نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

من معين الولاية: الاستطاعة شرط لوجوب الحج

الشيخ محمد توفيق المقداد


كثيراً ما لا يلتفت الناس إلى معرفة كمية كبيرة من الأحكام الشرعية بسبب عدم الابتلاء بها بشكل مباشر، وعندما يحين وقت الابتلاء بمسألة ما تكثر الأسئلة من الناس المبتلين بها لمعرفة أحكامها حتى يتمكنوا من تنفيذها بشكل صحيح ومبرئ للذمة عند اللَّه عز وجل، ومن جملة هذه المسائل التي يُبتلَى بها الناس لفي وقتها هي "مسألة الحج"، هذه الفريضة التي أوجبها اللَّه مرة واحدة في العمر على المسلم، وكل سنة في موسم الحج تصبح هذه المسألة مورد اهتمام الكثيرين ممن وجب عليهم أداء هذه الفريضة، ويصبح همُّ كل واحد منهم السعي لمعرفة أحكام الحج فيستعين بالعلماء والخبراء من المعرّفين الذين يتفنون القيام بأفعال الحج نتيجة الخبرة الكبيرة التي يكونون قد اكتسبوها من ذهابهم المتكرر إلى الحج.

وأهم مسائل الحج هي مسألة "الاستطاعة" التي جعلها اللَّه شرطاً لوجوب هذه الفريضة الإلهية كما قال تعالى في كتابه الكريم ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا فبدون الإستطاعة لا وجوب للحج. والحديث عن الاستطاعة يشكل جوانب عديدة داخلة في معناها، ولا بد من توضيحها لكي يحدد كل مكلّف تكليفه وأنه هل هو مستطيع فيجب عليه أداء هذه الفريضة، أو أنه ليس مستطيعاً فلا يجب عليه بالتالي الذهاب. والاستطاعة بمعناها العام عبارة عن القدرة والإمكانية من كل النواحي المطلوبة لأداء الفريضة، بحيث إذا كان أحد أركان الاستطاعة غير متحقق أو كان متعذراً على المسلم تحقيقه لا يكون مستطيعاً شرعاً ولا يثبت الحج بذمته. والإستطاعة الشرعية الموجبة للحج تشتمل على الأمور التالية:

* أولاً الاستطاعة المالية:
والاستطاعة المالية هي عبارة عن مجموعة من الأمور لا بد من توافرها جميعاً وهي التالية:
أ- المال الكافي للذهاب والإياب بما يشمل ثمن الطعام والشراب وأجرة السكن وما شابه ذلك من هذه الأمور.

ب- مؤونة العيال طوال مدة سفر الحج لو كان متزوجاً، أو كما لو كان الشخص هو المعيل لأهله مثلاً، فإذا لم يكن لديه ما يتركه لعياله أو لمن وجبت نفقتهم عليه لا يكون الحج واجباً عليه، لأن اللَّه لا يريد من المسلم أن يذهب للحج ولو على حساب عياله الذين لن يتمكنوا من تأمين احتياجاتهم حال غيابه عنهم.

ج- أن يكون ما يحتاج إليه في حياته العادية من كل ما يدخل تحت عنوان المؤونة كالمسكن والأثاث وغير ذلك متوافراً عنده، أما لو كانت هذه الأشياء غير موجودة لديه وهو بحاجة إليها، فالحج هنا لا يكون واجباً أيضاً، لأن اللَّه لا يريد للإنسان الذهاب إلى الحج إلا بعد أن يكون قد حقق احتياجاته الدنيوية ولو بالحد الأدنى الذي يكفيه للعيش بكرامة وعزة، بل يمكن ساعتئذ أن يصرف الإنسان ذلك المال في شراء ضروريات حياته ويحج في وقت آخر عندما تتحقق الاستطاعة الحقيقية المتوفرة على كل الشروط.

د- الرجوع إلى الكفاية بمعنى أنه لا يكفي لوجوب الحج أن يتملك الإنسان المال ومؤونة العيال حال سفره وتأمين ضروريات الحياة. بل ينبغي أن يكون قادراً بعد الرجوع على تأمين مصاريف حياته، كما لو كان لديه تجارة أو زراعة أو مهنة أومنفعة معينة تدر عليه أرباحاً تجعله قادراً على تأمين احتياجاته بعد رجوعه من رحلة الحج، فلو فرضنا أن من يريد الذهاب للحج ليس عنده شيء من ذلك، فهنا لا يكون الإنسان مستطيعاً ولا يجب عليه الحج شرعاً، لأنه بعد عودته لن يكون عنده شيء يعتاش منه. نعم هذا الشرط في الاستطاعة المالية غير معتبر شرعاً في ما نسميه شرعاً "الحج البدلي" وهو عبارة عن أن يتبرع شخص ما لإنسان آخر بكل نفقات الحج من الذهاب والإياب ويتكفل له بكل ما يحتاج إليه فهنا يسقط اعتبار شرط الرجوع إلى الكفاية.

من معين الولاية
* ثانياً الإستطاعة البدلية:

وهي عبارة عن أن يكون المريد للحج سليم الجسم وخالياً من الأمراض التي تعتبر مؤدية إلى عجز الإنسان عن القيام بمناسك الحج، ولهذا لو فرضنا أن المسلم كان مريضاً مرضاً يعجزه عن القيام بالتكاليف أو كان كبير السن كالهرم العاجز لا يكون الحج في هذه الحالة واجباً، وشرط الاستطاعة البدنية مطلوب تحققه ووجوده، فلو فرضنا أن المسلم قام بكل المقدمات المطلوبة منه للذهاب، ثم قبل التوجه لأداء الفريضة أصابه مرض أعجزه عن الذهاب، فإن ذلك يؤدي إلى سقوط وجوب الحج عنه لأنه لم يعد مستطيعاً بدنياً. نعم لو فرضنا أن هذا الشخص المريض كان قد وجب عليه الحج من السابق كما لو كان مستطيعاً من كل النواحي لكنه لم يذهب، ففي هذه الحالة إن كان مرضه دائماً ومستمراً بحيث لا شفاء له من ذلك المرض حتى آخر حياته، أو كان الذي وجب عليه الحج قد صار كبير السن وصار أداء الحج حرجاً عليه أو كان فيه ضرر غير قادر على أن يتحمله، ففي هاتين الحالتين يجوز إرسال شخص آخر لينوب عن المريض أو الهرم لأداء الفريضة بدلاً عنهما.

* ثالثاً الإستطاعة في الوصول:
وفي أيامنا هذه فمعنى هنا أن يُجهّز الإنسان المستندات المطلوبة منه ويتقدم بها إلى السلطات المختصة في بلده للحصول على جواز السفر الخاص بالحج، ثم قدرة الحصول على تأشيرة الدخول إلى البلد الموجودة فيه "مكة المكرمة" حيث الأماكن التي يؤدي فيها المسلم فريضة الحج، فلو فرضنا أن هذا الإنسان لم يكن قادراً على الحصول على المستندات المطلوبة لسبب أو لآخر، أو حصل عليها ولكن لم يعطوه تأشيرة دخول إلى البلد المعني بالحج، أو كان عليه خوف من الاعتقال والحجز لسبب أو لآخر، وكانت المبررات لذلك الخوف مقبولة شرعاً، فمثل هذا الإنسان يعتبره الإسلام غير مستطيع ولا يجب عليه الحج.

* رابعاً الإستطاعة الزمانية:
وهي عبارة عن أن تكون الاستطاعة قد تحققت في وقت مبكر بحيث يتمكن الإنسان من تأمين كل مستلزمات الحج التي تجعله قادراً على القيام بالمناسك، أمّا لو افترضنا أن إنساناً قد صار مستطيعاً في وقت متأخر بحيث لم يعد أمامه الوقت الكافي لتجهيز نفسه، كما لو ملك مالاً في وقت لم يعد قادراً على تأمين جواز السفر أو تأشيرة الدخول أو عند ذلك فهنا لا نعتبر هذا الإنسان مستطيعاً ولا يجب عليه الحج. ولا بد من الإشارة إلى مسألة مهمة وهي أنه عندما تتحقق الاستطاعة لدى المسلم بكل مفرداتها ومعانيها ومتطلباتها كما شرحناها يجب المبادرة للذهاب إلى الحج في نفس السنة ولا يجوز للمسلم أن يؤخر حجه عن السنة التي استطاع فيها، ولو لم يذهب مع عدم وجود أي عذر شرعي يكون قد ارتكب ذنباً كبيراً يستحق عليه العقاب من اللَّه سبحانه وتعالى، ولهذا لا يحق للمسلم أن يقول انا استطعت ولكن لا أريد أن أحج الآن لأن الإنسان المسلم عليه أن يلتزم بتكليفه لا أن يكون هو الذي يتحكم بالتكليف كما يريده فهذه الطريقة مرفوضة في الإسلام وغير معترف بها.

كما لا بد من التنبيه إلى مسألة مهمة أيضاً وهي محل ابتلاء الكثير من الناس، حيث نرى أن البعض يجب الذهاب إلى الحج ولكنه غير مستطيع مالياً وبالتالي فهو غير مكلَّف شرعاً بهذه الفريضة، فيلجأ مثل هذا الإنسان إلى اقتراض المال للذهاب على أن يسدد هذا القرض بعد رجوعه من الحج، ومن هنا نقول إن الذين يستعملون هذا الأسلوب لا يعتبرهم الإسلام مستطيعين، ولا يكون حجهم هو حج الإسلام الواجب، بل يكون حجهم حجاً مستحباً لا غير، يعطيهم اللَّه الأجر والثواب عليه، لكنه لا يكون الحج المبرئ للذمة أمام اللَّه سبحانه وتعالى. وقد يحاول البعض اللجوء إلى طريقة أخرى هي نوع من الحيلة بمعنى أن يطلب شخص مالاً من آخر بعنوان "الهبة" باللفظ فقط حتى يصبح مالكاً للمال، ثم بعد أن يرجع من الحج يعيده إليه دفعة واحدة أو بالتقسيط، وهذا بالحقيقة نوع من الحج بالدين وهو غير مبرئ للذمة أيضاً. ثم لو فرضنا أنه كان لشخص دين على شخص آخر وكان صاحب الذين قادراً على تحصيل دينه لأن المديون قادر على التسديد، فيجب على صاحب الدين المطالبة بحقه لأنه من الناحية الشرعية هو مستطيع، أما لو فرضنا أن المديون غير قادر على تسديد الدين أو كان التسديد يسبب له حرجاً شديداً لا يستطيع أن يتحمله، فهنا لا تجب المطالبة بالدين ولا يجب الحج على صاحب الدين.

وهناك مسألة مهمة بالنسبة للمرأة المتزوجة أو الفتاة كذلك وهي أنهما إذا امتلكا مالاً يكفيهما للحج من الناحية الشرعية فيجب على الزوجة الذهاب ولا تحتاج إلى إذن زوجها لأن الحج تكليف من اللَّه عز وجل ولم يشترط فيه الإسلام إذن الزوج، بل لا يحق له منعها من الذهاب، وكذلك الفتاة لا يجب عليها أخذ الإذن من الأب، لأن الاستطاعة التي تحققت لديها أخذت الإذن من اللَّه سبحانه وتعالى. والقاعدة الشرعية تقول عندنا بأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. نعم لو أرادت الزوجة أن تحج حجاً مستحباً فهي محتاجة إلى إذن الزوج ولو كانت مصاريف الحج من مالها الشخصي وليس من مال الزوج، وكذلك الفتاة. ولكن مع ذلك لا بأس بأن تستأذن الزوجة من زوجها ولو من باب اللياقة الأدبية والأخلاقية وكذلك من اللياقة أن يأذن الزوج لها ولو لم يكن إذنه مطلوباً، وكذلك الحال بالنسبة إلى الفتاة التي ما زالت تعيش مع أهلها فتستأذن منهم ويأذنون لها.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع