسرائيل" 25 سنة وخانتنا وتركتنا في ليلة واحدة". هذه التجربة يجب أن تكون عبرة لكل لبنانيّ مسلم ومسيحيّ لأنّ إسرائيل لا يعنيها ولا يهمّها أحد في لبنان. في نظر هؤلاء الصهاينة الجميع مجرّد خدم وعبيد لشعب الله المختار.

* هذا انتصاركم
يجب أن تتعاطوا على أنّ هذا انتصار لكلّ اللبنانيين. فهذه المقاومة كانت قوّة للوطن، وستبقى كذلك. عندما كانت، هذه المقاومة، تنتصر كانت تتواضع، وعندما كانت ترتفع بالشهداء تتواضع؛ لأننا في هذا النصر نشعر بعظمة ربّنا وقوّته وجبروته وقدرته. وكم نحن البشر ضعفاء، إذا اتّكلنا على أنفسنا نبقى مهزومين، وإذا اتّكلنا على الله فإنّ الله هو العزيز الجبار. نحن لن نسمح بأن يُستخدم هذا النصر من أيّ أحد على حساب هذا الوطن وعلى حساب أيّ جزء من شعب هذا الوطن العزيز.

أنتم الآن هنا في بنت جبيل آمنون سعداء، وهم على امتداد مستعمرات شمال فلسطين المحتلة خائفون ومرتعبون أمام المستقبل المجهول... لقد انتهى الزمن الذي كنّا نخاف فيه من التهويل والتهديد الإسرائيليين. "إسرائيل" إذا اعتدت على لبنان ستدفع أثماناً باهظة.

* يا شعب فلسطين
يا شعبنا في فلسطين: مصيرك بيدك، أرضك تستطيع أن تستعيدها بإرادتك، بخيار عزّ الدين القسّام، بدماء فتحي الشقاقي ويحيى عياش، يمكنك أن تستعيد أرضك. يمكنكم أن تعيدوا أهلكم إلى ديارهم بفخر واعتزاز من دون توسّل لأحد، وأن تستعيدوا أرضكم وحقوقكم المشروعة حتّى لو تخلّى عنكم كلّ العالم. إنّ طريق فلسطين إلى الحرية، هو طريق المقاومة الجادة والانتفاضة الحقيقية، التي لا ترضى إلّا بالحقّ كاملاً كما في لبنان. المقاومة الصادقة والجادة يمكنها أن تصنع لكم فجر الحرية.

أقول لكم يا شعبنا في فلسطين: إنّ إسرائيل هذه التي تملك أسلحة نووية وأقوى سلاح جو في المنطقة، والله هي أوهن من بيت العنكبوت! وإن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم، ضعوا اليأس جانباً وتسلّحوا بالأمل، واشحذوا الهمم والعزائم.

* لنصونَ النصر
أحيي كلّ المقاومين المدافعين عن هذا البلد، أقول لهم: نحن في جوار عدوّ طبعه العدوان والإرهاب، طبعه العنصريّ يفرض عليه التآمر الدائم، ولذلك يجب أن نبقى جميعاً في جهوزيّة دائمة نحفظ مقاومتنا، ونحفظ جيشنا، ونحفظ دولتنا، ونحفظ وحدتنا الوطنية والداخلية. لنحصّن هذا النصر، ولنثبت أن لبنان هو القلعة التي لا يمكن أن تهزمها العواصف ولا الأعاصير ولا يمكن أن تشقّها أعتى الزلازل..

مبارك للبنانيين والعرب والمسلمين والمسيحيّين ولكلّ المظلومين في العالم، مبارك هذا النصر الذي وضع الأمّة كلها على بوابة مرحلة الانتصارات الآتية ووضع إسرائيل على بوابة مرحلة الهزائم الآتية.

وكلّ نصر وكلّ عيد وأنتم بخير.


(*) من كلمة السيد نصر الله (حفظه الله) في عيد المقاومة والتحرير، الخطبة التاريخية في بنت جبيل، بتاريخ 26/5/2000م.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع