نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مع الإمام القائد: المفهوم السياسي للحج



إنَّ المساعي التي تُبذل من أجل إرشاد الناس وتشجيعهم لأداء فريضة الحج بشكلها الصحيح لها قيمة كبيرة وأهميّة بالغة جداً.
 

الحج في الحقيقة من الفرائض الدينية الفريدة من نوعها ولا يوجد لها نظير في جميع التعاليم الإسلامية الأخرى. والجانب المعنوي للحج يطغى على الجوانب الأخرى فيه، فعندما نلاحظ الصلاة مثلاً نرى أنّها عمل لا يستغرق سوى دقائق يتفرّغ فيها الإنسان لذكر ربّه سبحانه وتعالى. أما الحج فمنذ بدايته وحتى الانتهاء من المناسك لا يوجد فيه إلاّ ذكر اللَّه سبحانه وتعالى سواء كان ذلك في البيت الحرام، أو في المسعى الشريف أو في عرفات أو المشعر أو منى أو في الإفاضة من محل لآخر وفي جميع المواطن الأخرى لهذه الفريضة المقدّسة. أما الجانب الآخر المهم من جوانب الحج فهو الجانب المادي والدنيوي فيه وهو جانب فريد من نوعه أيضاً.

فالحج فريضة لا تخصُّ فرداً دون آخر أو شعباً دون غيره، بل هي فريضة تخصُّ الأمة الإسلامية جمعاء، فاللَّه سبحانه وتعالى دعا الناس وفرض عليهم الحج في أيام معلومات؛ في الوقت الذي كان يمكن أن يكون ذلك على طول أيام السنة بدلاً من تلك الأيام المعلومات. وهذا يعني أنّ نقطة أساسية لا بدَّ من الالتفات إليها وهي: إنَّ اللَّه سبحانه وتعالى لا يريد من توجيه دعوته للناس في أيام الحج مجرّد جمعهم في مكان معيّن هو مكّة المكرَّمة، إذ لو كان الهدف هو هذا لأمكن أن يكون ذلك على طول أيام السنة وليس في أيام معيَّنة ومعلومة.

إذاً ما هو الهدف من جمع المسلمين في مكان واحد وزمان واحد؟
 إنَّ الإجابة على هذا السؤال تكمن في أنَّ الهدف الأساس من هذا التجمُّع هو أن يشعر المسلمون أنّهم مع بعضهم البعض وإلى جانب بعضهم البعض ولكي يشعروا بالوحدة والاتّحاد ويحسّوا بالعظمة والكرامة. وإذا كان الهدف غير ذلك لم يكن من الضروري وجوب الحج في أيّام معلومات فقط، وعلى هذا فما هو الهدف الحقيقي من إرسال كلّ شعب من الشعوب الإسلامية لمجموعة من أفراده ليجتمعوا في مكان واحد وزمان واحد؟ وما هو الهدف الذي من أجله دعا اللَّه سبحانه وتعالى الناس أن يجتمعوا في مكان واحد وزمان واحد ويؤدّوا أعمالاً واحدة ويفيضوا سوية ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ويطوفوا في البيت معاً. فهل الهدف من كلّ ذلك أن يذهب المسلمون إلى مكّة ساكتين ويعودوا إلى بلدانهم ساكنين بعد أن أدّوا أعمالاً عبادية جافة؟ أو هل الهدف هو إبراز الاختلاف بين المذاهب الإسلامية خلال أيام الحج؟

إنَّ الإجابة على هذه التساؤلات تكمن في الرجوع إلى القرآن الكريم، وكما قال الإمام الصادق عليه السلام: "يُعرف هذا وأشباهه من كتاب اللَّه" حيث يعتبر الحج بهذا الشكل؛ من المفاهيم الإسلامية والقرآنية التي يجب معر فتها على كلّ مسلم. وإنّ اجتماع المسلمين في أيّام الحج وتجمّعهم في مكان واحد ليس له إلاّ فائدة واحدة وهدف واحد وهو البحث والتفكير في مصير الأمة الإسلامية ومستقبلها واتّخاذ خطوات عملية لحلّ المشاكل التي يعيشها المسلمون في العالم. ولا بدَّ من استغلال مؤتمر الحج ذلك الاجتماع المهيب للمسلمين في الديار المقدّسة ـ: من أجل تشكيل مجلس شورى يتكوّن من عدَّة آلاف من الأشخاص، يكون أعضاؤه شخصيات بارزة ومنتخبة من مختلف الشعوب الإسلامية. ويجب على هذا المجلس أن يعرض قراراته التي يتّخذها على الحجاج في موسم الحج؛ من أجل إقرارها والموافقة عليها وبعد ذلك يتمّ إبلاغها إلى كافة الحكومات والشعوب الإسلامية.

الحج منذ بدايته وحتى الانتهاء من المناسك لا يوجد فيه إلاّ ذكر اللَّه سبحانه وتعالى سواء كان ذلك في البيت الحرام، أو في المسعى الشريف أو في عرفات أو المشعر أو منى أو في الإفاضة من محل لآخر وفي جميع المواطن الأخرى لهذه الفريضة المقدّسة وهذا هو الوجه الأفضل لاستثمار هذا الاجتماع المهيب لمسلمي العالم. ولكن وللأسف الشديد لا يمكن تحقيق هذا الأمر في الوقت الحاضر؛ لأنَّ الشعوب الإسلامية لم تحقق أيَّ تقدّم في هذا المجال. ولأنَّ الحكومات الإسلامية غير مستعدَّة لتقديم المساعدة لتحقيق هذا الهدف المقدَّس.

إذاً فما هو واجب المسلمين في الوقت الحاضر ما دام ذلك الهدف لم يتحقّق بعد؟
الجواب: إنَّ واجب المسلمين في الوقت الحاضر هو إبراز حرصهم وتمسُّكهم بمصالح الإسلام السامية، وتركيز الوحدة فيما بينهم. وإظهار براءتهم بشكل صريح من جميع أعداء الإسلام في العالم. وهذه أدنى المسؤوليات الملقاة على عاتق المسلمين في أيّام الحج المباركة. إنَّ البراءة من المشركين في أيّام الحج ليست مبتدعاً أو أمراً خارجاً عنه، بل هي جزء من الحج وهي روحه ومعناه الواقعي. واليوم حلو للبعض أن يتَّهموا الجمهورية الإسلامية من خلال الصحف والإذاعات بأنّها حوّلت الحج إلى قضيّة سياسية، فماذا يعني هذا؟ إذا كان المقصود من هذا الكلام بأننا أدخلنا مفهوماً سياسياً على الحج، فالجواب: إنَّ أيَّ إنسان لا يرى هذا المفهوم السياسي للحج فإنّه غير سليم ويجب أن يُدعى له بالشفاء. إذ كيف يمكن لإنسان له معرفة بالإسلام وبآيات الحج في القرآن الكريم وبأهميّة الوحدة بين المسلمين ولا يعرف بأنَّ الهدف من هذا الاجتماع العظيم هو إحياء المفاهيم السياسية والإلهية وتحكيم الوحدة بين المسلمين وحلّ مشاكل العالم الإسلامي. وإذا كان المقصود من هذا الكلام بأنَّ الحج يجب أن لا يُتّخذ وسيلة من أجل توسيع الأهداف الشيطانية للقوى الكبرى، فإنّنا نوافق على هذا تماماً.

فلا يجوز للذين لهم ارتباط بقضية الحج جرّ هذه الفريضة المحبّبة لدى المسلمين إلى المساومة والتناغم مع سياسات القوى الكبرى في العالم. وكلّ من يحاول تحويل الحج إلى قضية سياسية بهذا المعنى فإنّه خائن لهذه الفريضة الإسلامية المقدَّسة. ولكن إذا أفرغ الحج من مضمونه السياسي الإسلامي فأين يستطيع المسلمون أن يطرحوا قضاياهم ذات الدرجة الأولى من الأهميّة ويرفعوا أصواتهم ضدّ الظلم والإجحاف الذي يتعرَّضون له في كلّ مكان من العالم؟

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما هو واجب المسلمين في مثل هذه الظروف الحسّاسة والمصيريّة؟ وهل هناك طريق غير الحج لإبراز مثل هذه الظُلامات؟ إنَّ الشيء الذي يُخيف القوى الإستكبارية ويوقفها عند حدّها هو اجتماع سواد النّاس واتّحادهم والحضور الفعّال للشعوب في ساحات المواجهة مع الاستكبار وليس المؤتمرات التي تعقدها الحكومات وتُتّخذ فيها قرارات لا تقدِّم ولا تؤخِّر. فكم من عدد القرارات التي صدرت ضدّ العدو الصهيوني لحدّ الآن، وماذا كانت نتائجها؟ إنَّ من أروع صور الحضور للمسلمين في ساحات المواجهة مع الاستكبار العالمي هو التجمّع المليوني في موسم الحج، حيث يجتمع مليونان من المسلمين هناك. فهل من العدل التفريط بمثل هذا الاجتماع وعدم استغلاله في حلِّ مشاكل العالم الإسلامي ورفع الظلم والإجحاف عن المسلمين في كلّ مكان؟ وهل يعني هذا الأمر تسييس الحج بمعناه السلبي؟ حتى يمكن الاعتراض على الجمهورية الإسلامية بأنّها جعلت من قضية الحج قضيةً سياسية.

إنَّ البراءة من المشركين هي جزء من الحج وهي روحه وحقيقته، وهي تعني أنَّ المسلمين يجتمعون في هذا الموسم؛ ليرفعوا أصواتهم بوجه الوحوش القتلة وحماتهم، ومن يتخذ القرارات في المنظّمات الدولية لصالحهم. فهل يمكن فصل الحج عن هذا المفهوم الإسلامي؟

ولا بدَّ أن يكون حضور المسلمين في الحج حضوراً هادفاً ولا يقتصر على الدعاء والذكر فقط؛ لأنّه لو كان الهدف من الحج هو الذكر والدعاء فقط لكان يمكن للإنسان بأن يقوم بذلك وهو في بيته ولم يكن من الضروري إجابة الأمر الإلهي بصورة ﴿يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ. وإذا لم يكن للاجتماع موضوعية لم يكن من الضروري جعل الحج في أيام معلومات ولأمر اللَّه سبحانه وتعالى النّاس بالحج في أيّ وقت يشاؤون من السنة. فالأمر بالاجتماع في مكان واحد وزمان واحد؛ هو من أجل المنافع المترتبة على ذلك من جهة، وليكون الدعاء والذكر والاعتصام بحبل اللَّه ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا جماعياً من جهة أخرى. إنّنا سنؤدّي واجبنا وتكليفنا في الحج ولا تنتظر المبادرة من الآخرين ولا يعفينا عن أداء المسؤولية الملقاة على عاتقنا بعون اللَّه ومشيئته.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع